الأخطاء الطبية.. قاتل جديد يهدد حياة العراقيين

الصورة (3) يلجأ الكثير من العراقيين للعلاج في المستشفيات الحكومية بسبب رخص أسعارها رغم قلة خدماتها
الكثير من العراقيين يلجؤون إلى العلاج في المستشفيات الحكومية (الجزيرة)

مروان الجبوري-بغداد

 

لم تكن سوى عملية جيوب أنفية، قررت الشابة نسرين (21 عاما) إجراءها في مستشفى غازي الحريري في مدينة الطب ببغداد، لكن أسرتها فوجئت بالفريق الطبي المشرف على المريضة يخبرهم بوفاة ابنتهم بعد نحو أربع ساعات على دخولها غرفة العمليات.

كانت صدمة قاسية وغير متوقعة، أثارت عاصفة من ردود الفعل الغاضبة إعلاميا وشعبيا، تضامنت مع أسرة الضحية وأعادت فتح ملف الأخطاء الطبية في المؤسسات الصحية العراقية.

ويقول البعض إن الأخطاء الطبية في العراق تتكرر باستمرار، حالات مرضية بسيطة تنتهي بفقدان المريض لحياته، بسبب جرعات زائدة من التخدير أو نتيجة سوء التشخيص، مما عرض سمعة الأطباء العراقيين للكثير من الضرر، ودفع بعض العراقيين للجوء إلى السفر خارجا نحو الهند وتركيا والأردن وغيرها، بحثا عن السلامة وهربا من هذا المصير المأساوي.

ولا تقتصر نتائج هذه الأخطاء على الموت فحسب، فكثير من الضحايا تعرضوا لعاهات مستديمة كالعمى أو الشلل، كالحاج كاظم نعمة البالغ من العمر 67 عاما، الذي قرر منذ شهرين إجراء عملية لسحب المياه البيضاء من عينيه في مستشفى الإمام علي بمدينة الصدر ببغداد، إلا أن النتيجة كانت تعرضه لثقب بشبكية العين أدى لفقدانه البصر.

يقول الحاج كاظم إنه اضطر للجوء إلى مستشفى حكومي لأن كلفة العلاج في المستشفيات الأهلية باهظة جدا، لكن النتيجة أنه فقد القدرة على الإبصار بشكل كامل، وهو يستعد لرفع دعوى قضائية ضد الطبيبة المشرفة على العملية، أو حتى مقاضاتها عشائريا، بحسب قوله.

‪تعاني الكثير من مستشفيات العراق من نقص في التجهيزات والأدوية‬ (الجزيرة)
‪تعاني الكثير من مستشفيات العراق من نقص في التجهيزات والأدوية‬ (الجزيرة)

إجراءات حكومية
لكن كثيرين يرون أن نسبة الأخطاء التي تشهدها المستشفيات العراقية ما زالت ضمن المعدلات المقبولة عالميا، مع الأخذ بالحسبان حجم الضرر الذي أصاب البنى الصحية العراقية خلال السنوات الماضية.

ويقول المتحدث باسم وزارة الصحة سيف البدر إنه لا بد من إثبات وقوع الخطأ طبيا وقانونيا قبل أن تشرع الوزارة باتخاذ إجراءاتها بهذا الخصوص، وذلك عن طريق تحديد نوع الخطأ والظروف المصاحبة له والمسؤولين عنه.

ويصف البدر معظم هذه الأخطاء بأنها غير متعمدة، مضيفا للجزيرة نت أنهم ينتظرون تقرير الطب العدلي قبل اتخاذ أي إجراء، من أجل تشريح الجثة وتحديد نوع الخطأ وحجم الضرر الذي أصاب الضحية.

وإذا ثبتت بعد ذلك مسؤولية الطبيب أو الفريق المشرف على العملية فمن حق ذوي الضحية إقامة دعوى قضائية لتحديد طبيعة العقوبة قانونيا.

ويؤكد البدر أن للوزارة قانونا انضباطيا يتولى دراسة هذه الحالات وتحديد العقوبات بحق المسؤولين عنها، وهي تتراوح بين عقوبات إدارية أو الفصل والعزل بحسب الخطأ ودرجته، على حد قوله.

وعن حالة الضحية نسرين انتقد البدر طبيعة تعاطي وسائل الإعلام مع القضية، ففي اليوم الثاني للحادثة تم تأجيج الموضوع قبل أن تصدر شهادة الطب العدلي، رغم أن صدور التقرير يستغرق بضع أسابيع أحيانا.

ويتهم المتحدث باسم الوزارة بعض وسائل الإعلام "بعدم الموضوعية واللجوء إلى أساليب غير مهنية" لتأليب الرأي العام على الكوادر الطبية، حيث يتم الاعتماد على كلام أسرة الضحية دون معرفة ملابسات الحادث أو انتظار نتائج التحقيق، رغم أن ذلك يحتاج إلى تقارير من لجان طبية متخصصة، وفق ما يرى.

‪المراجعون للمستشفيات الحكومية العراقية يشتكون من نقص في الخدمات وقلة النظافة‬ (الجزيرة)
‪المراجعون للمستشفيات الحكومية العراقية يشتكون من نقص في الخدمات وقلة النظافة‬ (الجزيرة)

أخطاء واعتداءات
ووفقا لمصادر برلمانية فإن المستشفيات العراقية شهدت نحو أربعة آلاف خطأ طبي منذ عام 2003، تسببت بالعديد من الوفيات وحالات الإعاقة.

وقد وقعت هذه الأخطاء في مستشفيات حكومية وأهلية، وأدت للعديد من النزاعات بين أهالي الضحايا والكوادر الطبية المسؤولة عن هذه الأخطاء.

ورغم أن قانون حماية الأطباء الذي أقره مجلس النواب عام 2013 يتضمن حماية هذه الفئة من أي اعتداءات قد تطالهم، فإن العشرات منهم يتعرضون سنويا إلى عمليات ضرب واحتجاز وقتل أحيانا، بسبب اتهامات لهم بالتسبب في وفيات بعض المرضى.

وتعاني المستشفيات الحكومية في العراق من نقص كبير في المستلزمات الطبية والأدوية والكوادر العاملة فيها وقلة النظافة، وأدت عمليات الاغتيال التي استهدفت عشرات الأطباء بعد الغزو الأميركي إلى هجرة أعداد كبيرة منهم خارج العراق أو إلى إقليم كردستان، مما أحدث فجوة كبيرة لم تستطع الحكومة تعويضها.

ويشتكي الطبيب في مستشفى اليرموك ببغداد ياسر علي مما يعتبره "عدم تفهم" من قبل الكثير من الأهالي لحالات ذويهم، حيث إن بعض العمليات تكون نسبة نجاحها محدودة، ويتم إخبار الأهل بذلك، إلا أن وفاة المريض تدفعهم لصب جام غضبهم على الكوادر الطبية والاعتداء عليها بالضرب أو طلب التعويض المالي.

ويحكي علي قصصا كثيرة حول تعرض زملاء له للضرب والإهانة مما دفع بعضهم للهجرة أو ترك أماكن عملهم هربا من هذه التجاوزات.

ولا يخفي الطبيب ضيقه وتبرمه من بطء الإجراءات الحكومية في توفير الحماية لهم، مشيرا إلى أنهم يتعرضون باستمرار إلى مضايقات تجعلهم يواجهون عواصف من النقد المجتمعي دون إدراك لطبيعة عملهم وحجم المخاطر التي يواجهونها، وصعوبة الظروف المحيطة بهم، مما يؤدي لوقوع بعض الأخطاء أحيانا، بحسب تعبيره.

المصدر : الجزيرة