أهمها رفع الأجور والقدرة الشرائية.. هل تملك الحكومة الجزائرية موارد مالية لتنفيذ خطتها؟

مخطط عمل الحكومة في الجزائر يعتمد رفع الأجور والإعفاءات الضربيبية لذوي الدخل الضعيف (الجزيرة).
مخطط عمل الحكومة الجزائرية يعتمد على رفع الأجور والإعفاءات الضريبية لذوي الدخل المنخفض (الجزيرة)

عبد الحكيم حذاقة-الجزائر

آثرت أول حكومة للرئيس الجزائري عبد المجيد تبون الحفاظ على الطابع الاجتماعي للسياسة العمومية، حيث قدمت برئاسة عبد العزيز جراد مخطط عمل عالي السقف على صعيد الدعم الاجتماعي والاقتصادي.

وقررت الحكومة رفع الحد الأدنى المضمون للأجر الوطني شهريا والمقدر حاليا بـ18 ألف دينار جزائري (120 دولارا)، مع مراجعة "الأجر القاعدي" (الأجر الذي يحسب على أساسه التقاعد) لكل الموظفين والعمال.

وتبنت الحكومة تحسين القدرة الشرائية للمواطنين عبر جملة من الآليات، أبرزها إسقاط الضريبة على النشاط المهني (ضريبة على إيرادات منتجات الصناعيين)، مما يؤدي إلى خفض طفيف في تكلفة المنتجات في السوق، مع أن هذه الضريبة كانت تشكل موردا أساسيا لتمويل الجماعات المحلية (الجماعات الترابية) بعائدات سنوية قدرها ثلاثة مليارات دولار.

كما ألغت الضريبة على الدخل الإجمالي لذوي الأجر الأقل من 30 ألف دينار جزائري (150 دولارا)، علاوة على تعهدات بإطلاق مشاريع عمومية في مجالات السكن والصحة والتعليم وغيرها.

ورغم الانتقادات التي طالت مخطط الحكومة بخصوص غياب الأرقام والآليات والموارد المالية اللازمة لتنفيذ الإصلاحات، فقد حظي المخطط بمصادقة البرلمان نهاية الأسبوع.

‪تراجع القدرة الشرائية للجزائريين بشكل كبير من الممكن أن يفجر الوضع خلال الشهور المقبلة‬ (الجزيرة)
‪تراجع القدرة الشرائية للجزائريين بشكل كبير من الممكن أن يفجر الوضع خلال الشهور المقبلة‬ (الجزيرة)

لغة الأرقام
تشير معطيات وزارة المالية إلى أن العجز في تمويل نشاطات الدولة خلال السنوات الثلاث القادمة مرشح لبلوغ 6656.5 مليار دينار (ما يعادل 55 مليار دولار)، ولا يمكن توفيره من المداخيل المتوقعة للضريبة البترولية والضريبة العادية.

أما الميزان التجاري للجزائر فقد سجل عجزا بلغ 6.11 مليارات دولار خلال سنة 2019، حسب معطيات المديرية العامة للجمارك.

وتلجأ الحكومة في سد العجز المالي للميزانية العامة منذ 2017 إلى الاستدانة الداخلية، حيث بلغت قيمة القروض المقدمة من طرف بنك الجزائر لفائدة الخزينة العمومية 6556 مليار دينار (50 مليار دولار) إلى غاية نهاية يناير/كانون الثاني 2019.

أما عجز ميزان التجارة الخارجية فتتم تسويته بالاعتماد على "صندوق احتياطي الصرف"، لكن الأخير في تهاو كبير ويحوي حاليا أقل من 60 مليار دولار.

وحسب متابعين، فإن الواقع يجعل خيارات التمويل محدودة أمام الحكومة للوفاء بالتزاماتها، في وقت أكد فيه الوزير عبد العزيز جراد قدرة فريقه على حشد الموارد اللازمة، ولم يستبعد الاقتراض الخارجي من البنوك الدولية للتنمية.

الأجر الأضعف
أما عن واقع القدرة الشرائية للجزائريين خلال السنوات الأخيرة، فقد وصفها القيادي بنقابة "الكناباست" مسعود بوديبة بأنها تشهد تدهورا فضيعا يمكنه أن يفجر الوضع خلال الشهور المقبلة، خصوصا أن الأزمة الاقتصادية تلوح في الأفق وفق تأكيدات الخبراء، في ظل فشل السياسات العامة التي عاشتها الجزائر.

وأوضح في حديثه للجزيرة نت أن غلاء المعيشة وارتفاع الأسعار والتضخم وانخفاض قيمة الدينار، أمور قسمت المجتمع إلى فئتين، الأولى تصنف في دائرة الفقر بأكثر من 80%، والثانية تمتلك الثروة وتزداد غنى، بعدما تم القضاء على الطبقة المتوسطة.

وشدد بوديبة على وضع سياسة أجور تعتمد على مرجع تحديد الحد الأدنى للعيش، ومنه الحد الأدنى للأجور، وبعدها بناء رواتب تحفظ كرامة الموظف وتؤسس لاستقرار مجتمعي.

