قصور التغذية يسبب أمراض القلب

ناصر البدري

مازن النجار

أظهر باحثون بجامعتي أوترخت وأمستردام بهولندا أن أطفالا ومراهقات وشابات تعرضن لقصور التغذية أثناء المجاعة الهولندية (1944-1945) كانوا أكثر عرضة لاحقا لمخاطر الإصابة بأمراض القلب والشريان التاجي.

وبحسب خدمة يوريك أليرت، قدمت الدراسة المنشورة بـ"مجلة القلب الأوروبية" أول دليل على أن لقصور التغذية الحاد في سنوات النمو أثر مستقبلي على الصحة.

ودرس الباحثون حالات نساء هولنديات (7845)، كانت أعمارهن أقل من 21 عاما وقت حدوث نقص غذاء حاد بغرب هولندا نهاية الحرب العالمية الثانية، حيث انخفضت الحصص الغذائية اليومية الرسمية للراشدين من 1400 سعيرة حرارية في أكتوبر/تشرين الأول 1944 إلى ما بين 400 و800 سعيرة في ذروة المجاعة بين ديسمبر/كانون الأول 1944 وأبريل/نيسان 1945.

وتم تجنيد المشاركات في الدراسة بين 1993 و1997، واستمرت متابعتهن حتى نهاية 2007. وتم تقسيمهن إلى ثلاث مجموعات، الأولى للنساء اللاتي لم يتأثرن بالجوع وفقدن وزنهن خلال المجاعة، والثانية لنساء تأثرن بشدة بالجوع وفقدن وزنهن، والثالثة لنساء تأثرن بشكل متوسط بين المجموعتين السابقتين.

ووجد الباحثون ارتفاعا طفيفا بمخاطر أمراض القلب والشريان التاجي لدى المجموعة متوسطة التأثر بالمجاعة، وارتفاعا كبيرا لهذه المخاطر لدى المجموعة شديدة التأثر، مقارنة باللاتي لم يتأثرن بالمجاعة.

وبين الشريحة العمرية 10-17 عاما خلال المجاعة، ارتفعت مخاطر إصابة الأشد تأثرا بالمجاعة بهذه الأمراض لاحقا بنسبة 38%، بينما لم ترتفع تلك المخاطر لدى المجموعة متوسطة التأثر.

وبعد احتساب تأثير عوامل أخرى كالعمر وقت المجاعة والتدخين والتعليم، وجدوا ارتفاعا لمخاطر إصابة المجموعة الأشد تأثرا بنسبة 27%، مقارنة بالمجموعة غير المتأثرة بالمجاعة.

وفي تحليلات إضافية، وجد الباحثون أن مخاطر الإصابة بالسكتات الدماغية أقل لدى جميع الأعمار بالنسبة للنساء اللاتي تأثرن بالمجاعة مقارنة بمن لم يتأثرن.

عباس الموصلي: أمراض القلب والشرايين سبب الوفاة الأول عالميا، وقصور التغذية لا يزال يطال شرائح سكانية واسعة

حساسية المراهقة
لكن النساء اللاتي تأثرن بالمجاعة في شريحة 18-21 عاما (ليست فترة نمو) بشكل خاص كانت مخاطر إصابتهن بالسكتات أقل مقارنة باللاتي لم يتأثرن.

يعدّ الباحثون المجاعة الهولندية تجربة تاريخية أتاحت الفرصة لدراسة التأثيرات البعيدة لقصور التغذية الحاد خلال الطفولة والمراهقة وبداية الشباب، مقارنة بأحوال التغذية الجيدة.

وقدم الباحثون عدة تفسيرات لارتباط المجاعة بمرض القلب التاجي، باعتبارها تؤدي لأنماط معيشية غير صحيّة، لكنهم يرون أن كل تفسير يتطلب بحثا إضافيا.

وكان الأستاذ بجامعة سانت جورج بلندن، كاوسِك راي قد كتب وزملاؤه بنفس العدد من "مجلة القلب الأوروبية" تعليقا على الدراسة، اعتبر نتائجها إضافة وازنة لنظرية مفادها أن فترة المراهقة حساسة ومفتوحة للتعديلات الوراثية، وأن اضطراب الحمية الغذائية لدى توفر الأطعمة بعد المجاعة يزيد مخاطر مرض القلب التاجي.

وتقدر منظمة الأغذية والزراعة أن 925 مليونا يعانون حاليا من نقص التغذية. ويقدر المدرسون ببريطانيا أن ثلاثة أرباع التلاميذ يحضرون للمدرسة جوعى، والأرقام تزداد بركود الاقتصاد العالمي.

انتشار وبائي
وبمقارنة الدراسة الهولندية بدراسات سابقة للمجاعة الصينية (1959-1961) وحصار ليننغراد (1941-1944)، وجد راي وزملاؤه بيانات متسقة، تظهر أن الحالة الغذائية بالطفولة تؤثر بوضوح على نشوء الأمراض المزمنة لاحقا.

ورحّب استشاري الطب الباطني الدكتور عباس الموصلي في حديث للجزيرة نت بنتائج الدراسة، باعتبار أن أمراض القلب والشرايين سبب الوفاة الأول عالميا، ولأن قصور التغذية لا يزال يطال شرائح سكانية واسعة.

وعزا الموصلي كثيرا من الأمراض المزمنة لقصور التغذية في سنوات النمو الأساسية، ولفت لمشكلات سوء التغذية حاليا بسبب الوجبات السريعة عالية الدهون والسكريات والملح، وما نجم عنها من انتشار وبائي للبدانة والسكري ومشكلات القلب والشرايين.

وأكد الاستشاري ضرورة وضع هذه القضايا قيد اهتمام دوائر وسياسات الصحة العامة والإعلام والبحث العلمي والتربية.

المصدر : الجزيرة