مخاوف من نسف المفاوضات التجارية.. ترامب يصدم "صديقه" جونسون ويلوّح بحرب الضرائب

Britain's Prime Minister Boris Johnson and U.S. President Donald Trump attend at the NATO leaders summit in Watford, Britain December 4, 2019. REUTERS/Peter Nicholls/Pool
لا تقل حاجة واشنطن لعقد اتفاق تجاري مع بريطانيا عن حاجة الأخيرة لهذه الصفقة (رويترز)

الجزيرة نت-لندن

عكس ما كان متوقعا، لن تكون طريق الاتفاق التجاري بين الولايات المتحدة الأميركية وبريطانيا مفروشة بالورود بعد ظهور عقبة جديدة دفعت دونالد ترامب للتلويح بفرض عقوبات تجارية على بعض المنتجات البريطانية، كرد على إعلان لندن نيتها فرض ضريبة على الشركات التكنولوجية الأميركية الكبرى.

كان مؤتمر دافوس الأخير محطة حاسمة ظهر فيها اتفاق واشنطن ولندن على الخطوط العريضة للعلاقة التجارية بين البلدين بعد خروج المملكة المتحدة من الاتحاد الأوروبي، لكنهما يختلفان في الكثير من التفاصيل التي قد تؤخر توقيع اتفاق التبادل التجاري، الذي يعوّل عليه رئيس الوزراء البريطاني بوريس جونسون كثيرا للتغطية على الفراغ الذي سيتركه انسحاب بلاده من أكبر سوق تجاري موحد في العالم.

ولا تقل حاجة واشنطن لعقد اتفاق تجاري مع بريطانيا عن حاجة الأخيرة لهذه الصفقة، لما له من أهمية اقتصادية وسياسية في المقام الأول، ذلك أن الرئيس الأميركي يريد عقد هذا الاتفاق قبل دخول الحملة الانتخابية حتى يتسنى له المفاخرة بأنه كان وراء توقيع "أكبر اتفاق تجاري في العالم" قد تبلغ قيمته حوالي 800 مليار دولار، حسب تقديرات البيت الأبيض الأميركي.

تلويح بحرب تجارية جديدة
لم يتردد وزير الخزانة الأميركي ستيفن منوشين في التلويح بإمكانية فرض ضرائب جديدة على السيارات البريطانية المتوجهة للسوق الأميركية، إذا أصرت بريطانيا على فرض ضريبة على شركات التكنولوجيا الأميركية (غوغل وفيسبوك وأمازون..) على غرار ما قررته دول أوروبية أخرى مثل ألمانيا وفرنسا وإيطاليا.

وبلغة التحدي نفسها، ردّ وزير الخزانة البريطاني ساجيد جاويد بأن بلاده مصرة على فرض ضريبة على هذه الشركات بحلول شهر أبريل/نيسان المقبل، وتقدر قيمة الضريبة بحوالي 2% من مجموع المداخيل التي تحققها الشركات الأميركية في السوق البريطانية.

وتعلم بريطانيا أن واشنطن جادة في تهديدها، وهي تتابع النموذج الفرنسي. فالرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون اضطر لتأجيل فرض الضريبة نفسها على الشركات الأميركية بعد عقوبات أميركية على النبيذ الفرنسي الوارد على السوق الأميركية، والذي تبلغ قيمته ملياري دولار سنويا لتتراجع واشنطن بعدها عن هذه العقوبات.

وتأمل الإدارة الأميركية أن يكون التلويح بالضرائب على السيارات البريطانية كافيا لعدم تفعيل الضريبة على الشركات الأميركية، وهو ما عبر عنه وزير الخزانة الأميركي عندما تحدث عن اتصالات قريبة بين ترامب وجونسون لحل هذا الملف.

 منوشين معاتبا: كنا نعتقد أن لنا الأولوية لدى أصدقائنا البريطانيين (رويترز)
 منوشين معاتبا: كنا نعتقد أن لنا الأولوية لدى أصدقائنا البريطانيين (رويترز)

ولا تظهر الأرقام أن صناعة السيارات البريطانية قد تفقد الكثير إذا تعرضت لضرائب أميركية جديدة، حيث تشير البيانات الرسمية البريطانية إلى أن صادرات بريطانيا من السيارات إلى أميركا لا يتعدى 17%، مقابل 52.6% موجهة نحو الاتحاد الأوروبي.

أما الواردات البريطانية من السيارات الأميركية فهي في حدود 1.4% فقط مقابل 68.4%. أرقام تدل على أن السوق الأميركي لا يشكل المنفذ الحيوي للسيارات البريطانية مقارنة مع الاتحاد الأوروبي.

