قصة التيفوس

يتفاعل رواد التواصل الاجتماعي على مع الاضراب الشامل الذي تنفذه الضفة الغربية تضامنا مع المعتقلين الفلسطينيين المضربين عن الطعام في السجون الاحتلال الإسرائيلي على وسم #إضراب.
مرض التيفوس يعرف أيضا باسم "حمى السجن" (مواقع التواصل)

أ. د. عبد الرؤوف علي المناعمة*

تعود السجلات الأولى للتيفوس إلى عام 1489 ميلادي خلال حصار الجيش الإسباني لغرناطة، حيث تم الإبلاغ عن حمى وأعراض تشبه الطفح الجلدي تغطي الجسم وهذيان وقروح غرغرينية.

وفي الوقت الذي قتل فيه ثلاثة آلاف جندي بسبب الحرب، لقي ما يقارب من 17 ألفا حتفهم بسبب المرض الذي عرف فيما بعد باسم "التيفوس".

والتيفوس هو مجموعة من الأمراض ذات الشبه والصلة الوثيقة، تتسبب في حدوثها أنواع مختلفة من بكتيريا الريكيتسيا، وتنتقل هذه الأمراض إلى البشر عن طريق بعض المفصليات (حشرات) مثل القمل والبراغيث والعث والقراد.

ومن مضاعفات التيفوس التهاب الكبد ونزيف الجهاز الهضمي والالتهاب الرئوي وتلف الجهاز العصبي المركزي والوفاة.

في عام 1759 وبحسب تقدير السلطات، فإن حوالي 25% من السجناء الإنجليز قد ماتوا بسبب ذلك المرض؛ ومن هنا اكتسب اسم "حمى السجن".

ويعتقد أن غرف السجون القذرة والمكتظة ساهمت في انتشار القمل بسهولة بين السجناء. وبعد عام، بدأ مصطلح "التيفوس" يستخدم لوصف هذا المرض، وهو مشتق من كلمة يونانية تعني "دخاني" أو "ضبابي" التي تعطي انطباعا عن حالة الهذيان التي يختبرها المصاب بالمرض.

وانتشر التيفوس مرة أخرى في عام 1812 خلال انسحاب نابليون من موسكو. وقد لقي حوالي مئة ألف جندي فرنسي حتفهم بسبب هذه الحرب، بينما بلغ عدد الضحايا بسبب التيفوس ما يقرب من ثلاثمئة ألف جندي فرنسي.

‪القمل قد ينقل التيفوس‬ (غيتي)
‪القمل قد ينقل التيفوس‬ (غيتي)

القمل
بحلول 1909، توصل الطبيب الفرنس تشارلز نيكول إلى أن القمل يعتبر من أهم ناقلات المرض بين الأشخاص. وعلى الرغم من أنه لم ينجح في تطوير لقاح ضد هذا المرض، فإن اكتشافه هذا قد ساعد بشكل كبير خلال الحرب العالمية الأولى من الحد منه بالوقاية، حيث قامت الجبهة الغربية بإنشاء محطات للتخلص من القمل سواء كيميائيا أو فيزيائيا.

ولسوء الحظ لم يكن لدى الجبهة الشرقية مثل تلك المحطات، مما أدى إلى انتشار المرض بشكل كبير، وكان معدل وفيات الممرضين الذين عالجوا المرضى مرتفعا بسبب التيفوس.

وبحلول نهاية الحرب العالمية الأولى، وصل التيفوس الوبائي إلى ذروته مع وفاة أكثر من ثلاثة ملايين شخص في روسيا وحدها، معظمهم من المدنيين. أما بلدان أوروبا الشرقية الأخرى -مثل بولندا ورومانيا– فقد فقدت عدة ملايين من المواطنين أيضا، وسجلت صربيا وحدها أكثر من 150 ألف وفاة.

وفي الفترة بين الحربين العالميتين، بدأ عالم الحيوان البولندي رودولف ويغل إجراء تجارب على القمل للتوصل إلى لقاح ضد التيفوس. استخدم في بداية تجاربه خنازير غينيا، وبحلول عام 1933 كان قادرا على إجراء اختباراته على البشر.

ثم تم تطوير لقاحات أفضل وأقل خطورة وتكلفة خلال الحرب العالمية الثانية. ومنذ ذلك الحين، حدثت بعض الأوبئة في آسيا وأوروبا الشرقية والشرق الأوسط وأجزاء من أفريقيا.

ويعتبر التيفوس الآن متوطنا فقط في مناطق معينة من العالم، بما في ذلك شرق أفريقيا وبعض المناطق في أميركا الجنوبية والوسطى. ولا تستخدم لقاحات لمنع التيفوس، ولكن الممارسات الصحية القياسية والمبيدات الحشرية الفعالة والمضادات الحيوية، جعلت من مكافحة المرض والحشرات التي تعمل على نقله أمرا سهلا.
_______________
* الجامعة الإسلامية في غزة. منشور بتصرف من موقع منظمة المجتمع العلمي العربي.

المصدر : منظمة المجتمع العلمي العربي