"الاقتصاد المقاوم".. هكذا تواجه إيران العقوبات الأميركية

A gas flare on an oil production platform in the Soroush oil fields is seen alongside an Iranian flag in the Persian Gulf, Iran, July 25, 2005. REUTERS/Raheb Homavandi/File Photo
الميزانية الأخيرة التي عرضها روحاني بلغ الاعتماد فيها على الصادرات النفطية حوالي 27% فقط (رويترز)

وفي حين كانت الولايات المتحدة تستهدف قطاع البترول والمصارف الإيرانية في عقوباتها السابقة، قام الرئيس الأميركي دونالد ترامب بفرض عقوبات جديدة على قطاع صناعات الصلب الإيراني (الحديد والصلب والألمنيوم والنحاس)، الأمر الذي يجعل العديد يفكرون في سبب فرض مثل تلك العقوبات، في وقت تعتبر فيه إيران دولة مصدرة للنفط.

صادرات الصلب الإيرانية
إذا ما نظرنا إلى الإحصاءات، فإن صادرات إيران الرسمية تبلغ حوالي 100 مليار دولار في العام، بينما تصدر مبلغا مماثلا بشكل غير رسمي أيضا.

وحسب كتيب تقرير وزارة التجارة الإيرانية عن تجارة البلاد خلال العام الإيراني الماضي، يشكل قطاع الصناعات الإيرانية 44% من صادرات البلاد، يليه قطاع النفط والغاز والبتروكيماويات بـ33%، والزراعة بـ9% والمعادن بـ3%.

لكن إذا ما تم التدقيق في الكتيب، نرى أن قطاع النفط والغاز والمشتقات النفطية يشكل نحو النصف من هذه الصادرات، يليه قطاع الصناعة والزراعة والمعادن.

وبما أن قطاع المعادن الصلبة (الحديد والحديد الزهري والألمنيوم والنحاس) تحت قسم الصادرات الصناعية، وقسم منه قطاع المعادن، فإنه يشكل عموما حوالي 10% من مداخيل إيران من العملة الصعبة، أي نحو 10 مليارات دولار تقريبا.

وتعتبر الإمارات العربية المتحدة والعراق وتركيا وأفغانستان بالترتيب أكبر مستوردي منتجات قطاع معادن الصلب الإيراني.

أي ضغوط على الاقتصاد؟
عندما انتصرت الثورة الإسلامية في إيران كانت ميزانية الحكومات الإيرانية تعتمد عموما على صادرات البترول ومشتقاته بنسبة تبلغ 90%.

وباءت كل محاولات الحكومات الإيرانية لتخفيف الاعتماد على صادرات البترول خلال السنوات التي تلت الثورة الإسلامية، بالفشل.

فقد كانت الميزانية الإيرانية إبان حكم الرئيس السابق محمود أحمدي نجاد -وقبيل فرض العقوبات الأممية- تعتمد بنحو 70% على صادرات النفط ومشتقاته.

بيد أن الميزانية الأخيرة التي قدمها الرئيس الإيراني حسن روحاني في نوفمبر/تشرين الثاني 2018 إلى مجلس الشورى الإسلامي وصل الاعتماد فيها على الصادرات النفطية إلى حوالي 27%.

ولهذا السبب اعتبرت بعض الشخصيات السياسية في إيران العقوبات الأميركية "نعمة" تفرض على الحكومة الإيرانية وقف اعتمادها على صادرات البترول.

وكي تقاوم الحكومة الإيرانية العقوبات الأميركية اضطرت لتطبيق سياسات اقتصادية تقشفية من جهة، والاعتماد على الصادرات غير النفطية الواقعة تحت العقوبات الأميركية من جهة أخرى.

وفي هذا السياق اضطرت الحكومة الإيرانية إلى رفع أسعار الصرف وفتح المجال أمام غلاء الأسعار كي يعود المجتمع الإيراني الذي تعود على حياة استهلاكية إلى حياة تقشف.

وعبر هذه السياسة تستطيع أن تخفف من عبء حاجتها إلى العملة الصعبة لاستيراد البضائع من جهة، وتقوية الإنتاج الداخلي وتخفيض الإنفاق العام للحكومة من جهة أخرى.

وعبر اعتمادها هذه السياسة، استطاعت الحكومة الإيرانية تعزيز صادرات البضائع الإيرانية إلى الخارج، خاصة إلى دول الجوار وتغطية عجز صادراتها النفطية.

