خلايا الجنين تظل داخل جسم الأم لمدة 27 عاما بعد الولادة

هل تعلم أن خلايا الجنين تظل داخل جسم الأم لمدة طويلة، حيث تنتقل في مجرى الدم لمساعدة الجسم على الشفاء؟

هذه الظاهرة تعرف باسم الخيمرية الميكروية الجنينية (fetomaternal microchimerism)، وقد اكتشفت لأول مرة خلال أواخر القرن التاسع عشر. في الواقع، يحدث تبادل للخلايا بين الأم والطفل بسهولة، وهو ما يشرح إلى حد ما وجود كروموسوم واي (الكروموسوم الذكري Y)، في بعض الأحيان، داخل خلايا الأم.

ولأن هذه الكروموسومات توجد فقط لدى الرجال، فإن ذلك يثبت انتقالها من الجنين الذي كان موجودًا داخل جسم الأم.

وتقول عالمة الأحياء في جامعة كاليفورنيا أيمي بودي إن عملية تبادل الخلايا تبدأ بعد حوالي ستة أسابيع من الحمل وتستمر حتى ولادة الطفل. ويمكن أن تظل هذه الخلايا داخل جسم الأم إلى حين وفاتها، حيث تلعب دورا مهما في المحافظة على صحة الأم.

في المقابل، لا نزال لا نعرف تحديدا ما هي أنواع هذه الخلايا، التي من المرجح أن تكون من الخلايا الجذعية لأنه يمكن العثور عليها في العديد من أنواع الأنسجة المختلفة، وذلك وفقا للكاتب جيرالد سينكلار في التقرير الذي نشره موقع "أوارنس أكت".

خلال سنة 2015، أجرى فريق من العلماء في المركز الطبي لجامعة لايدن في هولندا تجربة، جمعوا خلالها أنسجة من 26 امرأة توفيت خلال الولادة (جميعهن كن حوامل بأطفال ذكور) أو بعدها.

أجسام الأمهات
وقد أفاد العلماء بأن كروموسومات واي كانت موجودة داخل أجسام الأمهات، وهو ما يؤكد أن خلايا الجنين سواء كان ذكرا أو أنثى يمكن أن تتسلل من الرحم. ويبدو أن النساء يحصلن على هذه الخلايا الجنينية، التي يمكن أن تموت أو أن تظل داخل أجسامهن على المدى الطويل.

وقالت العالمة نانسي شوت -التي كتبت حول هذا الموضوع في مجلة "ساينتفك أميركان"- إنه اتضح أن جميع الحوامل يحملن بعض الخلايا الجنينية إضافة إلى الحمض النووي للجنين، حيث تصل نسبته في بلازما دم الأم 6%. ولكن بعد ولادة الطفل، تتراجع هذه النسبة بشكل سريع. وقد تظل بعض الخلايا داخل أجسامهن.

خلال سنة 1996، عثرت ديانا بيانكي، وهي عالمة وراثة في مركز تافتس الطبي، على خلايا جنينية في دمّ الأم بعد مرور 27 سنة على إنجابها طفلها.

علاوة على ذلك، أثبتت النتائج أن خلايا الجنين لا تتسرب إلى الأم فحسب، بل تحافظ أيضا على صحة الأم. ولكن مع تعدد الأبحاث في هذا المجال الجديد، تزايدت التناقضات المحيرة بشأن هذه العناصر الغريبة والنادرة.

واكتشف بعض العلماء دور هذه الخلايا في إصابة الأم بأمراض المناعة الذاتية، التي تعتبر من أكثر الأمراض شيوعا لدى النساء. فقد وجد الباحثون خلايا جنينية في جلد المصابات بالتصلب الجلدي وفي طحال النساء المصابات بالتصلب الجهازي، وكلاهما يندرج ضمن قائمة أمراض المناعة الذاتية.

لكن دراسات حديثة أشارت إلى أن الخلايا الجنينية قد تحمي المرأة بالفعل من اضطرابات المناعة الذاتية، مثل التهاب المفاصل الروماتويدي. ومع ذلك، قد تكون هذه الآثار ناتجة عن استجابة جهاز مناعة الأم لخلايا الطفل.

اختبار
في هذا السياق، قالت بيانكي، التي تجري الآن أبحاثا حول كيفية استخدام الحمض النووي للجنين والحمض النووي الريبوزي الموجود في دم الأم لإجراء اختبار ما قبل الولادة، إن هناك أدلة تثبت النتيجتين السابق ذكرهما.

فقد أظهرت نتائج الأبحاث أن الولادة تقلل من خطر إصابة المرأة بسرطان الثدي في المستقبل، كما أن الأمهات المصابات بسرطان الثدي لديهن مستويات أقل من خلايا الجنين في دمهن مقارنة بالأمهات غير المصابات بالمرض.

وأشار الكاتب إلى أن الاستجابة المناعية للخلايا الجنينية قد تساعد على اكتشاف الخلايا السرطانية. وفي الواقع، عثِر على خلايا من الجنين في عنق رحم المصابات بالسرطان، في حين لم يعثر على أي منها في عنق رحم النساء السليمات.

مثلها مثل الخلايا السرطانية، يمكن لبعض الخلايا الجنينية أن تتكاثر بلا نهاية، حيث وجدت الدراسات، التي أجريت على الفئران، خلايا جنينية متجمعة حول أورام الرئة. وإلى حد الآن، لا يعرف الباحثون مدى تأثير خلايا الجنين على الأورام، لكنهم ليسوا مستعدين لتأكيد فوائد هذه الخلايا بالنسبة لصحة الأم.

وبينما لا يعرف الكثير عن هذا الموضوع حتى الآن، يأمل العلماء في فهم هذه التأثيرات بشكل أفضل مع مرور الوقت. وفي الحقيقة، أجريت العديد من الدراسات حول هذه المسألة، لذا قد نتمكن في المستقبل من التعرف على فوائد هذه الخلايا والسبب وراء بقائها داخل جسم الأم.

المصدر : مواقع إلكترونية