أدوية التخسيس بمصر.. كبسولات الموت يقدمها تحالف الإعلام والمروجين

صورة من بيكسابي.. ادوية التخسيس
أدوية التتخسيس سم على طبق (بيكسابي)

محمود صديق-القاهرة 

تحاصر الإعلانات عن عقاقير تساعد على التخسيس السريع المصريين عبر القنوات الفضائية والمواقع الإلكترونية والتواصل الاجتماعي، لاعبة على مشاعر شريحة كبيرة تعاني من زيادة الوزن، وتمنعهم ظروفهم العملية -وربما المادية- من ممارسة الرياضة، فيصورون لهم حلم التخسيس السريع في كبسولة.

واستعانت إحدى هذه الشركات بممثلين وممثلات من الصف الثاني والثالث في السينما المصرية، ومواطنين؛ ليروجوا لما يسمونها "الكبسولات السحرية" في التخسيس، وهو ما شجع كثيرا من الناس على الإقبال عليها دون استشارة طبيب، ودون أن يدركوا المخاطر الكبيرة التي تقف وراء مثل هذه الأدوية، التي حذرت هيئات الصحة العالمية من تعاطيها لأخطار عديدة، ربما تصل إلى الوفاة.

يقول الأستاذ بجامعة القاهرة وسكرتير عام الجمعية الطبية المصرية لدراسة السمنة الدكتور محمد أبو الغيط إن طوفان الإعلانات على القنوات الفضائية، ووسائل التواصل الاجتماعي، الذي يروج لعقاقير تمنح حلا سحريا لزيادة الوزن، وتفقد الجسم كيلوغرامات خلال أيام؛ تحمل في ثناياها أخطارا على صحة مستخدميها قد تنتهي بالموت.

وأشار أبو الغيط للجزيرة نت إلى تحذيرات كثيرة صدرت عن إدارة الغذاء والدواء الأميركية، وأنها رصدت منتجات يعلن عنها كمنقصات للوزن وتحتوى على مادة تسمى تريامتيرين (Triamterene) تستخدم في العقاقير المدرة للبول، وتتسبب حال استخدامها دون استشارة الطبيب في خلل في نسبتي الصوديوم والبوتاسيوم بالدم، ولذلك خطورة بالغة على عضلة القلب، وربما تتسبب في الإصابة بالفشل الكلوي.

وهذه الحبوب تعظم خطورتها مع من يعانون من أمراض القلب، وضغط الدم المرتفع، حيث يكون عرضة للوفاة السريعة، بل ربما تصل خطورتها إلى إصابة الأشخاص الأصحاء بارتفاع ضغط الدم واعتلالات القلب، حسب ما قاله أبو الغيط.

‪إعلان على موقع إلكتروني  يروج للتخسيس السريع‬ إعلان على موقع إلكتروني  يروج للتخسيس السريع 
‪إعلان على موقع إلكتروني  يروج للتخسيس السريع‬ إعلان على موقع إلكتروني  يروج للتخسيس السريع 

سكتة دماغية
ويحذر اختصاصي العلاج الطبيعي والعقاقير سيد فارس طالبي التخسيس السريع من الوقوع في مصيدة الإعلانات التي تروج لمنتجات تسد الشهية، وتشعر الإنسان بالشبع لاحتوائها على مادة "السيبوترامين" المحظور استخدامها دوليا، والتي تعمل على النواقل العصبية في الجهاز الهضمي، وتخفض نسبة امتصاص مادة الدوبامين التي تتحكم في السلوكيات والإحساس بالدماغ.

وأكد فارس للجزيرة نت أن هذه المادة قد تسبب لمستخدميها سكتة دماغية مفاجئة، ولا يمكن إنقاذهم منها، ويتعرض المحظوظون منهم لمقدمات السكتة المتمثلة في الشعور برعشة، وجفاف البلعوم، والهذيان، وارتفاع كبير في درجات الحرارة، والقيء المستمر، فتكون فرص إنقاذهم أكبر.

ويشير استشاري السمنة والتخسيس علي جمال الدين إلى أن مكمن الخطورة في أدوية التخسيس التي تعتمد في طريقة عملها على حرق الدهون؛ إلى أن معظمها يحتوي على عنصر الكافيين ومدرات البول، التي تجعل الجسم عرضة للجفاف.

