كورونا يقلب حسابات مصر الاقتصادية.. هل تدفع ثمن رهن الاقتصاد للتمويل والديون الخارجية؟

Central Bank of Egypt
الدين الخارجي لمصر وصل إلى 109.4 مليارات دولار (الأوروبية)

محمد عبد الله-القاهرة 

ألقت الأزمة الاقتصادية العالمية بظلال ثقيلة على الاقتصاد المصري بعد تلقيه خسائر فادحة جعلته غير قادر على الاستمرار في الاستثمار في الأسواق الناشئة لحاجتها للسيولة في مواجهة أزمتها الخاصة، مما يهدد بانكشاف الاقتصاد المصري الذي يعتمد على التمويل الخارجي والاقتراض. 

وذهبت تقديرات دول كبرى مثل ألمانيا وخبراء ومؤسسات اقتصادية ومالية إلى أن الأزمة الراهنة والمستمرة تجاوزت الأزمة العالمية في 2008، وربما تصبح أسوأ من أزمة الركود العالمي الكبير الذي ضرب العالم في 1929، وحذروا من الانهيار العالمي الكبير. 

وانتهجت السلطات المصرية تحت حكم الرئيس عبد الفتاح السيسي سياستين اقتصاديتين دون الوضع في الحسبان حدوث أزمة اقتصادية كبيرة داخليا أو خارجيا تضرب العالم بأسره، مما شكل مفاجأة قوية للاقتصاد المصري الذي يعاني من الديون وضعف الإنتاج منذ يوليو/تموز 2013، وفق محللين وخبراء اقتصاد تحدثوا للجزيرة نت. 

السياسة الأولى هي المراهنة على الاقتراض والتمويل المالي الخارجي -التي طالما حذر منها خبراء اقتصاد طوال السنوات الماضية- لتمويل مشروعات داخلية وصفت بعديمة الجدوى أو ليست ذات أولوية كتفريعة قناة السويس الجديدة في 2015، والعاصمة الإدارية الجديدة، وغيرها من المشروعات الأخرى. 

السياسة الثانية هي إعلان السيسي في تصريحات أثارت جدلا واسعا عدم اعترافه بما تسمى دراسات الجدوى للمشروعات التي تمت في عهده، وأنه لو كانت هذه الدراسات عاملا حاسما لما تم إنجاز نحو ثلاثة أرباع هذه المشروعات. 

‪السيسي اعتمد على سياسة المراهنة على الاقتراض والتمويل الخارجي لتمويل مشاريع داخلية ليس ذات أولوية‬ (الجزيرة)
‪السيسي اعتمد على سياسة المراهنة على الاقتراض والتمويل الخارجي لتمويل مشاريع داخلية ليس ذات أولوية‬ (الجزيرة)

السؤال الأكثر إلحاحا 
ارتفع الدين الخارجي لمصر نهاية سبتمبر/أيلول الماضي بنسبة  17.7% إلى 109.4 مليارات دولار، وزاد الدين العام المحلي بنسبة  7.7% على أساس سنوي إلى 4.186 تريليونات جنيه (نحو 266 مليار دولار) بنهاية سبتمبر/أيلول 2019 بزيادة بلغت 298.2 مليار جنيه عن 2018، بحسب بيانات البنك المركزي المصري. 

وبات السؤال الأكثر حضورا هو: إلى أي مدى سيتضرر الاقتصاد المصري ويصمد في مواجهة تداعيات أزمة كورونا الاقتصادية على العالم عموما، ومصر خصوصا، بعد رهن الاقتصاد لسوق الدين والتمويل الخارجيين على حساب تنمية وتعظيم الإنتاج الداخلي. 

ومن بين الأخطاء التي انتهجتها السلطات المصرية هو اختلال ميزان الأولويات، حيث يقول الأستاذ المساعد للاقتصاد السياسي في الجامعة الأميركية عمرو عدلي في مقال له منشور حديثا في موقع بلومبيرغ الأميركي "يميل الإصلاح الاقتصادي إلى إعطاء الأولوية للأعمال التجارية على حساب العمالة، ويتعامل مع الطابع غير الرسمي للعمال كميزة للتبادل الحر للسوق". 

