بعد رحيل الأب الروحي.. هل حققت تفريعة قناة السويس أحلام مميش؟

رئيس هيئة قناة السويس المقال الفريق مهاب مميش مع الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي إثناء افتتاح تفريعة قناة السويس الجديدة
مميش الأب الروحي للتفريعة التي دشن بها السيسي بداية عهده بمشروعات مثيرة للجدل (مواقع التواصل)

محمد سيف الدين-القاهرة

لم يحظ الفريق المصري مهاب مميش بثقة الرئيس عبد الفتاح السيسي كي يستمر على رأس إدارة هيئة قناة السويس لعام جديد، حيث قرر الأخير تعيين الفريق أسامة ربيع رئيسا للهيئة، وعين مميش مستشارا للرئيس لمشروعات محور قناة السويس والموانئ والمنافذ البحرية، بحسب بيان صادر عن رئاسة الجمهورية السبت الماضي.

عدم تجديد الثقة في مميش لتولي إدارة قناة السويس لهذا العام كما جرت العادة منذ توليه المنصب عام 2012، دفع البعض للتساؤل حول حجم الإنجازات التي حققتها المسؤول السابق للقناة، وخاصة بعد التفريعة الجديدة التي افتتحت في الخامس من أغسطس/آب 2015.

ويعتبر مميش الأب الروحي لمشروع تفريعة قناة السويس الذي دشن به السيسي بداية عهده بمشروعات "كبرى" أثارت الكثير من الجدل بين مؤيد ومعارض.

وتوقع مميش وقتها أن التفريعة ستزيد دخل القناة أول عامين بعد تشغيلها ليصل إلى ثمانية مليارات دولار، ثم يرتفع بحلول عام 2023 إلى 13.4 مليارا. في حين حذر خبراء من عدم جدوى توسعة القناة بسبب ضعف حركة التجارة العالمية، فضلا عن تأثير التعجل في الحفر على الاحتياطي النقدي الأجنبي.


إيرادات تأخر حصادها
بلغة الأرقام، لم تحقق التفريعة الجديدة الجدوى الاقتصادية منها، ففي السنة المالية المنتهية (2018-2019) وصلت عائدات قناة السويس إلى 5.9 مليارات دولار، بحسب ما نشرته الصفحة الرسمية لمجلس الوزراء احتفالا بالذكرى الرابعة لافتتاح التفريعة.

وعلى عكس توقعات مميش، لم تزد عائدات القناة سوى ثلاثمئة مليون دولار عن عائدات السنة السابقة (5.6 مليارات) بنسبة قدرها 5.4%.

وتوقع مميش -خلال مؤتمر مجلس الأعمال المصري الكندي، في أبريل/نيسان الماضي- زيادة مقدارها مليار دولار في دخل القناة عن السنة المالية السابقة.

عام 2014 (قبل التفريعة) بلغت إيرادات القناة نحو 5.5 مليارات دولار، وعام التوسعة (2015) تراجعت إلى 5.1 مليارات فخمسة مليارات عام 2016، ثم عاودت الارتفاع من جديد عام 2018 لتصل إلى 5.6 مليارات.

ومع ضعف الإيرادات لجأت الحكومة لإعلان دخل القناة بالعملة المحلية (الجنيه) بدلا من الدولار كي توحي بزيادته، كما توقف المركز الإعلامي للهيئة مطلع 2016 عن نشر حركة السفن بالمجرى الملاحي شهريا كما اعتادت منذ عشرات السنين.


توقعات وهمية
ولكي ترتفع إيرادات القناة إلى 13.4 مليار دولار بحلول عام 2023 (وفق توقعات مميش السابقة) يجب أن تزداد التجارة الدولية سنويا بنسبة 9%، بحسب ما أوضح الخبير الاقتصادي محمد سعد.

وقال سعد -في حديثه للجزيرة نت- إن توقعات الحكومة بخصوص التجارة الدولية بنيت على افتراضات وهمية، مشيرا إلى أن معدل التجارة العالمي في ظل الأوضاع الراهنة لن يزيد سنويا على 3 أو 4% بأقصى تقدير.

وهذا ما اعترف به مستشار رئيس هيئة القناة اللواء خالد العزازي خلال اجتماع لجنة الخطة والموازنة في مايو/أيار الماضي لمناقشة موازنة الدولة للعام المالي 2019-2020 بمجلس النواب، حيث قال إن الهيئة حققت حتى الآن أربعة مليارات و774 مليون جنيه بزيادة بنسبة 3.4% عن العام الماضي، مشيرا إلى أن ركود حركة التجارة العالمية حال دون تحقيق 30 أو 40% زيادة بالإيرادات بعد إنشاء التفريعة الجديدة.

ومن ضمن الأسباب التي تقف وراء عدم تحقيق القناة إيرادات مرتفعة رغم التفريعة، التأثيرات الاقتصادية السلبية التي مرت بها مصر تلك الآونة ومنها نقص العملة الأجنبية (الدولار) الذي ضغط على المركزي والبنوك التجارية بشدة وسبب ورطة نقدية انتهت إلى تعويم الجنيه، واللجوء للاقتراض من صندوق النقد الدولي، وفق ما أوضح الخبير الاقتصادي د. أحمد ذكر الله في حديثه للجزيرة نت.


