ما تفسير تلذذ السفاحين بجرائمهم؟

"نشوة القتل": التفسير العلمي لتلذذ السفاحين بجرائمهم
إلبيرت: كل واحد منا يمكن أن يتحول إلى قاتل (دويتشه فيلله)

هل يمكن أن يبعث القتل لدى القاتل بمشاعر اللذة والسعادة؟ وهل الشر جزء من الكائن البشري؟ بعض العلماء يجيبون على هذه الأسئلة بالإيجاب، ويفسرون كيف يتحول المرء من إنسان محب للآخرين وللسلام إلى قاتل متوحش يسعى للحصول على "نشوة القتل".

هل يمكنني أن أقتل شخصا عمدا؟ أو أن أطلق النار على رجال ونساء وأطفال؟ من نشأ وترعرع في بيئة مسالمة فإنه سيجيب عن تلك الأسئلة بالرفض وبشكل قاطع. وبالنسبة للكثير من الناس فمن المحال أن يفكروا بصفة عفوية في استخدام الأسلحة.

ويقول المختص في علم الأحياء العصبية يواخيم باور إن الناس الأصحاء نسبيا لديهم خوف كبير من أن يلحقوا الأذى بأناس آخرين. ويضيف أنه بفضل نظام الخلايا العصبية المرآتية الموجودة في المخ، فإن الآلام التي يشعر بها الآخرون هي أيضا نفس الآلام التي نشعر بها أيضا.

فالخلايا العصبية المرآتية -سميت بهذا الاسم لتشابه وظيفتها مع عمل المرآة حيث تنقل الصورة- هي خلايا عصبية تجعل منا أناسا نتآزر مع الآخرين في محنهم ونشعر بآلامهم.

الجنود الأطفال تعرضوا لصدمات نفسية بشكل ممنهج، وذلك من خلال اغتصاب أمهاتهم أو إعدام أحد من أفراد عائلاتهم أمام أعينهم. ومن خلال هذه الصدمة النفسية يتراجع مدى تأثير الرادع الأخلاقي في أدمغتهم

لا مشاعر
ولكن وجود مناطق التوتر والنزاعات المسلحة في العالم يؤكد أن هناك أناسا في العالم يفتقدون هذه الخصلة الإنسانية. فقد زار توماس إلبيرت أماكن يبدو أن الناس فيها قد نسوا المشاعر التي تثيرها عملية إلحاق الأذى بأناس آخرين أو قتلهم.

كما أنه تحدث مع مقاتلين يعد القتل من بين أنشطتهم اليومية. والتقى بجنود أطفال أياديهم ملطخة بالدماء. إلبيرت على ثقة بأن كل واحد منا يمكن أن يتحول إلى قاتل. "لقد اكتشفنا في قرية بإحدى مناطق التوتر أنه تم اختطاف فصل دراسي بأكمله"، ويضيف "جزء من الأطفال لقي مصرعه، في حين تحول تقريبا كل المتبقين إلى مقاتلين".

ويروي إلبيرت أن بعض الأطفال قد كشفوا له أن عملية القتل تصيبهم بحالة من السكر والانتشاء. ويفسر هذه الظاهرة مستعينا بالتشبيه بين عملية القتل والجري لمسافات طويلة، عندما يفرز الجسد الأفيونات.

ويشرح إلبيرت "من لم يقطع مسافة 20 كيلومترا جريا فلن يعرف هذا الشعور، ومثل هذه المشاعر موجودة في جسد كل واحد منا". ويقول إن كل من لديه تجربة في القتال يصف حالات الثمل هذه، أي أنها تقريبا لحظات تثير النشوة لدى شخص قام بقتل شخص آخر.

الرادع
ولكن السؤال الذي يطرح نفسه هنا: هل هناك في المخ البشري من رادع، إذا ما كان الإنسان العادي الذي يتمتع بصحة جيدة لم يولد ليقتل؟ هناك تفسيرات تبين إلى أي مدى يتأثر المخ بعمليات العنف المحيطة به.

ويبدو أن الجنود الأطفال قد تعرضوا لصدمات نفسية بشكل ممنهج، وذلك من خلال اغتصاب أمهاتهم أو إعدام أحد من أفراد عائلاتهم أمام أعينهم. ومن خلال هذه الصدمة النفسية يتراجع مدى تأثير الرادع الأخلاقي في أدمغتهم.

الإنسان محب للسلام والتعايش مع الآخرين ما لم تحوله الصدمات النفسية إلى قاتل

ويذهب إلبيرت في أبحاثه أيضا لمعرفة ما إذا كانت هناك أمور أو لحظات معينة تثير لدى البعض غريزة القتل على غرار رائحة الدم مثلا.

وخلال أبحاثه اكتشف أن مصنعي المواد الغذائية مثلا يستخدمون رائحة الدم في بعض منتجات اللحوم على غرار السجق حتى تبدو للمستهلكين بأنها طازجة.

ويقول إنه انطلاقا من هذا الاكتشاف فإن رائحة الدم تعتبر أمرا مقبولا لدى الناس. فهل هذا يعني أنه بداخل الإنسان يختفي حيوان متوحش ومفترس؟

الأبحاث العلمية ترى أن الإنسان في الواقع محب للسلام والتعايش مع الآخرين في أمن وأمان،­ ما لم تحوله الصدمات النفسية إلى قاتل.

المصدر : دويتشه فيله