لماذا تخفي السعودية حقيقة إنتاجها النفطي؟

إلى متى تواصل السعودية إغراق سوق النفط العالمية؟
السعودية صرحت بأن قطاع النفط سيستعيد عافيته ويعود إلى سابق عهده (الجزيرة)

لطالما كانت تصريحات السعودية حول صناعة الهيدروكربونات قابلة للتصديق، مثلما هو الأمر بالنسبة لتصريحات الصين حول نموها الاقتصادي، لكن خبراء الصناعة يؤكدون أن مهارة السعودية في "الكذب" آخذة في التحسن، على غرار الأكاذيب الشفافة الصريحة حول مستوى احتياطيها من النفط، وطاقتها الاحتياطية من الإنتاج، والقيمة السوقية لشركة أرامكو التي قدرت بتريليوني دولار أميركي.

جاء ذلك في تقرير للصحفي والكاتب سيمون واتكينز، الذي نشره موقع "أويل برايس" الأميركي، حيث تطرق فيه إلى الأسباب التي دفعت السعوديين إلى الكذب في ما يتعلق بإنتاجهم النفطي.

بيانات مختلفة
وأفاد الكاتب بأن السعودية صرحت إثر الهجمات التي استهدفت منشأتي بقيق وخريص، والتي تسببت في إيقاف نصف إنتاجها من النفط الخام؛ بأن قطاع النفط سيستعيد عافيته، وسيعود إلى سابق عهده بشكل سريع.

ويذكر أن السعودية حمّلت مسؤولية هذه الاعتداءات "للمتمردين" الحوثيين أو "عملاء" إيرانيين في اليمن.
 
لكن تبين أن البيانات التي قدمتها المملكة حول طاقتها الإنتاجية من النفط الخام ليست في الحقيقة نفسها التي ذكرتها خلال السنوات الأخيرة، وذلك خدمة لأهدافها الجيوسياسية.

وأدت هذه الهجمات الأخيرة إلى ارتفاع غير مسبوق في أسعار النفط، وتمكنت المحفظات الوقائية -التي تمركزت قبل أيام من الهجوم- من جني أرباحها، ناهيك عن حقيقة قدرة الولايات المتحدة على اللجوء إلى احتياطي النفط الإستراتيجي الخاص بها لموازنة الأسعار.

ونظرا لكون قطاع النفط شديد الحساسية على الصعيد السياسي بالنسبة للولايات المتحدة، فإن أسعار النفط انخفضت من جديد.

‪البيانات التي قدمتها السعودية حول طاقتها الإنتاجية من النفط ليست نفسها التي ذكرتها خلال السنوات‬ الأخيرة
‪البيانات التي قدمتها السعودية حول طاقتها الإنتاجية من النفط ليست نفسها التي ذكرتها خلال السنوات‬ الأخيرة

إخفاء الصورة الحقيقية
وذكر الكاتب أن العديد من الأمور المثيرة للاهتمام حدثت من قبل الجانب السعودي، عندما ارتفعت الأسعار وانخفضت في وقت لاحق، ولعل أبرزها افتقار المسؤولين السعوديين لفهم حقيقي لكيفية عمل سوق النفط أو أي معلومات عن صناعة النفط في السعودية، وذلك وفقا لما أطلع عليه كبار تجار النفط موقع "أويل برايس".

كما كان الحديث حول طرح أسهم شركة أرامكو للبيع موضوعا آخر أثار اهتماما كبيرا، لا سيما بعدما أعلن وزير النفط السعودي الجديد الأمير عبد العزيز بن سلمان بعد الهجمات مباشرة أن المملكة تخطط لاستعادة طاقتها الإنتاجية إلى 11 مليون برميل يوميا بحلول نهاية سبتمبر/أيلول، واستعادة كامل طاقتها من الإنتاج، التي تبلغ 12 مليون برميل يوميا بعد مرور شهرين.
 
ونقل الكاتب عن كبير محللي النفط في مؤسسة "إنرجي أسبكتس" في لندن ريتشارد مالينسون قوله "كان الأمر في غاية الوضوح أن وزير النفط السعودي تحدث عن "القدرة"، وبعد ذلك عن "العرض في السوق"، فهذه مصطلحات يميل المسؤولون السعوديون إلى استخدامها لتجنب الحديث عن الكميات الفعلية من الإنتاج، حيث إن عبارتي الطاقة الإنتاجية والعرض لا تحمل المعنى ذاته للإنتاج الفعلي للنفط من رؤوس الآبار".

وأضاف مالينسون "ما تسعى السعودية للقيام به من خلال عدم الكشف عن الصورة الحقيقية لإنتاجها النفطي هو حماية سمعتها كمورد للنفط جدير بالثقة، خاصة بالنسبة لعملائها المستهدفين في آسيا".

التلاعب بالأرقام
وأوضح الكاتب أن هذا الهدف دفع السعودية للتلاعب بالأرقام وتضخيمها في ما يتعلق بقدرتها وطاقتها الاحتياطية من الإنتاج، وعموما صرحت المملكة لعقود من الزمن بأنها تملك طاقة احتياطية تتراوح بين 2 و2.5 مليون برميل يوميا، مما يعني أن طاقة الإنتاج تتراوح بين 12 و12.5 مليون برميل في اليوم.

