تقييد عمليات السحب والإيداع ببنوك مصر.. للحد من الوباء أم لمنع الاكتناز؟

A man counts Egyptian pounds outside a bank in Cairo, Egypt October 24, 2016. Picture taken October 24, 2016. REUTERS/Mohamed Abd El Ghany
الحد اليومي لعملية السحب النقدي بفروع البنوك أصبح عشرة آلاف جنيه للأفراد و50 ألفا للشركات

دعاء عبد اللطيف-القاهرة 

أثار قرار البنك المركزي المصري بوضع حد يومي مؤقت للسحب والإيداع النقدي بفروع البنوك والصراف الآلي مخاوف من تبعات القرار وتساؤلات بشأن الدافع المستتر له، في ظل قلق من عمليات سحب كبيرة أجريت على مدار الأسابيع الأخيرة. 

وقيد المركزي المصري في بيان أصدره أول أمس الأحد الحد اليومي لعمليات الإيداع والسحب النقدي بفروع البنوك ليصبح عشرة آلاف جنيه (637 دولارا) للأفراد و50 ألفا للشركات (3200 دولار)، أما الحد اليومي للعمليات المصرفية من أجهزة الصراف الآلي فحددها بخمسة آلاف جنيه. 

ورغم تأكيد المركزي أن القرار نابع من الرغبة في تقليل التعامل بالأوراق المالية لمنع انتشار فيروس كورونا المستجد فإن محافظ البنك المركزي طارق عامر صرح عشية إصدار القرار بأن المصريين سحبوا من البنوك 30 مليار جنيه خلال 3 أسابيع دون حاجة حقيقية لها. 

كذلك أكد محمد الإتربي رئيس بنك مصر رئيس اتحاد بنوك مصر رصد عمليات سحب كبيرة من جانب المواطنين خلال الأيام القليلة الماضية. 

وأضاف في تصريح صحفي أن تداول النقود بين المواطنين قد ينقل العدوى، لافتا إلى تزاحم كبير من المواطنين بالبنوك، مما يساهم في انتشار الوباء. 

وتبدو تصريحات محافظ البنك المركزي ورئيس اتحاد البنوك مثيرة لشكوك مراقبين بشأن الغرض الحقيقي من قرار تقييد السحب والإيداع، والتساؤل عما إذا كانت الحكومة تستهدف منع المواطنين من سحب مدخراتهم البنكية خشية حدوث سيناريو معاكس يؤدي إلى انهيار القطاع المصرفي. 

‪البنك المركزي سمح باستثناء بعض الجهات والأفراد والتعاملات من قرار سقف الإيداعات‬ (رويترز)
‪البنك المركزي سمح باستثناء بعض الجهات والأفراد والتعاملات من قرار سقف الإيداعات‬ (رويترز)

استثناء الإيداع 
لم تمر ساعات على إعلان البنك المركزي تقييد عمليات السحب والإيداع حتى سمح باستثناء بعض الجهات والأفراد والتعاملات من قرار سقف الإيداعات. 

ويشمل الاستثناء الإيداعات الحكومية "كهرباء وغاز ومياه وبترول"، ويتم قبولها بدون حد أقصى مع ضرورة الالتزام بحد الصرف النقدي اليومي، إلى جانب قبول إيداعات الشركات "قطاع عام أو خاص" بدون حدود قصوى. 

كذلك سمح للعملاء بسداد مستحقات بطاقات الائتمان بدون حدود قصوى، وأي التزامات مثل اعتمادات وخطابات ضمان. 

ووضع البنك المركزي شرطا لقبول الشيكات المقدمة للمقاصة بدون أي حدود قصوى، ففي حال تجاوز أي شيك مقدم على الكاونتر مبلغ 10 آلاف جنيه يتم صرف 10 آلاف جنيه نقدا، والباقي إما أن يفتح حساب للعميل أو يحول باقي المبلغ لحسابه في بنك آخر بدون عمولة، أو يتم تجزئة صرف الشيك على عدة أيام. 

واللافت أن بنكي الأهلي ومصر -وهما مصرفان حكوميان- طرحا مؤخرا شهادات ادخارية جديدة بعائد 15٪، مما يثير تساؤلات بشأن الكيفية التي يمكن من خلالها شراء العملاء الشهادات الجديد في ظل تقييد السحب والإيداع، كذلك يولد ترجيحات بالرغبة الحكومية في تقليل السحب من الودائع ذات الفائدة المنخفضة. 

وكان البنك المركزي أقدم على خفض الفائدة بنسبة 3٪ منتصف الشهر الجاري إلى مستوى 9.25٪ للإيداع، و10.25٪ للإقراض، بعد أن كانت تقف عند مستوى 12.25٪ و13.25٪. 

ودفع قرار خفض الفائدة بنكي الأهلي ومصر إلى طرح الشهادات الادخارية الجديدة بنسبة فائدة مرتفعة. 

