حماية قلوب الشباب الإندونيسي من أخطار التبغ

YOGYAKARTA, INDONESIA - MARCH 07: Anggit (14), smokes at a coffee shop with his friends on March 7, 2017 in Yogyakarta, Indonesia. Smoking among Indonesian children has reportedly been on the rise with an estimated 20 million child smokers under the age of 10, according to reports. The Indonesian government recently implemented bans on smoking in public places and prohibitions on cigarette ads to reduce the number of people lighting up although smoking has been ingrained in Indonesian culture with over 70 percent of the country's men smoking. Health activists describe Indonesia as a sanctuary for big tobacco companies and that underage smoking in Indonesia has become a problem that transcends class as it rises in popularity among the poor. Many locals make their livelihood through tobacco farms, which produce locally made cigarettes called kreteks, a blend of tobacco and cloves, and surrounded by cigarettes from an early age. (Photo by Ulet Ifansasti/Getty Images)
شاب يدخن في مقهى بيوجياكارتا في إندونيسيا (غيتي)

تعد إندونيسيا موطنا لمئة مليون مدخن، مما يجعلها ثاني أكبر سوق في العالم للتبغ بعد الصين، وتؤدي الأضرار السلبية للتدخين إلى مقتل أكثر من مئتي ألف إندونيسي كل عام، ويخيم خطر الموت أيضا على جيل الشباب، إذ إن خمس الشباب الذين تتراوح أعمارهم بين 13 و15 سنة يدخنون، وهو ما يمثل أعلى معدل في المنطقة.

ويتعين على الحكومة أن تسعى إلى منع صناعة التبغ من اجتذاب الشباب، لكي تتمكن من تجنب العبء المستقبلي الذي قد تعاني منه البلاد جراء الأمراض المزمنة التي يسببها التدخين.

ويعتبر التدخين السبب الرئيسي لأمراض القلب وأمراض الأوعية الدموية الأخرى، كما كان موضوع اليوم العالمي للامتناع عن التبغ هذا العام هو "التبغ وأمراض القلب" بهدف زيادة الوعي بآثار التدخين ولتشجيع البلدان على تعزيز السياسات الرامية إلى مكافحة التبغ.

ويجب أن توضع تدابير أقوى لمكافحة التبغ في إندونيسيا قيد التنفيذ، للحد من التكاليف الاجتماعية والاقتصادية المترتبة على التدخين، فقد أظهر أحدث بحث نشر بهذا الخصوص إلى أن التدخين كلف إندونيسيا ما يقرب من ستمئة تريليون روبية (43 مليار دولار) عام 2015.

ستقدم هذه المقالة بعض الخطط والإستراتيجيات المقترحة لمساعدة إندونيسيا على إنقاذ مستقبل البلاد من الوفيات المرتبطة بالتدخين التي تطارد جيلها من الشباب الصاعد.

صغير جدا على التدخين
يبدأ الإندونيسيون التدخين في سن مبكرة، إذ إن السجائر متاحة على نطاق واسع وتباع بأسعار زهيدة بسبب افتقار الحكومة إلى سياسات تهدف إلى السيطرة والحد من تجارة التبغ، وقد أظهر المسح العالمي الخاص بالشباب والتبغ لعام 2014 أن ثلاثة من بين كل خمسة طلاب إندونيسيين تتراوح أعمارهم بين 13 و15 عاما تعرضوا لإعلانات السجائر ويمكنهم شراؤها بسهولة.

وقد القى مشروع يموله المركز الأسترالي-الإندونيسي الضوء على حملات الترويج المكثفة لشركات التبغ في مدينة دنباسار في بالي.

وقد وجد المشروع الذي شارك فيه فريق بحث يضم أعضاء من جامعة سيدني وجامعة أودايانا بمقاطعة بالي وجامعة أيرلانغجا في مدينة سورابايا أن 11 فقط من بين ألف من المؤسسات الإعلامية التي تناولها المشروع لا تعرض إعلانات السجائر، وأن سبعا من أصل عشر من شركات البيع بالتجزئة تعرض لافتة واحدة على الأقل للترويج لمنتجات السجائر.

