قهر التهاب السحايا في أفريقيا

قَهر التهاب السحايا في أفريقيا- كريس إلياس

كريس إلياس*

كان التقدم الذي أحرزته أفريقيا في مكافحة التهاب السحايا "أ" واحداً من أفضل الأسرار حفظا في مجال الصحة العالمية؛ فبفضل تطوير ونشر لقاح منخفض التكلفة، أُنقذت أرواح مئات الآلاف من الأطفال، وازدهرت المجتمعات التي كان المرض سيدمرها لولا ذلك.

يحدث التهاب السحايا "أ" نتيجة عدوى المكورات السحائية البكتيرية التي تصيب الغشاء الرقيق المحيط بالدماغ والحبل الشوكي، ومن الممكن أن يفضي هذا المرض إلى الموت.

ولأكثر من قرن من الزمن اجتاحت الأوبئة 26 دولة في بلدان جنوب الصحراء الكبرى في أفريقيا، وقتلت وأصابت بالعجز عشرات الآلاف من الشباب في المقام الأول سنويا، ويثير هذا المرض مخاوف شديدة في القارة، فهو قادر على قتل ضحاياه أو إصابتهم بتلف دماغي شديد في غضون ساعات.

ويتفشى المرض عادة في بداية السنة الشمسية، عندما تبدأ الرياح الجافة من الصحراء الكبرى تهب جنوبا، وأسفر وباء 1996-1997 عن إصابة 250 ألف حالة، ونحو 25 ألف وفاة في البلدان الواقعة جنوب الصحراء الكبرى في أفريقيا، بينهم العديد من الأطفال، وبين الناجين أصيب واحد من كل أربعة بإعاقات دائمة، بما في ذلك الشلل، والعمى، وفقدان السمع، ونوبات الصرع، والتلف الدماغي.

ويخلف التهاب السحايا "أ" تأثيرا مدمرا على الأسر والمجتمعات؛ ففي محاولة تغطية تكاليف العلاج تضطر أسر كثيرة إلى بيع الأصول التي تحتاج إليها لتأمين قوت يومها: كالماشية والدواجن، ومخزون البذور، والأدوات.

الإعاقات الناجمة عن السحايا قد تجعل الناجين أقل قدرة على كسب الدخل أو رعاية أنفسهم وأسرهم، وقد تنزلق مجتمعات بأكملها إلى مستويات أشد عمقاً من الفقر

إعاقات
وعلاوة على ذلك، قد تتسبب الإعاقات الناجمة عن العدوى في جعل الناجين أقل قدرة على كسب الدخل أو رعاية أنفسهم وأسرهم، وقد تنزلق مجتمعات بأكملها إلى مستويات أشد عمقا من الفقر، في حين يكافح العاملون في مجال الرعاية الصحية لاحتواء حالات تفشي المرض.

وكانت المعاناة الناجمة عن المرض بمثابة قوة دافعة للعمل؛ فقبل 16 عاما اجتمعت المنظمة الصحية الدولية غير الحكومية (PATH) ومنظمة الصحة العالمية ومعهد الأمصال في الهند ومؤسسة بِيل وميليندا غيتس، والعشرات من الشركاء الآخرين، لتشكيل مشروع لقاح التهاب السحايا، وكانت المهمة بسيطة: تطوير لقاح ميسور التكلفة لمكافحة التهاب السحايا "أ" في أفريقيا.

وكان المشروع ناجحا؛ ففي أقل من عشر سنوات أطلق المشروع اللقاح (MenAfriVac) الذي أدى إلى توقف فوري وجذري في دورة أوبئة التهاب السحايا "أ". وكنت في بوركينا فاسو لتقديم اللقاح في ديسمبر/كانون الأول 2010. وكنت أخشى ألا يأتي أحد لحضور الحدث، ولكن عندما التقيت وزير الصحة في اليوم السابق لإطلاق اللقاح سألته ما أكبر مخاوفه؟ فأعطاني إجابة مفاجئة: "السيطرة على الحشود".

وكان محقا؛ فقد تجمعت حشود ضخمة عند كل مواقع التحصين، حيث وقف الناس في طوابير تحت الشمس الحارقة، مدفوعين بحرصهم على الحصول على الحماية ضد المرض المهلك، وكان ذلك بكل معنى الكلمة حدثاً لكل الدولة، حتى أن رئيس البلاد كان بين الحضور، وقد وصلت حملة التطعيم الأولى إلى كل شخص تقريباً بين سن عام واحد و29 عاماً في البلاد.

وفي السنوات الخمس التي انقضت منذ ذلك الحين، تم تحصين أكثر من 235 مليون شخص في مختلف بلدان جنوب الصحراء الكبرى، ومن المتوقع بحلول عام 2020 أن يحمي اللقاح أكثر من أربعمئة مليون شخص، ويمنع حدوث مليون حالة إصابة بالتهاب السحايا "أ"، ونحو 150 ألف حالة وفاة بالمرض، ونحو 250 ألف حالة إعاقة شديدة بين الناجين.

ويُعَد مشروع لقاح التهاب السحايا مثالا قويا لحجم الإنجاز الذي يمكن تحقيقه عندما يتعاون زعماء أفريقيا مع الخبراء من مختلف أطياف العمل الصحي العالمي. والواقع أن الشراكات القوية المؤقتة التي تركز على تحقيق هدف بعينه من الممكن أن تفضي إلى تأثيرات تحفيزية حقا.

يتعين علينا أن نبني على نجاح مشروع لقاح التهاب السحايا، وأن نعمل من أجل الوصول إلى عالَم يحصل فيه كل الأطفال على اللقاحات المنقذة للحياة التي يحتاجون إليها من أجل البقاء والنماء

لقاح
ولكن العمل لم ينته بعد؛ ففي العام الماضي وافقت منظمة الصحة العالمية على استخدام اللقاح (MenAfriVac) في جداول اللقاح المعتادة، الأمر الذي يجعل من السهل توفير الحماية لملايين آخرين من البشر.

إن المخاطر كبيرة، ويُعَد تمكين الجميع من الوصول إلى التحصين حجر الأساس للصحة والتنمية والنمو الاقتصادي. ومع إدراكها هذه الحقيقة، بدأت دول أفريقية عديدة بالفعل وضع الخطط لإدراج لقاح التهاب السحايا وغيره من اللقاحات ضمن أنظمة التحصين الروتينية هذا العام، وتتلخص مهمة زعماء أفريقيا في ضمان الانتقال السلس والكامل من حملات التطعيم الحاشدة إلى التحصين الروتيني.

في الأسبوع الماضي، اجتمع مسؤولون حكوميون في إثيوبيا لحضور المؤتمر الوزاري للتحصين في أفريقيا، وهو الأول من نوعه على الإطلاق، حيث أعادوا التأكيد على التزامهم بضمان حصول كل شخص في القارة على اللقاحات التي يحتاج إليها، وسوف يتطلب هذا المزيد من الاستثمار في التحصين، وتحسين عمليات جمع البيانات وتحليلها، وتوفير أدوات وأساليب جديدة، وفي المقام الأول من الأهمية إقامة شراكات قوية.

يتعين علينا أن نبني على نجاح مشروع لقاح التهاب السحايا، وأن نعمل من أجل الوصول إلى عالَم يحصل فيه كل الأطفال على اللقاحات المنقذة للحياة التي يحتاجون إليها من أجل البقاء والنماء.
_______________
* رئيس قسم التنمية العالمية في مؤسسة بِيل وميليندا غيتس.

المصدر : بروجيكت سينديكيت