إجراء احترازي 
من جهته، أيد الصحفي المختص بالشأن الاقتصادي مصطفى عبد السلام وضع قيود على عمليات السحب والايداع، معتبرا إياه -أي القرار- يساهم في تقليل العملات النقدية المتداولة في أيدي المواطنين، مما يحد من انتشار الفيروس. 

وأوضح عبر منشور على موقع التواصل الاجتماعي فيسبوك أن دولا كثيرة فرضت مثل هذه القيود عقب تفشي الفيروس في إطار الإجراءات الاحترازية من قبل الدولة. 

ووصف عبد السلام قرارات البنك المركزي بالقيود المؤقتة والمرتبطة بمعالجة أجواء القلق من تداعيات كورونا على الاقتصاد المصري، متوقعا أن تلغى عقب انحسار الفيروس. 

ورأى الصحفي الاقتصادي مزايا أخرى للقرار تتمثل في مكافحة الجرائم المالية، وأبرزها "عمليات غسل الأموال التي تنشط مع مرور المجتمع بقلاقل سياسية أو اقتصادية أو صحية عبر تقليل "الكاش" في الأسواق". 

غير أنه لم يستبعد أن يكون أحد الأسباب التي دفعت البنك المركزي للتعجيل بإصدار هذا القرار تخوفه من عودة البعض للمضاربة في الدولار مع زيادة سعره في الفترة الأخيرة، مما أدى لوضع قيود على عمليات السحب. 

وحذر عبد السلام من تعرض القطاع المصرفي لأي مخاطر، فاعتبره الأهم داخل أي دولة، مضيفا "في حال تعرضه لأي مخاطر فإن الاقتصاد قد ينهار بالكامل". 

من جهته، قال الخبير الاقتصادي الدكتور عبد النبي عبد المطلب إن القرار بالفعل يعود إلى التخوف من فيروس كورونا، مستدلا على رأيه بقيد السحب والإبداع على حد سواء. 

‪القرار صدر للتقليل من التعامل بالأوراق النقدية للحد من انتقال فيروس كورونا‬  (رويترز)
‪القرار صدر للتقليل من التعامل بالأوراق النقدية للحد من انتقال فيروس كورونا‬  (رويترز)

خطر الاكتناز 
وفي الوقت نفسه، اعتبر عبد المطلب في حديثه للجزيرة نت قيد الإيداع والسحب من أهم القرارات التي تساهم في حفظ حركة الأموال داخل الجهاز المصرفي، مضيفا أنه يحمي الاقتصاد المصري من خطر الاكتناز. 

وأوضح أن الناس في أوقات الخطر والأوبئة والحروب يفضلون الاحتفاظ بالأموال في خزائنهم، ويفقدون الثقة في المصارف خوفا من إفلاسها. 

ومع ذلك، أكد الخبير الاقتصادي على ضرورة توفير نظام دفع إلكتروني شامل يضمن تسوية المدفوعات والحصول على السلع والخدمات من خلال الدفع الإلكتروني أو الدفع من خلال الإنترنت. 

وعما إذا كان هناك تخوف حكومي من سحب المتعاملين ودائعهم وتحويلها من الجنيه إلى الدولار، قال عبد المطلب إن هذا احتمال وارد، لكنه وجد في الشهادات ذات العائد 15% سبيلا للحد من عملية "الدولرة"، لافتا في الوقت نفسه إلى التخوف من الخسائر المحتملة نتيجة كسر الودائع. 

غير أن أستاذ الاقتصاد بجامعة أوكلاند الأميركية الدكتور مصطفى شاهين اعتبر استخدام القلق بشأن انتشار فيروس كورونا لتمرير قرار قيد السحب والإيداع خداعا صريحا للعملاء من جانب البنك المركزي. 

وقال شاهين للجزيرة نت إن قيد السحب والإيداع ليس له علاقة بمخاطر نقل العدوى وانتشار فيروس كورونا، موضحا أن هناك تخوفا حكوميا من تكرار سيناريو عام 1929 عندما انهارت البنوك بسبب إقبال العملاء على سحب ودائعهم تحسبا لإفلاسها. 

وأضاف أن المواطنين يشعرون بالقلق على أموالهم في البنوك، لافتا في الوقت نفسه إلى صحة قرار البنك المركزي للحفاظ على القطاع المصرفي من الانهيار حال حدوث عمليات سحب مكثفة خلال فترة قصيرة. 

لكن ما يعيب التصرف الحكومي -حسب رأي أستاذ الاقتصاد- هو عدم طمأنة الناس عبر التعامل بشفافية دون خداع، مؤكدا ضرورة إعلان المسؤولين الحكوميين عن الأسباب الحقيقية لقرارهم، وهو ما سيتفهمه العميل الذي من مصلحته عدم انهيار القطاع المصرفي. 

 

 
المصدر : الجزيرة