ووجد البحث أيضا أن 367 من أصل 379 مدرسة يوجد بالقرب منها منفذ واحد على الأقل لبيع السجائر على بعد 250 مترا، واعترف أكثر من نصف تجار التجزئة في مدينة دنباسار بأنهم يبيعون السجائر للشباب، بالإضافة إلى بيعهم "السجائر الفرط" (سجائر تباع مفردة)، والتي فرضت العديد من البلدان حظرا على بيعها لأنها أرخص من علبة السجائر، وبالتالي تصبح في متناول الأطفال.

ويبين البحث أن النهج الذي تتبعه شركات التبغ والذي ينطوي على حملات الترويج القوية وأسعار السجائر الزهيدة هو أهم الأسباب التي تدفع الصبيان الإندونيسيين إلى التدخين أكثر من غيرهم في منطقة جنوب شرق آسيا.

‪إندونيسيا الدولة الوحيدة في قارة آسيا التي لم توقع ولم تصدق على معاهدة مكافحة التبغ العالمية‬ (غيتي)
‪إندونيسيا الدولة الوحيدة في قارة آسيا التي لم توقع ولم تصدق على معاهدة مكافحة التبغ العالمية‬ (غيتي)

ضعف القواعد التنظيمية والقوانين الخاصة بالتدخين
تعتبر إندونيسيا الدولة الوحيدة في قارة آسيا التي لم توقع ولم تصدق على معاهدة مكافحة التبغ العالمية المعروفة باسم اتفاقية منظمة الصحة العالمية الإطارية بشأن مكافحة التبغ، وهي أول معاهدة يتم التفاوض عليها برعاية منظمة الصحة العالمية، وهذا يعني أن إندونيسيا متأخرة إلى حد كبير عن الدول الأخرى في اعتماد إجراءات فعالة لمكافحة التبغ.

وقد أخفقت الحكومة في حماية الأطفال الإندونيسيين من إستراتيجيات الترويج القوية التي تتبعها شركات التبغ، ولم تفرض قوانين حظر على شركات التبغ التي تروج لمنتجاتها وتبيع السجائر للأطفال، كما تسهم أيضا أسعار السجائر الرخيصة بسبب انخفاض ضريبة التبغ في زيادة المبيعات بين الشباب.

وتسعى وزارة الصحة إلى الحد من استهلاك التبغ بنسبة 30% بحلول عام 2025، كما ترغب الحكومة في الحد من انتشار التدخين بين الأطفال ليصل إلى نسبة 5.4% بحلول عام 2019 بدلا من نسبة 7.2% في عام 2013.

ونظرا لضعف الإجراءات التي تتخذها الحكومة لمكافحة التبغ فإن تحقيق هذا الهدف يبدو مستحيلا، إذ يظهر 16.4 مليون مدخن جديد سنويا تتراوح أعمارهم بين 10 و19 عاما.

جيل الشباب مهم
تعتبر إندونيسيا أكبر اقتصاد في جنوب شرق آسيا، وأكثر من ثلث سكانها هم من الشباب الذين تقل أعمارهم عن عشرين عاما، وتواجه إمكانياتها وإنتاجيتها تهديدا جادا بسبب التعرض الهائل لجيلها من الشباب إلى الأخطار الخطيرة الناجمة عن التدخين.

ولكي تتمكن الحكومة من إنقاذ جيل المستقبل في إندونيسيا من أمراض القلب والأوعية الدموية من المهم أن تسعى جاهدة إلى الحد من زيادة المدخنين الجدد، نظرا لأن منع زيادة أعداد المدخنين الجدد يعد أمرا أساسيا بالغ الأهمية إذا أرادت إندونيسيا خفض معدلات التدخين بين الشباب.