وبناء على دراسات واقعية قامت بها نقابته قبل سنوات من أجل تحديد الحد الأدنى للعيش وفق أبسط المعايير، كشف أن الأجر الأقل يجب ألا يقل عن 50 ألف دينار جزائري (350 دولارا) لعائلة من خمسة أفراد ولها مسكنها الخاص، منبها إلى أن هذه المؤشرات قد ارتفعت أكثر بعد 2014. 

‪بوديبة: دراسات ميدانية أكدت أن الأجر الأدنى للعيش في الجزائر هو 350 دولارا لعائلة صغيرة‬ (الجزيرة)
‪بوديبة: دراسات ميدانية أكدت أن الأجر الأدنى للعيش في الجزائر هو 350 دولارا لعائلة صغيرة‬ (الجزيرة)

آليات ومؤشرات
من جهة أخرى، قال عضو لجنة المالية والاقتصاد بالبرلمان أحمد شريفي إن مخطط عمل الحكومة تضمن إعفاءات ضريبية لتحسين القدرة الشرائية، لكن دون تحديد مصادر تمويل تسمح بالتكفل بتلك التدابير رغم شرعيتها وانعكاسها على الشرائح الهشة.

وأوضح أن المخطط توجه إلى تشجيع الاستثمار عبر إلغاء الرسوم على النشاط المهني الذي يساهم بنسبة 25% من ميزانية البلديات، ومراجعة نمط الميزانية المعتمد على توفير الموارد، مع إغفال النتائج والانتقال إلى ميزانية الأداء من أجل ترشيد الإنفاق العام ومكافحة الغش والتهرب الضريبي ورفع قدرات التحصيل.

وأضاف في تصريح للجزيرة نت أن المخطط اتجه نحو التوظيف الرسمي لأصحاب عقود ما قبل العمل وخفض معدل البطالة إلى حدود 10%، لكن دون تحديد الآليات.

ونبه إلى أن المؤشرات الحالية والمتوقعة إلى غاية 2022 كلها متراجعة، سواء تعلق الأمر بالنمو المتواضع في حدود 2% أو استمرار عجز الميزانية والميزان التجاري وتآكل احتياطي الصرف، مع تدهور قيمة الدينار الجزائري.

وعليه فإن هذه المعطيات -يقول شريفي- تجعل مخطط الحكومة صعب التحقيق، إلا إذا رافق ذلك إجراءات صارمة لترشيد نفقات الميزانية التي تحتاج عقود 70% إلى حكامة.

‪بريش: البدائل الواقعية للتمويل الحكومي تكمن في تنفيذ الإصلاحات الهيكلية للـتأثير على متغيرات الاقتصاد الكلي‬ (الجزيرة)
‪بريش: البدائل الواقعية للتمويل الحكومي تكمن في تنفيذ الإصلاحات الهيكلية للـتأثير على متغيرات الاقتصاد الكلي‬ (الجزيرة)

إصلاحات هيكلية
في المقابل، يرى الخبير المالي عبد القادر برّيش البدائل الواقعية في مباشرة إصلاحات هيكلية تستهدف التأثير على متغيرات الاقتصاد الكلي من أجل تحسين الأداء والرفع من معدل النمو في آفاق 2024 إلى 5%. وذلك من خلال تفعيل دور البنوك والنظام المصرفي، بما يسمح بالاحتواء المالي (إدخال الأموال المتداولة في السوق غير الرسمية إلى النظام المالي الرسمي) وتعبئة الادخار بواسطة تنويع الخدمات المصرفية وتحديث وسائل الدفع والانخراط في المعاملات الإلكترونية، مع توسيع شبكة البنوك وطنيا.

وأكد في حديثه للجزيرة نت على تطوير السوق المالي وإعادة بعث البورصة لتؤدي دورها في استقطاب رؤوس الأموال وتمويل الاقتصاد الوطني، مع إصلاح السياسة النقدية لاستهداف التضخم ومراقبة نمو الكتلة النقدية، في ظل إدارة مرنة لسعر الصرف والقضاء على سوق الصرف الموازي.

وأضاف أنه من الضروري إصلاح النظام الضريبي وتحديث إدارة الضريبة للوصول إلى نظام فعال ومرن وشفاف، يتميز بقاعدة واسعة ويخفف العبء الضريبي، لتقليص التهرب والغش الضريبي. 

كما أكد على إصلاح نظام الموازنة العامة للدولة، وإدارة الدين الداخلي من خلال تقليص عجز الموازنة وحكامة أفضل للميزانية، لربط الإنفاق العام على المدى المتوسط بالأهداف والنتائج، وكذلك تغطية نفقات التسيير بواسطة الموارد الضريبية العادية.

وفي المحور الخامس للإصلاح، أكد على إعادة هيكلة الرأسمال الاقتصادي والتجاري للدولة، وربطه بالنجاعة والمردودية، مع تحديد آليات واضحة لحوكمة المؤسسات الاقتصادية العمومية وفق المعايير الدولية. وشدد على أن إصلاح منظومة الحماية الاجتماعية حتمي لتقليص عجز صناديق التقاعد.

المصدر : الجزيرة