الموت كما لم يره أحد من قبل.. العلم يتحدث

سكرات الموت غرغرة وفاة (بيكسابي)
السؤال الكبير والمصيري هو ماذا يحدث في أدمغتنا وبالتالي في أذهاننا وأعيننا لحظة موتنا؟ (بيكسابي)

أجريت تجربة طبية في جامعة برلين جعلت من الممكن رؤية ما يحدث في دماغ شخص يموت في اللحظة الأخيرة، والنتائج التي تنشر للمرة الأولى مذهلة، إذ يمكن اعتبار الموت على مستوى الدماغ انطفاء لحريق كهربائي.

والسؤال الكبير والمصيري هو ماذا يحدث في أدمغتنا وبالتالي في أذهاننا وأعيننا لحظة موتنا؟ الجواب حتى الآن يبدو بعيدا عن متناول التحقيق العلمي، لأن أي شخص لم يعد من الشاطئ الآخر حتى يخبرنا بما ما شاهده وشعر به عند عبوره من الحياة إلى الموت.

وأجرى الدراسة ينس درير أستاذ علم الأعصاب التجريبي في جامعة شاريتيه ببرلين، ونشرت في "حوليات علم الأعصاب"، وشملت تسعة مرضى، كلهم دخلوا العناية المركزة بعد إصابات في الدماغ، ووضعوا تحت مراقبة عصبية كبيرة، أكثر من مجرد وضعهم تحت جهاز تخطيط الدماغ الكهربائي.

ويعد هذا الأسلوب غير تقليدي، ويسمح بتسجيل النشاط الكهربائي للدماغ، بما في ذلك الترددات المنخفضة جدا حوالي 0.01 هرتز، وهي ترددات كما يقول ستيفان مارينسكو، رئيس مركز أبحاث علم الأعصاب بليون، لا يكشفها جهاز تخطيط الدماغ الكهربائي الذي توضع أقطابه على فروة الرأس.

أما في نظام مراقبة النشاط الكهربائي لدى مرضى درير، فقد وضعت الأقطاب داخل الجمجمة، تحت الأم الجافية، ذلك الغشاء الذي يحيط بالمخ والحبل الشوكي، وفقا لتقرير في صحيفة ليزيكو الفرنسية.

وأظهرت الدراسة ظاهرة دماغية تحدث بعد دقيقتين أو خمس من توقف التروية، (عندما لا يتم تزويد الأعضاء بما في ذلك الدماغ بالدم وبالتالي الأكسجين) وتدوم نحو عشر دقائق، ويمكن تشبيهها بحريق كهربائي يشتعل في أحد أطراف الدماغ وينتشر بسرعة 50 ميكرون في الثانية في جميع أنحاء الدماغ قبل أن ينطفئ عند الطرف الآخر، بعد إكمال مهمته التدميرية. وهذا ما يقول عنه علماء الأعصاب "موجة إزالة الاستقطاب".

‪هل هذا الحريق الأخير للدماغ حسب تجربة درير هو السبب في سكرات الموت والغرغرة؟‬ (بيكسابي)
‪هل هذا الحريق الأخير للدماغ حسب تجربة درير هو السبب في سكرات الموت والغرغرة؟‬ (بيكسابي)

طاقة
ومن المعروف أن العصب يحتاج إلى الطاقة للحفاظ على إمكانات الغشاء الذي يوفر له التواصل مع جيرانه على شكل نبضات عصبية، والدم الشرياني هو الذي يحمل إليه الأكسجين اللازم لإنتاج هذه الطاقة في شكل أدينوسين ثلاثي الفوسفات (أ ت ب).

وراقب الباحث درير ما يجري في الخلايا العصبية بمجرد أن القلب قد توقف عن النبض وضغط الدم قد انخفض إلى الصفر، ولم يعد يغذيها بالأكسجين.

وأظهرت الدراسة أن الخلايا العصبية تضع نفسها في وضع "توفير الطاقة" خلال الفترة (من دقيقتين إلى خمس دقائق) الفاصلة بين انقطاع التروية وبداية موجة إلغاء الاستقطاب، وتعتمد أثناء ذلك على مخزونها من (أ ت ب) للحفاظ على إمكانات الغشاء.

وخلال هذه المرحلة المتوسطة، التي يكون الدماغ فيها بين الحياة والموت بالمعنى الحرفي للكلمة، لا يحدث في الدماغ أي ضرر غير قابل للإصلاح، وإذا عادت له التغذية بالأكسجين، فإنه يمكن أن يعود إلى العمل دون أضرار كبيرة.

هذه المقاومة البطولية لدى الخلايا العصبية لها حدود، إذ أنه في لحظة ما وفي مكان ما من الدماغ ينهار عصبون (يزال استقطابه) وذلك أن مخزون البوتاسيوم الذي يسمح له بالحفاظ على إمكاناته الغشائية أصبح عديم الفائدة، وبالتالي يرمي به خارج الخلية، وكذلك يفعل مع مخزونه من الغلوتامات، الناقل العصبي الاستثاري الرئيسي للدماغ.

ولكن عند حدوث ذلك تبدأ سلسلة تفاعل هائلة، فالبوتاسيوم والغلوتامات المنطلقة من العصبون تصل إلى عصبون مجاور، مما يؤدي على الفور إلى إلغاء الاستقطاب فيه، يخفف هذا العصبون الثاني مخزوناته ويسبب إزالة الاستقطاب لثالث. وهكذا تظهر وتنتشر موجة إلغاء الاستقطاب، وعندها تكون "الباقة الأخيرة" من الدماغ على وشك الانطفاء نهائيا.

فهل هذا الحريق الأخير للدماغ حسب تجربة درير هو السبب في سكرات الموت والغرغرة؟ هذه الدراسة لا تقول ذلك. لكن الفرضية لا تبدو مستحيلة.

المصدر : الصحافة الفرنسية