ومع ذلك يتخوف البريطانيون من أن ينتهج ترامب مع بلدهم السياسة نفسها التي اتبعها مع فرنسا وقبلها الصين بفرض ضرائب "بشكل عشوائي" على عدد من المنتجات وأن لا يقتصر الأمر على السيارات فقط، خصوصا وأن هذه السياسة أثبتت من وجهة نظر البيت الأبيض "نجاعتها" مع الصين وفرنسا، الأمر الذي قد يبعثر أوراق الاتفاق التجاري بين لندن وواشنطن.

اختلاف الأولويات
"كنا نعتقد أن لنا الأولوية لدى أصدقائنا البريطانيين"، بهذه العبارة المعاتبة رد وزير الخزانة الأميركي على تصريح لنظيره البريطاني، الذي أكد أن أولوية لندن هي الوصول إلى اتفاق مع الاتحاد الأوروبي، لأن الأمر مرتبط بسقف زمني محدد وضيق ينتهي بنهاية العام الحالي، وإلا سيكون هناك خروج من دون اتفاق.

وتتوقع وكالة بلومبورغ أن إمكانية خروج بريطانيا من الاتحاد من دون اتفاق باتت "احتمالا قويا"، خاصة بعد حديث أكثر من مسؤول أوروبي عن "عدم واقعية" التوصل لاتفاق تجاري مع بريطانيا بحلول نهاية هذه السنة.

وترى بعض التحليلات الاقتصادية أن لندن تعلم صعوبة الوصول لاتفاق مع الاتحاد الأوروبي، مستدلين بشراسة المفاوضين الأوروبيين في عقد أي اتفاق تجاري، حيث تطلب الأمر أكثر من عشر سنوات تقريبا لعقد هذا الاتفاق مع كندا واليابان، في حين لا تزال المفاوضات معلقة مع أميركا.

ومع ذلك فالحكومة البريطانية تحاول أن تظهر أنها غير مستعجلة في عقد اتفاق مع أميركا رغبة في الحصول على مكاسب أكبر، خصوصا بعد أن كشف أكثر من مسؤول أميركي أن ترامب جد متحمس لعقد هذا الاتفاق مع البريطانيين.

‪حجم التبادل التجاري الحالي بين الولايات المتحدة وبريطانيا يبلغ 240 مليار دولار‬  حجم التبادل التجاري الحالي بين الولايات المتحدة وبريطانيا يبلغ 240 مليار دولار (غيتي)
‪حجم التبادل التجاري الحالي بين الولايات المتحدة وبريطانيا يبلغ 240 مليار دولار‬  حجم التبادل التجاري الحالي بين الولايات المتحدة وبريطانيا يبلغ 240 مليار دولار (غيتي)

 

ويرى وزير الخزانة البريطاني ساجيد جاويد أنه يمكن التوصل لاتفاق تجاري مع الولايات المتحدة ربما بعد نهاية هذه السنة، وهي النبرة التي لن تروق للأميركيين الذين يريدون صفقة خلال الأشهر القادمة وتحديدا قبل الانطلاق الرسمي للحملة الانتخابية الأميركية.

وهدف الرئيس الأميركي هو أن يحمل في يده هذه الصفقة خلال الحملة بوصفها "أكبر اتفاق تجاري في تاريخ الولايات المتحدة".

عوائد اقتصاية ومكاسب سياسية
تقدر المبادلات التجارية بين البلدين بحوالي 240 مليار دولار، وهو رقم يعد ترامب بأنه سيتضاعف أربع مرات ليتعدى 800 مليار دولار، علما أن حجم المبادلات التجارية مع الاتحاد الأوروبي يبلغ حاليا 720 مليار دولار.

وتبقى الحاجة لعقد الاتفاق التجاري بين بريطانيا والولايات المتحدة الأميركية حيوية للطرفين، فالاتفاق بالنسبة للندن له عوائد اقتصادية ضخمة ستعوض ما ستسخره من الخروج من الاتحاد، خصوصا مع احتمال الخروج من دون اتفاق.

أما بالنسبة لواشنطن فله فوائد سياسية قد تعين الرئيس الأميركي دونالد ترامب في حملته الانتخابية.

وتترقب الأوساط الاقتصادية في البلدين القمة التي ستجمع جونسون بترامب بداية شهر فبراير/شباط القادم في البيت الأبيض، وسيكون الموضوع الأساسي على الطاولة هو الاتفاق التجاري وحلّ الخلاف بشأن الضريبة على شركات التكنولوجية الأميركية.

المصدر : الجزيرة