ورغم ذلك، لم يسجل هذا المستوى من الإنتاج، ولا حتى المستوى القريب من ذلك، حيث بلغ أعلى إنتاج وقع تسجيله في نوفمبر/تشرين الثاني من العام الماضي، وكان 11 مليون برميل يوميا.
 
لا تعتقد جهات كثيرة فاعلة وبارزة في سوق النفط أن السعودية تملك ما يقرب من مليوني برميل من الطاقة الاحتياطية، نظرا لأن ذلك يعني أنها تقوم بإنتاج 12 مليون برميل يوميا، ويعتقد كثيرون أن السعودية لديها طاقة فائضة لا تزيد على نصف مليون أو مليون برميل في اليوم.
 
أيا كانت القدرة الفعلية للسعودية، فلا توجد أي طريقة على الإطلاق لإجراء تقييم دقيق للمدة التي ستستغرقها المملكة السعودية لتحقيق نفس مستوى قدراتها الإنتاجية من الطاقة كالسابق.

وفي شأن ذي صلة، صرح مالينسون قائلا "لقد أخبرنا المهندسون أن تقييم الأضرار بعد التعرض لحادثة كهذه سيستغرق عدة أسابيع".
 
وأضاف أنه للحفاظ على صادراتها النفطية سيخفض السعوديون الإمدادات الموجهة إلى الصناعات المحلية، بالإضافة إلى تقليص حجم المبالغ التي يرسلونها إلى محطات تكرير النفط المحلية، وتفيد بعض التقارير بأن المصافي الأخرى تعمل بمعدلات منتظمة، ومع ذلك تم تحذير بعض المشترين من إمكانية تأخر تسلم طلباتهم.

السعوديون سيخفضون الإمدادات الموجهة للصناعات المحلية للحفاظ على صادراتهم النفطية (الجزيرة)
السعوديون سيخفضون الإمدادات الموجهة للصناعات المحلية للحفاظ على صادراتهم النفطية (الجزيرة)

استبدال النفط
وأورد الكاتب أنه تم اقتراح النفط الخام العربي المتوسط والنفط الخام العربي الثقيل كبديل لعدد من العملاء الذين كانوا الأكثر تضررا من الهجمات الأخيرة، والذين اعتادوا شراء النفط الخام العربي الخفيف والخام العربي الخفيف الإضافي من السعوديين.
وهذا الأمر ينطبق كذلك على الصين، التي تعد من أكثر الدول التي تستهدفها السعودية كي تكون من عملائها.
 
من جهتها، أبلغت أرامكو أن بعض محطات التكرير لن تكون قادرة على توفير الطلبات الخاصة من النفط الخام العربي الإضافي في الوقت الراهن، حيث أُعلم العملاء أنه يمكن تزويدهم بدل ذلك بالنفط الخام العربي المتوسط أو النفط الخام العربي الثقيل، في حين تم إعلام العملاء الآخرين -الذي اعتادوا شراء النفط الخام العربي الخفيف- بأنه بإمكانهم الحصول على النفط الخام العربي الثقيل كبديل لشهر سبتمبر/أيلول.
 
والإجراء الإضافي الذي تتخذه السعودية يتمثل في شراء درجات النفط العراقي، الأمر الذي نفته المملكة.

في المقابل، يستطيع موقع "أويل برايس" تأكيد هذه المعلومة استنادا إلى مصادر مختلفة لتجارة النفط ومصادر أخرى في وزارة النفط العراقية. علاوة على ذلك، تعادل هذه الدرجات العراقية درجات التصدير الرئيسية التي تشحنها السعودية إلى العديد من الوجهات، بما في ذلك آسيا.

من جانبه، أورد مصدر مقرب من وزارة النفط العراقيّة "لأويل برايس" أن مواصفات بعض الدرجات العراقية قريبة من مواصفات السعوديين، ويتمثل جزء من النشاط الذي تقوم به السعودية لتخصيص حصص الإنتاج للعملاء في إطار هذه الدرجات، في التأكد من أن الطلب المتواصل على الدرجات الإيرانية من قبل آسيا لا يهدف إلى التعويض عن النقص من طرف السعودية.
 
ووفقا للكاتب، تعد المفارقة الكبرى في أن الإستراتيجية الأساسية التي تستخدمها إيران للتحايل على العقوبات الأميركية المفروضة عليها حاليا تتمثل في تغيير اسم نفطها وتقديمه على أنه نفط عراقي، علما أن هذا الأمر سهل للغاية، ويمكن القيام به على الحدود التي يسهل اختراقها بين البلدين الاثنين أو عبر خط أنابيب مختلف.
 
وقد ينتهي الأمر بالمملكة العربية السعودية إلى تعزيز الحسابات المصرفية للأطراف التي تعتقد أنها مسؤولة عن الهجمات التي استهدفت بنيتها التحتية النفطية، أي الحرس الثوري الإيراني الذي يعد من أقوى وأنشط مؤيدي الحوثيين في اليمن، من خلال مختلف الأعمال التجارية ذات الصلة بمجال صناعة النفط، وذلك عن طريق شراء النفط الإيراني مع تغيير الملصقات الموضوعة على البرميل.

المصدر : مواقع إلكترونية