مصر.. حلول اقتصادية مهملة لمواجهة أزمة المياه

صورة3 يتوقع خبراء افتتاح سد النهضة في أبريل المقبل-تصوير المراسل
البيانات الصادرة عن الجهاز المركزي للتعبئة والإحصاء تبين أن هناك تراجعا بمياه النيل (الجزيرة)

عبد الحافظ الصاوي 

تتصدر قضية سد النهضة أجندة الأزمات بمصر، بعد أن تسرع عبد الفتاح السيسي بتوقيع اتفاقية إطار عام 2015 مع كل من السودان وإثيوبيا، عرّض بموجبها أمن البلد المائي للخطر.

وتدلل تصريحات المسؤولين المصريين مؤخرا على مرورهم بأزمة بسبب موقف أديس أبابا التي ترى أن تصرفها قانوني لإقامة وتشغيل سد النهضة، بغض النظر عن التأثير السلبي لحصة مصر من مياه النيل.

ولكن الأشد خطرا أنه -وقبل شروع إثيوبيا في ملء سد النهضة- أتت البيانات الصادرة عن الجهاز المركزي للتعبئة العامة والإحصاء لتبين أن هناك تراجعا في مصر من مياه النيل.

فالأرقام توضح أن حصة المياه عند سد أسوان تراجعت نهاية 2018 إلى 44.6 مليار متر مكعب، بعد أن كانت خمسين مليارا نهاية2017، وبلغت نسبة التراجع 10.8%.

كما أن حصة المياه على رؤوس الحقول بلغت نهاية 2018 نحو 36.5 متر مكعب، بعد أن كانت 41.9 متر مكعب نهاية 2017، وبلغت نسبة التراجع 13.1%.

وكان عز الدين أبو ستيت (وزير الزراعة السابق) قد صرح في فبراير/شباط 2019 أن مصر دخلت نطاق الفقر المائي، حيث بلغ نصيب الفرد من المياه أقل من ستمئة متر مكعب في العام.

والجدير بالذكر أن البنك الدولي يحدد المتوسط العالمي من استهلاك المياه للفرد بـألف متر مكعب سنويا، وأن الفقر المدقع في هذا المؤشر هو استهلاك الفرد لأقل من خمسمئة متر مكعب.

ومنذ بداية عام 2014، والحكومة ترفع أسعار استهلاك المياه، سواء كانت للاستخدام المنزلي أو التجاري، وذلك في ضوء توجهات سياسات صندوق النقد الدولي.

فقد تم رفع أسعار استهلاك المياه منذ عام 2014 وحتى الآن بنسبة تصل لنحو 300%.

ومن الوارد في ظل تراجع حصة البلد من مياه النيل، والاعتماد على آليتي المعالجة أو التحلية، أن يتم رفع سعر المياه مرات أخرى، وبخاصة أن هاتين الآليتين تعتمدان على الطاقة التقليدية، وهي تكلفة إضافية لسعر المياه المتحصل عليها بالمعالجة أو التحلية.

وبغض النظر عن سوء إدارة أزمة سد النهضة من قبل السيسي، فإن الأمر يترتب عليه آثار اقتصادية سيئة، خاصة وأن مصر لم تحسن إدارة فترة ما قبل الأزمة، في ظل تزايد تعدادها السكاني، وزيادة استهلاك المياه، وثبات حصة مصر منذ العقد الثاني من القرن العشرين.


الآثار السلبية
تظهر بيانات التقرير السنوي للبنك المركزي لعام 2017/2018 أن ثمة عجزا مزمنا في الميزان السلعي لكل من قطاعي الحبوب والغذاء.

فعلى مستوى التجارة الخارجية في قطاع الحبوب تعاني مصر من عجز قدره نحو 4.2 مليارات دولار، وفي قطاع الغذاء تعاني من عجز قدره نحو 3.4 مليارات نهاية العام المالي 2017/2018.

وحسب تقديرات الأمم المتحدة فإن مصر تستورد 50% من احتياجاتها من الحبوب سنويا بسبب وضع المياه بها.

وفي ظل عزم إثيوبيا البدء بملء سد النهضة وفق جدولها الزمني، والذي من المفترض أن تشرع فيه في يوليو/تموز 2020، فإن ثمة توقعات بأن تصل خسائر مصر إلى فقدان نحو عشرة مليارات متر مكعب من حصتها من مياه النيل بعد تشغيل السد الإثيوبي.

وسيحدث نتيجة ذلك تصحر نحو 1.8 مليون فدان من الأراضي الزراعية الحالية لمصر، والتي تبلغ نحو 8.5 ملايين فدان، وكذلك فقدان 1.3 مليون فرصة عمل من العاملين بقطاع الزراعة، وزيادة أعداد الفقراء بنحو خمسة ملايين فرد.

