قصة شلل الأطفال

شلل الأطفال.. حقائق ومعلومات

عبد الرؤوف علي المناعمة*

شلل الأطفال (poliomyelitis) من الأمراض شديدة العدوى التي أخافت البشر في بداية القرن العشرين. وكان الأطفال الذين قلَّتْ أعمارُهم عن 5 سنوات أكثر الفئات عرضة للإصابة به، كما يُصيب الكبار أيضاً.
 
ورغم أن مُعظم المصابين تعافوا بسرعة منه، فقد عانى بعضهم من شلل مؤقت أو دائم وحتى الموت، وانتهى الناجون من المرض بإعاقة لازمتهم مدى الحياة، ليكونوا بذلك شاهدا على حجم الخسائر البشرية التي تسبب فيها هذا المرض عبر السنين.
 
ويعود تاريخ شلل الأطفال إلى حوالي 6000 سنة، فقد عُثر على بعض المومياوات المصرية بأطراف مُشَوَّهة، ويُحتمل أن ذلك كان بسبب مرض شلل الأطفال.
 
وسجل أول وصف لشلل الأطفال عام 1789، بينما ترجع أول حالة وباء موثَّقة إلى عام 1834 في جزيرة سانت هيلينا. ومن أشهر الأشخاص الذين أصيبوا بشلل الأطفال الرئيس الأميركي فرانكلين روزفلت.
 
وفي سنة 1951، عزلت الأنواع الثلاثة لفيروس شلل الأطفال وتحددت. وفي عام 1954 أجريت أول تجربة واسعة النطاق للقاح الذي وضعه الدكتور جوناس سالك (لقاح الفيروس الميت) عن طريق الحقن، وفي عام 1958، جُرب لقاح الدكتور ألبرت سابين (لقاح الفيروس المضعّف) عن طريق الفم.
 
وبعد فترة وجيزة من إدخال اللقاحات، استطاعت الدول الصناعية أن تُسيطر على شلل الأطفال وأن تزيله من قائمة مشاكل الصحة العامة لديها، أما عن البلدان النامية فقد احتاجت وقتا أطول للتخلص من هذا المرض الفتاك.
 
وفي السبعينيات من القرن الماضي أُدخل التطعيم الروتيني في جميع أنحاء العالم، جزءا من برامج التحصين الوطنية، مما ساعد على مكافحة المرض في العديد من البلدان النامية.
 
وفيروس شلل الأطفال من الفيروسات الصغيرة ذات الحمض النووي الريبوزي (RNA)، وهي من الفيروسات المعوية، ويدمر الفيروس خلايا الحبل الشوكي، وتحديدا خلايا القرن الأمامي (anterior horn cells). وهناك ثلاثة أنواع من فيروسات شلل الأطفال. ويساهم النوع الأول بما يقارب 85% من حالات العدوى الشللية.
 
يعيش فيروس شلل الأطفال في الحلق والأمعاء، ويصيب البشر فقط، وهو بذلك ينتقل بين الأشخاص عند الاتصال مع براز المريض أو عن طريق رذاذ السعال والعطس، كما يمكن أن ينتقل عن طريق الطعام والماء الملوثين.
‪التطعيم أفضل طريقة لمنع شلل الأطفال‬ (الجزيرة)
‪التطعيم أفضل طريقة لمنع شلل الأطفال‬ (الجزيرة)

أعراض الإصابة بشلل الأطفال
ورغم أن شلل الأطفال يمكن أن يسبب الشلل والموت، فإن الغالبية العظمى من الأشخاص المصابين بفيروس شلل الأطفال لا يشعرون بأي شيء ولا يدركون أنهم مصابون بالمرض. هناك شلل الأطفال الشللي (paralytic polio)، وشلل الأطفال غير الشللي (non-paralytic polio).

أعراض شلل الأطفال غير الشللي:
الحمى والتهاب الحلق والصداع والإعياء والتقيؤ وآلام الظهر والرقبة وآلام أو تصلب الذراعين والساقين وضعف العضلات والتهاب السحايا.

أعراض شلل الأطفال الشَّلَلي:
فقدان الـمُنعَكَسات (reflexes)، وملاحظة الشلل الارتخائي (flaccid paralysis) المتمثل في الأطراف المرنة والمرتخية، إضافة إلى آلام حادة وضعف في العضلات.

المضاعفات
في بعض حالات شلل الأطفال الشللي الشديدة قد يحدث شلل في الحلق والصدر، كما يزيد احتمال وفاة المريض في حال عدم حصولِه على دعم التنفس الاصطناعي. يموت حوالي 2% -5% من الأطفال المصابين بشلل الأطفال، بينما تبلغ نسبة الوفيات بسبب المرض في البالغين 15%-30%.

والعديد من الحالات تشفى دون مضاعفات تُذكر، ومن دون تدخل طبي. ولا يوجد علاج من شأنه أن يشفي شلل الأطفال، إلا أن التشخيص المبكر والعلاجات الداعمة مثل الراحة في الفراش ومراقبة الألم والتغذية الجيدة والعلاج الطبيعي لمنع حدوث التشوهات مع مرور الوقت يمكن أن تساعد في الحد من الأعراض على المدى الطويل بسبب فقدان العضلات.

لِقطع الطريق على الفيروس لا بد من اتباع قواعد النظافة العامة والشخصية، بالإضافة إلى الجهود في توفير مياه صحية نظيفة وآمنة، والتخلص الآمن من المياه العادمة. وأفضل طريقة لمنع شلل الأطفال هي الحصول على التطعيم.
_______________
* أستاذ دكتور في الجامعة الإسلامية-غزة، بتصرف من مقاله بعنوان " ميكروبات صنعت لها مكانا في التاريخ (3)، شلل الأطفال".

المصدر : منظمة المجتمع العلمي العربي