وفي مؤشر على بدء نزوح الأموال من الأسواق الناشئة بشكل جماعي، سجلت صناديق السندات نزوحا قياسيا بقيمة 109 مليارات دولار، وأدت عمليات بيع لشتى الأصول في السوق إلى تراجع حاد في كل فئة تقريبا، وفق بنك أوف أميركا. 

ضغوط الدائنين 
حذرت وكالة موديز للتصنيف الائتماني من أن اختبارات الضغط تشير إلى أن دولا مثل مصر -التي تعتمد بقوة على التمويل الخارجي- ستعاني إذا ما استدام الارتفاع في تكلفة وشروط التمويل، لأن معظم تلك الدول مقيدة بعدم الاستقلال الكبير والقدرة المحدودة على الوصول للتمويل. 

وذكر موقع البورصة المصري المتخصص أن فائدة السندات المصرية ارتفعت في الأسواق الدولية لمستويات قياسية في ظل التقلبات الشديدة التي شهدتها البورصات العالمية الأسابيع الماضية. 

ويحتفظ المستثمرون الأجانب بمبلغ 20 مليار دولار من أذون الخزانة المصرية المقومة بالجنيه المصري في نهاية فبراير/شباط الماضي، وفق وكالة فيتش الدولية.  

‪فائدة السندات المصرية ارتفعت في الأسواق الدولية لمستويات قياسية في ظل التقلبات الشديدة للبورصة العالمية‬ (الجزيرة)
‪فائدة السندات المصرية ارتفعت في الأسواق الدولية لمستويات قياسية في ظل التقلبات الشديدة للبورصة العالمية‬ (الجزيرة)

الخضوع لرغبة المستثمرين 
وبشأن المخاطر التي تواجه الاقتصاد المصري بسبب الاعتماد على الاقتراض كوسيلة للتمويل، يقول الخبير المصرفي المصري في أميركا شريف عثمان إن "المشكلة الأساسية أن كثيرا من صناديق الاستثمار والمستثمرين الأجانب سارعوا بالخروج من الأسواق الناشئة لتعويض خسائرهم بالأسواق العالمية، مما يترتب عليه السحب من احتياطي الدول، بما فيها مصر". 

وأوضح عثمان للجزيرة نت أنه يمكن ملاحظة تأثير الموقف على التغيرات في سوق السندات المصرية "اليوروبوند"، وعلى تكلفة التأمين على الديون المصرية، حيث ارتفعت التكلفة وارتفع العائد المطلوب من المستثمرين لشرائها بما لا يقل عن 3 و4٪. 

وتوقع عثمان أن يتعرض الجنيه المصري لضغوط كبيرة، وقد يتركه البنك المركزي للتراجع بنسب محدودة لا تتجاوز 10% كل عام حتى لا يشعر حاملو الجنيه المصري بالخسارة في ظل الحصول على عوائد 15% من شهادات بنكي مصر والأهلي. 

عدم استقلالية الاقتصاد 
من جهته، اعتبر الخبير الاقتصادي أحمد ذكر الله أن سياسات الحكومة المصرية الاقتصادية غير المدروسة جعلت الاقتصاد المصري غير مستقل، وجعلته أيضا مرهونا بالتمويل الخارجي من ناحية، ومصادر الدخل الخارجية كالسياحة والعمالة المصرية وقناة السويس من ناحية أخرى. 


وأكد ذكر الله في حديثه للجزيرة نت أنه ليس أمام الحكومة المصرية سوى التمويل الخارجي، مشيرا إلى وجود سحب كبير من أذون الخزانة المحلية منذ بداية الأزمة، وظهر في انخفاض متوال لقيمة الجنيه، وارتفاع تكلفة التأمين على الديون السيادية المصرية رغم حديثها عن عدم الاعتماد على إصدار سندات جديدة، واعتمادها فقط على السندات الخضراء. 

وأشار إلى أن أسواق القروض الدولية لم تعد مثل الماضي، فالعالم في طريق البحث عن السيولة لتساعده على الخروج من أزمة كورونا وتداعياتها السلبية، إضافة إلى ارتفاع متوقع في أسعار سلاسل الغذاء العالمية نتيجة ضعف سلاسل التوريد المختلفة.

المصدر : الجزيرة