ومنذ عدة سنوات ومسؤولي الحكومة -وعلى رأسهم السيسي- يبشرون باتجاه مصر لتحلية ومعالجة المياه كبديل عن نقص مياه النيل، وكأن هذه المعالجة أو التحلية بلا تكلفة.

فمعظم عمليات التحلية والمعالجة لمياه الصرف تتم باستخدام وسائل الطاقة التقليدية، وهي مكلفة مما سيرفع من تكلفة المياه المنتجة، سواء عن طريق المعالجة أو التحلية.

وأيا كانت طريقة الحصول على المياه، فإن عجز الحصة من مياه النيل سوف يترتب عليه ارتفاع تكاليف الزراعة والغذاء، كما سيتم رفع سعر السلع التي تستخدم المياه في منتجاتها مثل بعض الصناعات كالأسمدة والحديد والورق والسيراميك، وغيرها.

الحلول المهملة
للأسف الشديد فإن مصر لا تحترم علماءها، ولا تعتمد على الاستفادة من رصيد مراكز البحوث التي اهتمت بالمشكلات على صُعد مختلفة في وقت مبكر، مثل قضايا الطاقة والزراعة والغذاء والمياه، ومن هذه المساهمات المهملة مايلي:

في تسعينيات القرن العشرين، نجح العالم الراحل د. أحمد مستجير (رحمه الله تعالى) بتطوير أبحاث الهندسة الوراثية لإنتاج محصولي القمح والأرز بمياه مالحة في الأراضي الصحراوية، وخرج من التجارب المعملية إلى التنفيذ الفعلي على أرض الواقع.

فقد نجحت التجارب في زراعة ثمانين فدانا في أراض صحراوية مالحة بمحافظة الفيوم، وكانت النتائج إيجابية بنحو يزيد على نسبة 95%.

وللأسف استفادت دول أخرى من هذه التجارب، بينما أهملتها مصر، من وجهين: أنها لم تدفع لتوسع تنفيذ التجربة، أو مطالبة العلماء بالمركز القومي للبحوث الزراعية صاحب التجربة بتطوير أبحاثه للحصول على نتائج أفضل.

وفي ظل توجه الحكومة لإنشاء محطة الضبعة النووية، وإنشاء مفاعلات نووية هناك بالتعاون مع روسيا، أغلقت الباب على أمل في إحياء زراعة منطقة الساحل الشمالي، حيث قدم علماء المركز القومي للبحوث مشروع توليد الطاقة الشمسية بمنطقة الساحل الشمالي، والاستفادة من هذه الطاقة في تحلية المياه، لتعويض الزراعة بالمنطقة عن عجز المياه بفترات انقطاع الأمطار.

وبالتالي كان يمكن أن تتحول المنطقة إلى تجمع عمراني جديد، ومجمعات للتصنيع الزراعي، تعتمد على منتجات المنطقة من الزراعة.

وعلى الرغم من وجود وزارة خاصة بشؤون البيئة فإن الممارسات الفعلية لا تساعد في تفعيل الحفاظ على البيئة، وهو ما يزيد من أعباء تكاليف توجه الحكومة لمعالجة مياه الصرف الصحي.

فهناك ممارسات غير سليمة من توجيه مياه الصرف الصحي للمصارف الزراعية، وكذلك الصرف الصناعي الخطر، أو إلقاء المخلفات العادية في مياه النيل، وكلها تقلل من جودة المياه المستخرجة بواسطة المعالجة، فضلا عن متطلبات مراحل أكثر للمعالجة.

في الوقت الذي اتجهت فيه الحكومة لتقليص مساحات زراعة الأرض بحجة ترشيد استخدام المياه، لم تتخذ نفس الخطوات تجاه الصناعات كثيفة استخدام المياه، والتي تنتج أكثر من احتياجات السوق المصري، وبالتالي المستفيد من المياه المستخدمة بهذه الصناعات هو المستهلك بالدول المستوردة.

ويأتي على رأس هذه الصناعات الأسمدة والسيراميك، ومنتجات المياه الغازية، والصناعات الكيميائية والبلاستيكية.

ختاما، تبقى القضية الرئيسة في غياب مشروع للتنمية يعتمد على حسن توظيف الموارد المتاحة، فما بالنا إن كانت هذه الموارد معرضة للنقص؟

فما طرح بهذه السطور لم يلتفت إليه ولم يستفد من بحوث الزراعة بالمياه المالحة، أو التوجه للطاقة الشمسية في تحلية المياه أو معالجتها، وكذلك بناء إستراتيجية للصناعة تعتمد على الأجندة الوطنية، واستحضار التكاليف غير المنظورة. وبدلا من ذلك يصدر خطاب يناسب المرحلة بأن الجيش سيقيم أكبر محطة لتحلية المياه.

المصدر : الجزيرة