البروبيوتيك تقتل طفلا صغيرا.. هل بدأ انهيار الهالة؟

Lab workers culture Lactobacillus bacteria at Otemchi Biotechnology's laboratory in Singapore April 24, 2015. In barns filled with classical music and lighting that changes to match the hues outside, rows of chickens are fed a diet rich in probiotics, a regimen designed to remove the need for the drugs and chemicals that have tainted the global food chain. The Lactobacillus is produced in the lab to mix with chicken feed for Kee Song Brothers' drug-free poultry farms. Picture taken April 24, 2015. To match POULTRY-DRUG/ REUTERS/Edgar Su
تضاف حاليا كائنات دقيقة حية إلى عدد من المنتجات الغذائية (رويترز)

في ظل الاستخدام العالمي المتزايد للبروبيوتيك -وهي كائنات حية دقيقة يمكن أن توفر فوائد لصحة الإنسان عند تناولها بكمية معينة- والإعلانات التي تروج بقوة لمنتجاتها، علينا أن نتساءل عما إذا حان الوقت لإعادة تقييم مدى صحة هذه المنتجات؟

ويأتي هذا في أعقاب وفاة طفل تعرض إلى عدوى فطرية قاتلة بعد استخدامه مكملات البروبيوتيك التي تلوثت بالفطريات.

وظلت البشرية لآلاف السنين تستهلك الأغذية الغنية بالبكتيريا الحية. فمثلا، يعود استخدام زبادي اللبن إلى ما لا يقل عن خمسة آلاف سنة قبل الميلاد. وفي كوريا، كان غذاء الكيمشي -وهي خضار مخمرة- يُستهلك لآلاف السنين.

وتوجد البروبيوتيك في مواد مثل اللبن الزبادي والكفير (حليب مخمر) والتيمبيه (منتج مخمر من فول الصويا) والكيمشي والميزو (منتج مخمر من فول الصويا).

في المقابل، تضاف حاليا كائنات دقيقة حية إلى عدد من المنتجات ويُروّج أنها تقدم مجموعة من الفوائد الصحية. ويلاحظ أن أساليب الدعاية المبتكرة، وما رافقها من إقبال على الأغذية التي تحتوي على بكتيريا ملائمة للقناة الهضمية، جلّها عوامل اشتركت لإنعاش سوق البروبيوتيك.
 
وربما يكون مفاجئا أنه من أجل بيع منتج غذائي يحتوي على هذه الكائنات الدقيقة الحية، لا توجد أية قيود قانونية تتعلق بتوفير إثبات على أن هذا الأمر فعلا مفيد للصحة، وعلى أنه آمن، وفقا لمقال للكاتب تيم نيومان في موقع "ميديكال نيوز توداي".

وخلال هذا الأسبوع، نشرت مجلة "غاما" الطبية الأميركية مقالا قالت فيه إن الوضع الحالي في هذا القطاع خطير.

وأشار هذا المقال الذي كتبه الدكتور بيتر كوهين عضو اتحاد كامبريدج للصحة في كلية هارفارد للطب في بوسطن، إلى المنافع المؤكدة للبروبيوتيك.

فمثلا، ثبت أن مادة "ساكاروميسز بولاردي" (فطر السكر) تساعد على علاج بعض أنواع الإسهال لدى الأطفال، وتحد من تكرر عدوى "المطثية" العسيرة لدى الكبار. ورغم هذه الأمثلة المذكورة، يؤكد الدكتور كوهين أن المواد المستخدمة في هذه الأطعمة والمكملات لم تثبت فوائدها الصحية، كما لم يثبت كذلك أنها مضرة.

البروبيوتيك كائنات دقيقة حية يمكن أن توفر فوائد لصحة الإنسان عند تناولها بكمية معينة

مزاعم
وأفاد الكاتب بأن المصنعين يدّعون أن مكملات البروبيوتيك تساهم في الحفاظ على صحة الجهاز التنفسي والقلب والشرايين، والوظائف التناسلية والصحة النفسية.

وفي هذا السياق، قال الدكتور كوهين إنه "رغم هذه المعلومات التي يتم الترويج لها، لم تحدث أي تجارب سريرية طويلة المدى تكفي لإثبات ما إذا كان البروبيوتيك يحمل فوائد صحية للناس الذين لا يعانون من أية مشاكل".

