الأسماك بالجزائر.. أسعار ملتهبة وعائلات لا تتذوقها لأشهر

ليلى منغور-الجزائر 

عندما تمر بجانب مطاعم السمك في شارع باب عزون بالجزائر العاصمة تجذبك أنواع وأصناف من المأكولات البحرية الطازجة، لكن التمتع بوجبة متكاملة في مثل هذه المطاعم قد تكلفك آلاف الدنانير، وهي ميزانية لن تتحملها إلا إذا كنت مقتدرا ماليا.

وغابت الأطباق البحرية عن موائد الجزائريين البسطاء خلال السنوات الأخيرة بسبب ارتفاع الأسعار، فلا يمكن لرجل دخله شبه محدود ولديه أسرة تتكون من ثمانية أو ستة أفراد أن يتناول السمك مرتين في الأسبوع على الأقل كما ينصح الأطباء.

استهلاك ضعيف
يحرم الجزائري من استهلاك الأسماك رغم أن بلاده تزخر بثروة بحرية هائلة لأن الشريط الساحلي الجزائري يمتد على طول 1234 كيلومترا، وهناك 14 ولاية ساحلية و33 ميناء للصيد البحري.

وبحسب ما صرح رئيس اللجنة الوطنية للصيد البحري حسين بلوط للإذاعة الجزائرية في يناير/كانون الثاني الماضي، فقد بلغ الإنتاج الوطني من الثروة السمكية 387 ألف طن في الثمانينيات، لكنه تراجع بعد ذلك إلى 72 ألف طن سنويا.

وإذا كان الياباني يتصدر قائمة مستهلكي الأسماك في العالم (80 كيلوغراما سنويا) والأوروبي ما بين 24 و26 كيلوغراما، فإن الجزائري لا يستهلك سوى مئتي غرام في السنة، وذلك بسبب ارتفاع الأسعار ونقص المنتوج، كما أوضح بلوط الذي كشف أيضا أن الجزائر تستورد أربعمئة ألف طن من السمك سنويا من الخارج.

ارتفاع الأسعار يرجع إلى التلوث الذي سبب هجرة الأسماك من السواحل الجزائرية (الجزيرة)
ارتفاع الأسعار يرجع إلى التلوث الذي سبب هجرة الأسماك من السواحل الجزائرية (الجزيرة)

غذاء الفقراء
يعد السردين من الأسماك الأكثر شعبية في الجزائر، ويطلق عليه غذاء الفقراء، لأن أسعاره كانت دوما في متناول معظم الناس، غير أن هذا النوع دخل بدوره في قائمة المأكولات البحرية المحظورة على المواطن البسيط.

فبعدما كان سعر الكيلوغرام الواحد منه يتراوح ما بين مئتي دينار (1.66 دولار) وثلاثمئة دينار (2.5 دولار) ارتفعت الأسعار تدريجيا خلال السنوات الماضية لتصل اليوم إلى ما بين ستمئة وثمانمئة دينار.

أما الأصناف الأخرى من الأسماء البيضاء والحمراء مثل "الكالامار، الروبيان، الجمبري، الحبار، سمك القد، الميرلون (كما يطلق عليه الجزائريون) وسمك موسى، التونة، الروجي، وغيرها من الأنواع" فقد أصبحت من الكماليات بالنسبة للبسطاء، لأن أسعارها مرتفعة جدا.

‪السردين كان غذاء الفقراء لانخفاض سعره لكنه دخل قائمة الغلاء‬ (الجزيرة)
‪السردين كان غذاء الفقراء لانخفاض سعره لكنه دخل قائمة الغلاء‬ (الجزيرة)

الجمبري من الكماليات
يبلغ سعر الجمبري (الروايال) بمعظم أسواق السمك التي زرناها في أحياء ومناطق الجزائر العاصمة نحو ثلاثين دولارا أو أكثر بقليل للكيلوغرام الواحد، وهو من أغلى أنواع السمك بالجزائر.

وتراوحت أسعار الأسماك الأخرى مثل سمك موسى والحبار و"الميرلون" و"الروجي" وغيرها ما بين عشرة و16 دولارا للكيلوغرام الواحد.

وبحسب فادي تميم المنسق الوطني لمنظمة حماية وإرشاد المستهلك ومحيطه، فإن أسعار الأسماك لا تتماشى مع القدرة الشرائية للمواطن، وأشار في تصريح للجزيرة نت إلى أن هذا الارتفاع يعود لكون معظم موانئ الصيد البحري تتحكم فيها مافيا متغلغلة في هذا النشاط، وفق تعبيره.

ويرجع معظم الذين تحدثنا إليهم من صيادين وتجار الارتفاع الكبير بأسعار الأسماك إلى التلوث الذي تسبب في هجرة الأسماك من السواحل الجزائرية، بالإضافة إلى شح الأمطار ونقص إمكانيات الصيد وعدم احترام القوانين.

‪أصناف كثيرة لا يشتريها إلا ميسور الحال‬ (الجزيرة)
‪أصناف كثيرة لا يشتريها إلا ميسور الحال‬ (الجزيرة)

عائلات لا تتذوق السمك
يقول أحد المواطنين إنه تعود على سماع التبريرات المختلفة مع كل زيادة بالأسعار، وقد أظهر كل من تحدثنا إليهم في سوق لبيع الأسماك بحي الشراقة (غرب العاصمة) تذمرهم من استمرار هذا الوضع على حاله، خاصة مع اقتراب شهر رمضان الكريم.

ويقول سفيان الذي كان يتفحص أسعار الأسماك المعروضة بالسوق إن المواطن البسيط لم يعد يقدر على شراء السردين لأطفاله لأن سعرها مرتفع جدا، فما بالك بالجمبري والميرلون والروجي، وأقر سفيان بأن عائلته لم تتذوق طعم السمك منذ أكثر من شهر.

ولم تخف السبعينية زينب تذمرها من الأسعار الملتهبة في أسواق السمك بالعاصمة، وقالت إن زوجها المريض هو فقط من يتناول السمك لأن الأطباء نصحوه بذلك، أما بقية الأسرة فهي محرومة منه.

بدورها تأسفت سامية (35 عاما) لكونها لن تتمكن من تزيين مائدتها الرمضانية ببوراك الجمبري وشوربة السمك وغيرها من الأطباق البحرية، لكنها ستعوض السمك الطازج بالمجمد، كما تقول.  

ويأمل البعض أن تتغير الظروف وأن تتمكن الدولة من ضبط الأسعار ليس فقط بسوق السمك، وإنما أسواق الخضار والفواكه وكل المواد الاستهلاكية خاصة والشهر الفضيل قد اقترب، وهو ما أشار إليه الخمسيني عثمان الذي قال "الحراك الشعبي أطاح بالعصابة التي نهبت خيرات الجزائر، ونتمنى أن يتم تطهير بلادنا من كل الفاسدين حتى تتحسن ظروف المعيشة".

المصدر : الجزيرة