‪إذا أخفقت إندونيسيا في خفض معدلات التدخين بين الشباب الصغار فإن العبء الهائل لأمراض القلب والأوعية الدموية، والأمراض الناجمة عن التبغ سيطغى على القدرة الاستيعابية للنظام الصحي في البلاد‬ (غيتي)
‪إذا أخفقت إندونيسيا في خفض معدلات التدخين بين الشباب الصغار فإن العبء الهائل لأمراض القلب والأوعية الدموية، والأمراض الناجمة عن التبغ سيطغى على القدرة الاستيعابية للنظام الصحي في البلاد‬ (غيتي)

تثقيف
يمثل تثقيف الشباب بشأن الآثار الضارة للتدخين والتدخين السلبي أحد الحلول المهمة، في حين يتجسد حل آخر في تفكيك الأسطورة التي تروج لها صناعة التبغ وهي أن "التدخين أمر رائع" من خلال حملات فعالة لمكافحة تسويق التبغ، ومن الأمثلة على ذلك حملة مؤسسة القلب الإندونيسية "رائع بدون سيجارة" وحركة "عملاء مكافحة التدخين".

ومع ذلك، فإن تلك الحلول بدون بيئات داعمة لا طائل من ورائها، إذ إن تعليم الشباب أن التدخين "سيئ" لا جدوى منه عندما تكون السجائر رخيصة الثمن ومتوفرة بسهولة ويستهلكها الأشخاص الذين يحبونهم ويحترمونهم، مثل الآباء والمعلمين.

ومن الضروري أن تقوم الحكومة بالحد من إمكانية حصول الأطفال الصغار على السجائر وتقلل من تعرضهم لإعلانات التبغ، فأولا: ينبغي على الحكومة أن تضع الحظر المفروض حاليا على بيع التبغ للقصر قيد التنفيذ، وثانيا: يجب عليها فرض حظر شامل على جميع أشكال الإعلان عن التبغ والترويج له ورعايته، وقد نجحت أستراليا وكندا ونيوزيلندا في فرض إجراءات حظر مماثلة.

وتوجد خيارات أخرى متاحة لتحسين التشريعات المسيرة لشركات بيع السجائر بالتجزئة على الرغم من أن ذلك يعتمد على استعداد الحكومة على الصعيدين الوطني والمحلي، وتشمل هذه الخيارات نظاما لإصدار تراخيص التبغ ونظاما لتحديد مناطق بيع التبغ والحد من أعداد تجار التجزئة.

وقد نجحت مدينة سان فرانسيسكو في ولاية كاليفورنيا الأميركية في اعتماد جميع الخيارات الثلاثة، وقد منعت الهند بيع السجائر داخل نطاق مئة ياردة (حوالي 91 مترا) من المدارس، ويطبق حظر مماثل في مدينة تشانغشا الصينية على مسافة مئة متر من المؤسسات التعليمية.

ويمكن لإندونيسيا أن تتبنى سياسات مماثلة لتحديد مناطق البيع، إلى جانب قيام الحكومات المحلية بإنفاذ مثل هذه الأحكام من خلال تخطيط المدن والمناطق المحلية.

وتحتاج إندونيسيا أيضا إلى توفير سياسات داعمة أخرى، بما في ذلك زيادة الضرائب المفروضة على التبغ وحظر واسع النطاق على التدخين في الأماكن العامة، وإذا أخفقت في خفض معدلات التدخين بين الشباب الصغار فإن العبء الهائل لأمراض القلب والأوعية الدموية والأمراض الناجمة عن التبغ سيطغى على القدرة الاستيعابية للنظام الصحي في البلاد.

ويعد إيقاف الشباب الإندونيسيين عن البدء في التدخين استثمارا ذكيا لإندونيسيا، ولكنه يتطلب سياسات على المستوى الوطني لمكافحة التبغ، كما تحتاج إندونيسيا إلى فرض مثل هذه السياسات من أجل مكافحة انتشار أمراض القلب والأوعية الدموية في المستقبل.
_______________
* بوتو أيو سوانديوي أستوتي، طالبة دكتوراه في كلية الصحة العامة بجامعة سيدني، شاركت في أبحاث مكافحة التبغ والدفاع عن السياسات المناهضة للتدخين في بالي خلال السنوات الست الماضية.
بيكي فريمان، زميلة باحثة ومحاضرة في جامعة سيدني، تتركز اهتماماتها البحثية الرئيسية على مكافحة التبغ والآثار المترتبة على الصحة العامة من وسائل الإعلام الجديدة.
مقال منشور على موقع "ذا كونفيرزيشين".

المصدر : مواقع إلكترونية