ومع أنه لم يُتوصل حتى الآن إلى أدلة تثبت أن هناك منافع صحية، فإن القانون يسمح لمصنعي هذه المواد الغذائية بإعلام المستهلكين بأن منتجاتهم "تدعم الجهاز المناعي"، وتعزز صحة الجهاز الهضمي. وما يثير القلق أكثر، أنهم غير مطالبين بوضع معلومات على المنتج تتعلق بإمكانية حدوث آثار جانبية وسلبية.

المخاطر المحتملة
وعلى مدى سنوات، سُجّلت العديد من الحالات التي تشير إلى احتمال وجود جوانب سلبية للأغذية التي تحتوي على مكملات من البروبيوتيك. وقد تشمل هذه المخاطر وجود الفطريات في الدم وتجرثم الدم، وهو ما يعني تسرب هذه الفطريات أو البكتيريا إلى مجرى الدم.

والأشخاص الذين يعانون من ضعف نظامهم المناعي -بمن فيهم صغار السن وكباره- معرضون لهذه المخاطر بشكل أكبر، إذ تطورت هذه الكائنات الحية في نهاية المطاف لتؤثر على جسم الإنسان.

ونظرا لأنه لا يتم التبليغ عن التأثيرات السلبية التي تتم ملاحظتها عندما يتعلق الأمر بإجراء العديد من التجارب على البروبيوتيك، فإن حجم هذه المشكلة ليس معروفا. وإلى جانب خطر العدوى التي يمكن أن يسببها استهلاك أغذية تحتوي على البروبيوتيك، يوجد كذلك احتمال خطر تناول منتجات ملوثة أو ذات جودة ضعيفة.

ورغم أن إدارة الغذاء والدواء في الولايات المتحدة تفرض إجراءات سلامة صارمة على تصنيع هذه المنتجات، فإنه لا يتم دائما احترام هذه الإجراءات.

‪على مدى سنوات، سُجّلت العديد من الحالات التي تشير إلى احتمال وجود جوانب سلبية للأغذية التي تحتوي على مكملات من البروبيوتيك‬ (دويتشه فيله)
‪على مدى سنوات، سُجّلت العديد من الحالات التي تشير إلى احتمال وجود جوانب سلبية للأغذية التي تحتوي على مكملات من البروبيوتيك‬ (دويتشه فيله)

فشل
وبحسب الدكتور كوهين، شملت إحدى عمليات المعاينة نحو 656 منشأة خلال العام 2017، وتبيّن وجود تجاوزات في أكثر من نصفها. وفي هذا الصدد، قال الدكتور "لم تكن هذه التجاوزات تافهة، حيث إن أغلبها يتعلق بفشل الشركات في تحديد مصدر ومدى صفاء وتركيبة المنتج النهائي".

وقد عاد هذا الخطر المحتمل إلى دائرة الاهتمام في أعقاب حادثة الطفل (8 أعوام) الذي تعرض إلى عدوى فطرية قاتلة بعد استخدامه مكملات البروبيوتيك التي تلوثت بالفطريات.

ويشير الدكتور كوهين إلى أنه رغم كون التقيد بتعليمات إدارة الغذاء والدواء سيساهم في الحد من مخاطر تلوث هذه المنتجات، فإنه لن يكون كافيا للتأكد من أن مكملات البروبيوتيك نفسها تعد آمنة تماما.

ودعا السلطات المعنية إلى فرض اختبارات سلامة إضافية تركز بشكل خاص على انتقال جينات مقاومة للمضادات الحيوية. ففي الوقت الراهن، لا نعلم كيف سيؤثر استهلاك أنواع البكتيريا التي تحمل أنواعا جديدة من الجينات على مقاومة أجسادنا للمضادات الحيوية في المستقبل.

فضلا عن ذلك، وجه الدكتور كوهين في النهاية رسالة يدعو فيها المستهلكين والأطباء إلى عدم الافتراض بكل بساطة بأن الكتابة الموجودة على ظهر علبة مكملات البروبيوتيك تحمل معلومات كافية للاطمئنان إلى أن استهلاك هذه الكائنات الدقيقة الحية يعد أمرا يستحق المخاطرة.

المصدر : مواقع إلكترونية