هل تنتهي معاناتهم بالأردن؟.. مدينون خلف القضبان ودائنون ينتظرون السداد

صورة لسجن الجويدة
قيمة الشيكات المرتجعة بالأردن بلغت خلال الأشهر السبعة الأولى من هذا العام نحو 1.3 مليار دولار (مواقع التواصل)

أيمن فضيلات-عمّان

لم تكن تتوقع الأستاذة الجامعية الخمسينية (سلام م. س) أن سيرها في معاملة نهاية الخدمة من الجامعة التي أفنت حياتها فيها ستؤدي بها إلى سجن الجويدة، على خلفية قضية مالية تبلغ مئتي دولار لأحد البنوك، بسبب خطأ في احتساب الدفعات المسددة.

في حين يتوارى الشاب الثلاثيني (محمود أ. ف) عن أنظار رجال الأمن العام، ويعمد إلى السير في الطرق الفرعية بعيدا عن دوريات الشرطة التي تلقى القبض على المطلوبين بالقضايا المالية.

يقول محمود للجزيرة نت إنه مطلوب للتنفيذ القضائي على ذمة ثلاث قضايا مالية، فقد دخل في تجارة ولم تسعفه حركة البيع الضعيفة، فعجز عن سداد الديون وبات مطلوبا للسجن.

"المشكلة الكبيرة أنني إذا سجنت فلن أتمكن من التسديد، وسيتم طرد عائلتي من المنزل المستأجر الذي نسكنه، وستبيت عائلتي في الشارع".

منال كشت ليست بأفضل حال من سابقيها، فحضورها جلسة برلمانية لمجلس النواب أودى بها إلى سجن الجويدة تاركة طفليها الصغار.

بعدما ألقي عليها القبض وهي خارجة من قبة البرلمان -تتابع حديثها للجزيرة نت- فقد اكتشفت أن أحد البنوك قد رفع عليها قضية بقيمة ثمانية آلاف دينار (11.3 ألف دولار) لم يتم دفعها بدل الشقة السكنية التي كانت تسكنها خلال زواجها.

تشريع جديد
قصة عدم حبس المدين المعسر معقدة شيئا ما في الأردن، فمطالبات المتضررين المطلوبين للتنفيذ القضائي والناشطين والحقوقيين تمثلت بإيجاد نص تشريعي يمنع حبس المدين المعسر، ويستعاض عنه بعقوبات أخرى تكفل للدائن حقه في استرداد ماله.

المدافعون وصفوا حبس المدين المعسر بسبب تعثر ظروفه المادية لسوء الأوضاع الاقتصادية بأنه "مجحف وظالم" مطالبين بتعديل التشريعات للسماح للمدينين المتعسرين بالعمل وتسديد ما عليهم من ذمم.

‪الحكومة تدرس خفض مدة الحبس على الديون التي تقل عن ألف دينارإلى ثلاثين يوما‬  الحكومة تدرس خفض مدة الحبس على الديون التي تقل عن ألف دينارإلى ثلاثين يوما (الجزيرة)
‪الحكومة تدرس خفض مدة الحبس على الديون التي تقل عن ألف دينارإلى ثلاثين يوما‬  الحكومة تدرس خفض مدة الحبس على الديون التي تقل عن ألف دينارإلى ثلاثين يوما (الجزيرة)

أيدهم بذلك مذكرة نيابية وقع عليها 110 نواب قدموها للملك عبد الله الثاني لتوجيه الحكومة لإجراء تعديل على مواد قانوني العقوبات والتنفيذ القضائي لعدم حبس المدين المعسر في قضايا الشيكات والكمبيالات، وإيجاد وسائل بديلة عن الحبس تضمن حقوق الدائن، على ألا يشمل ذلك حالات السرقة والاحتيال وإساءة الائتمان والقضايا الجزائية.

النائب معتز أبو رمان متبني المذكرة، قال للجزيرة نت إن المذكرة تفرق بين المدين الممتنع عن السداد، والمتعثر أو المعسر غير القادر على السداد، وإيجاد صيغة لمنحه مهلة زمنية معقولة للسداد، مع جدولة الديون.

جنون الصناعيين
الغرف التجارية والصناعية جن جنونها من توجه مجلس النواب لتعديل قانون العقوبات بما لا يجيز حبس المدين إذا تعذرت قدرته على السداد لعجز مالي مثبت.

ويرى رئيس غرفة الصناعة فتحي الجغبير أن مذكرة النواب "مضرة كبيرة للقطاعات الاقتصادية المختلفة" خاصة وأن الحبس حق شخصي للدائن لا يمكن التنازل عنه حماية لحقه.

وتابع -في تصريح للجزيرة نت- أن هناك شركات صناعية لها حقوق بملايين الدنانير بالسوق المحلي، ومنع حبس المدين على إطلاقه سيرفع حجم الشيكات المرتجعة ويحمل الشركات خسائر مالية، وسيؤثر سلبا على الثقة بين الأنشطة الاقتصادية.

واقترح الجغبير إيجاد نظام متكامل يحمي الدائن ويحفظ حقوقه، وييسر على المدين المتعثر في السداد، وأن يتم تقسيم قيمة الدين إلى فئات فلا يحاسب المدين بألف دينار كالمدين بمليون.

يُشار أن قيمة الشيكات المرتجعة خلال الأشهر السبعة الأولى من العام الحالي بلغت 956 مليون دينار (1.3 مليار دولار).

قانون تنفيذ جديد
الحكومة طبخت على هدوء مشروع قانون جديد للتنفيذ القضائي يسمح بتحديد مدة زمنية لتسديد الدين في حال عرض تسوية من قبل المدين، وخفض مدة الحبس على الديون التي تقل عن مبلغ ألف دينار إلى ثلاثين يوما، ومنع حبس المدين الذي يتجاوز عمره السبعين عاما أو أن حالته لا تسمح بالحبس.

والقانون الجديد -وفق تصريحات وزير العدل بسام التلهوني لوسائل إعلام محلية- منح الصلاحية لرئيس التنفيذ إصدار أمر بمنع السفر بحق المدين إذا تصرف في أمواله أو هربها أو كان على وشك مغادرة البلاد.

وأجاز مشروع القانون الجديد لرئيس التنفيذ إصدار الأمر بحجز أموال المحكوم عليه المنقولة وغير المنقولة، قبل مرور المدة القانونية على ورقة الإخبار المبلغة إليه، إذا اقتنع أن المحكوم عليه أخذ بتهريب أمواله.

ويرى خبراء ضرورة جلوس أطراف المعادلة من محكومين ونشطاء ونقابة المحامين وجمعيات حقوق الإنسان، يقابلهم جمعية البنوك والصناعيين والتجار، إلى طاولة حوار للبحث في هذه القضية المهمة. خاصة وأن بعض المحكومين أمضوا في السجون سنوات دون أن يسترد المدين دينارا من حقه.

المصدر : الجزيرة