خسائر بالجملة
ومع ضعف تحقيق الإيرادات المتوقعة، عجزت هيئة القناة عن سداد 450 مليون دولار تمثل ثلاثة أقساط ديون تستحق في ديسمبر/كانون الأول 2017، ويونيو/حزيران 2018، وديسمبر/كانون الأول 2018، مما دفع وزارة المالية لعقد بروتوكول مع البنوك الدائنة في مايو/أيار الماضي، يتضمن تحمل الوزارة سداد المديونيات المستحقة على القناة لصالح البنوك بعد عامين.

ويأتي البروتوكول الذي وافقت عليه هيئة القناة مع البنوك فى إطار خطة الدولة لهيكلة المديونيات الدولارية المستحقة على الجهات والهيئات الحكومية.

عام 2015 حصلت هيئة القناة على قرض مباشرة من أربعة بنوك بقيمة مليار دولار لمشروع حفر القناة الجديدة، على أن يتم تسديد القرض بأقساط نصف سنوية على خمس سنوات ونصف السنة بداية من ديسمبر/كانون الأول 2016، وحتى يونيو/حزيران 2020 بواقع ثلاثمئة مليون فى العام.

وتبلغ التكلفة الإجمالية لمشروع التفريعة والمشروعات المرتبطة بها أكثر من مئة مليار جنيه، منها 64 مليارا قرض حصلت عليه الحكومة من المدخرين عبر طرح شهادات استثمار، و38 مليارا تكلفة الأعباء المترتبة على القرض من أسعار فائدة وغيرها، وفقا للصحفي المتخصص بالشأن الاقتصادي مصطفى عبد السلام.


شهادات القناة
ومع مرور أربع سنوات على افتتاح التفريعة، تستعد أربعة بنوك محلية حاليا لرد قيمة استحقاقات شهادات قناة السويس، في الفترة من 4 إلى 11 سبتمبر/أيلول المقبل، وتبلغ قيمتها نحو ملياري جنيه، وفق ما أوضح حسين الرفاعي رئيس مجلس الإدارة والعضو المنتدب لبنك قناة السويس.

وتنتهي مدة شهادات قناة السويس المحددة بخمس سنوات للاكتتاب في حفر تفريعة قناة السويس الجديدة، وأنفاق أسفل القناة بالإسماعيلية وبورسعيد، مطلع سبتمبر/أيلول المقبل.

وطرحت بنوك الأهلي المصري ومصر والقاهرة وقناة السويس شهادات قناة السويس من خلال ثلاث فئات، وتم إبرامها وسعر صرف الدولار لا يزيد على 7.5 جنيهات، ولكنها ستصرف وسعر الصرف يتخطى 16.5 جنيهًا للدولار الواحد، ولذلك لن تغطي جميع الفوائد خلال السنوات الخمس الخسارة النتيجة عن فارق العملة، وفق ما أوضح خبراء اقتصاد للجزيرة نت.

وبلغت الفائدة نحو 12.5% (هي الأعلى آنذاك في البنو)، قبل أن ترتفع إلى نحو 15.5% مع ارتفاع سعر الفائدة على الجنيه، لتصل إلى 20% سنويا عقب قرار تعويم العملة المحلية.

وعقب تحرير سعره خسر الجنيه 57% من قيمته، ويخشى العاملون في البنوك من ضغوط على احتياطي العملة الأجنبية خلال الفترة المقبلة في حال توجه المستثمرين بشهادات القناة لشراء العملات الصعبة.

وبلغ حجم الاحتياطي النقدي في يونيو/حزيران الماضي نحو 44.352 مليار دولار.


أسباب سياسية
بعيدا عن عدم وجود جدوى اقتصادية للمشروع والخسائر الفادحة التي تكبدتها القناة، كان هناك بعد سياسي في إنشاء التفريعة، وذلك استنادا لتصريحات سابقة للرئيس.

وقال السيسي في لقاء تلفزيوني بإحدى القنوات المحلية في الثالث من يونيو/ حزيران 2016، ردا على سؤال حول التفريعة "الهدف منه تثبيت الدولة ورفع الروح المعنوية للشعب، وهذا هو أحد الأسباب الرئيسية للإسراع في افتتاح المشروع، لإثبات أن المصريين لديهم القدرة العالية على إنجاز مشروعات كبيرة في وقت قصير".

إضافة للأسباب السياسية، هناك أسباب تنموية، منها اختصار زمن الإبحار 50% من 22 ساعة إلى 11، ورفع أعداد السفن التي تمر من القناة يوميا.

وعند افتتاح التفريعة الجديدة بأغسطس/آب 2015 خرجت جريدة واشنطن بوست الأميركية بعنوان لافت يقول "هدية مصر إلى العالم.. لا أحد يحتاجها" متسائلة عما إذا كان العالم بحاجة لهذا المشروع بالفعل، مشيرة إلى أنه لم تكن هناك دراسة جدوى حكومية للمشروع، وإنما كان ناتجا عن أمر صادر عن الرئيس الجديد.

المصدر : الجزيرة