وعلى الرغم من أن السياسة الاقتصادية للحكومة الإيرانية أدت إلى ارتفاع شديد في أسعار السلع المنتجة داخليا ولكن لحد كتابة هذا التقرير، فإن الشعب الإيراني ما زال يقاوم هذه الضغوط.

وقد استطاعت الحكومة الإيرانية رفع صادرات إيران من الصلب من حوالي خٌمس إنتاج البلاد إلى الثلث، حيث إن فرق سعر العملة بدأ يشجع القطاعات المختلفة على تصدير بضائعها.

سياسة إيران الاقتصادية ستتحول من سياسة تصدير رسمي للبضائع الموجودة على لوائح العقوبات الأميركية إلى زيادة التصدير غير الرسمي لهذه البضائع والتعامل بالعملات المحلية

فشل "المركزي"
ولكن سياسة المصرف المركزي الإيراني المالية لإعادة أموال الصادرات إلى البلاد أثبتت فشلها بعد أن أعلن "المركزي"، منذ شهر تقريبا، أن حوالي 30 مليار دولار من صادرات إيران غير النفطية خلال الستة أشهر الماضية لم تعد إلى البلاد كليا.

ويعلل المصدرون عدم إعادة هذه الأموال إلى البلاد بكون السياسات المالية للمصرف المركزي الإيراني تفرض عليهم بيع العملة الصعبة بما يعادل 60% مقارنة بسعر هذه العملة في الأسواق (الدولار الأميركي يعادل حوالي 150 ألف ريال إيراني بالأسواق الحرة في حين أن المصرف المركزي يفرض على المصدرين بيعها بحوالي 88 ألف ريال).

ويشكل قطاع صادرات الصلب الإيراني أحد القطاعات التي تعود مجمل أمواله إلى داخل البلاد لأن الشركات التي تصدّره تشرف على مجملها الحكومة، وعلى هذا الأساس فإن وضع قطاع صادرات الصلب الإيراني يشكل ضغطا كبيرا على الحكومة.

وفي حين تحصل إيران على 50 مليار دولار إيرادات من العملة الصعبة من خلال قطاع النفط والغاز ومشتقاته النفطية، فإنها ستخسر نحو 20 مليار دولار منه بسبب العقوبات الأميركية وعدم تمديد السماح لثماني دول باستيراد النفط الإيراني.

من جهة أخرى فإن 30 مليار دولار لا تعود إلى البلاد، و10 مليارات دولار أخرى تحاصرها العقوبات.

وبهذه الحسابات فإن 100 مليار دولار التي كانت الحكومة الإيرانية تعوّل عليها ستتقلص إلى ما بين 40 و50 مليار دولار سنويا فقط. وكل هذا يندرج ضمن الحسابات الأميركية لمداخيل إيران من العملة الصعبة ومحاولات تقليصها.

هل يمكن إخضاع إيران؟
تعوّل إيران على الاستمرار في تصدير بضائعها بشكل غير رسمي عبر اللف حول العقوبات الأميركية.

فعلى الرغم من الإحصاءات فإن من يعيش في إيران يعرف أن الايرانيين حصلوا على الدكتوراه في العبور ما وراء العقوبات الأميركية، حسب وصف وزير الخارجية محمد جواد ظريف.

فهناك تجار كثر في العالم مستعدون للمخاطرة للحصول على أرباح كبيرة عبر تهريب النفط والمنتوجات الإيرانية إلى الأسواق الدولية.

وعليه فإن سياسة إيران الاقتصادية ستتحول من سياسة تصدير رسمي للبضائع الموجودة على لوائح العقوبات الأميركية، إلى زيادة التصدير غير الرسمي لهذه البضائع والتعامل بالعملات المحلية أو العودة بثمن هذه البضائع نقدا.

لا يمكن أن ننكر أن هذا الشكل من تصدير البضائع من شأنه تخفيض مداخيل إيران من العملة الصعبة، لكن لا نتوقع أن السياسة الأميركية يمكن أن تنجح في تصفير عائدات البلاد من العملة الصعبة.

وحسب ما جاء على لسان الرئيس الإيراني حسن روحاني يوم 12 مايو/أيار الحالي "فإن إيران مقدمة على مواجهة ظروف اقتصادية صعبة جدا مستقبلا، والسبيل الوحيد لهذا البلد لمواجهة الحصار الاقتصادي هو وحدة البلاد ومقاومة الشعب"، لكن ما من سبيل للإيرانيين غير مواجهة هذه العقوبات.

المصدر : الجزيرة