كما أنها ترفع معدلات هرمون الكورتيزون المسؤول عن القلق بالجسم، مما يجعل متعاطيها مصابا بالأرق، وارتفاع معدل ضربات القلب، ويؤثر في النهاية على جهاز المناعة.

تحالف الإعلام والمهربين
كما أن الإكثار من تلك الحبوب -حسب جمال الدين- يؤثر على الصحة العقلية حسب ما أثبتته أبحاث قامت بها إحدى الجامعات الأميركية، بعد أن شهدت الولايات المتحدة وفاة شاب رياضي كان يتعاطى حبوبا تسهم في إسراع عملية حرق الدهون داخل الجسم.

وتساءل جمال الدين عن سر سكوت وزارة الصحة والأجهزة الرقابية عن دخول هذه الأدوية، والإعلانات التي تملأ القنوات الفضائية والمواقع الإلكترونية ومواقع التواصل الاجتماعي دون رقيب، مؤكدا وجود ما يشبه التحالف الضمني بين مهربي هذه العقاقير وقنوات فضائية ومواقع إلكترونية شهيرة تروج لهذه العقاقير دون التأكد من مصدرها، أو حتى التأكد من حصولها على موافقة من وزارة الصحة.

ويقول مدير المركز المصري للدراسات الدوائية والإحصاء ومكافحة الإدمان الدكتور علي عبد الله إن معظم تلك العقاقير تأتي عن طريق التهريب، وربما عبر المنافذ الجمركية المعروفة، وإن بعض المهربين يضعونها في حاويات محملة بلعب أطفال أو ما شابه، وضبطت حالات بالفعل، لكن الاقتصاد الموازي لا يعدم وسائل جديدة لإدخال ما يريد.

وأشار عبد الله إلى ضبط الجهات الرقابية بمحافظة أسيوط مخزنا لإحدى شركات الأدوية يحوي عقاقير مهربة قيمتها عشرة ملايين جنيه (نحو 562 ألف دولار) مطلع هذا العام، وأن هذا الرقم ربما يمثل أقل من 1% من حجم الأدوية المهربة.

‪إعلان عن منتج يزعم حرق الدهون على صفحات فيسبوك‬ إعلان عن منتج يزعم حرق الدهون على صفحات فيسبوك
‪إعلان عن منتج يزعم حرق الدهون على صفحات فيسبوك‬ إعلان عن منتج يزعم حرق الدهون على صفحات فيسبوك

مساهمة وزارة الصحة في الفوضى
وأكد أن الفوضى الكبيرة في الأدوية المستوردة عموما تعود إلى عدم تسجيل شركاتها المنتجة أو موزعيها المعتمدين بوزارة الصحة، الأمر الذي يفتح أبوابا خلفية للأدوية المهربة والمغشوشة، فلا تكون لوزارة الصحة ولا الجمارك رقابة.

خبير إعلامي وأستاذ إعلام بإحدى الجامعات الإقليمية -رفض ذكر اسمه- أكد صعوبة الرقابة على الإعلانات التي تروج لهذه الأدوية أو غيرها، مرجعا ذلك إلى توزع المسؤولية بين عدة جهات؛ فالمسؤولية تائهة بين وزارة الصحة، وهيئة الاستثمار المسؤولة عن القنوات الفضائية، والشركة المصرية للأقمار الصناعية (نايل سات)، والكل يلقي المسؤولية بعيدا عنه.

لكن التحدي الحقيقي -حسب أستاذ الإعلام- يتمثل في القنوات التي تذيع هذه الإعلانات، فمعظمها لا تملك أستديوهات، وتعتمد في كل موادها على البث المسجل الذي تشتري له مساحة (تردد) على "نايل سات" تبث من خلالها، وتبث موادها من المناطق الحرة بمصر، ودول أخرى مثل البحرين، وقبرص، والأردن.

وتكون تكلفة إنتاج هذه الإعلانات متدنية للغاية مقارنة بالقنوات الأخرى، مما يتيح لها عرض مساحات زمنية كبيرة للإعلان بأسعار زهيدة للغاية دون أن تهتم بمحتوى الإعلان أو مضمونه أو قيمة المنتج أو أضراره، والمهم هو الربح، بحسب الخبير.

وأغلب المعلنين يصورون إعلاناتهم عند وكالات وهمية أو "تحت بئر السلم" -على حد تعبيره- لذا تصعب جدا الرقابة على إعلانات مثل هذه القنوات.

المصدر : الجزيرة