عشية الانتخابات.. هذه حقيقة الوضع الاقتصادي في تركيا

خليل مبروك-إسطنبول

يحتل الواقع الاقتصادي مكانة متقدمة في تحديد توجهات الناخبين الأتراك الذين سيذهبون غدا الأحد لاختيار المرشحين لمجالس البلديات من مرشحي تحالف "الأمة" القائم بين حزب "الشعب الجمهوري" والحزب "الجيد" المعارضين، أو من مرشحي تحالف "الشعب" القائم بين حزب "العدالة والتنمية" و"الحركة القومية".

وعانى الاقتصاد التركي بشدة خلال العام 2018 من تقلبات حادة هوت بسعر صرف الليرة أمام الدولار الأميركي، لكنه حقق في ذات الوقت النمو الأعلى عالميا بنسبة تجاوزت 7%.

ويلخص الخبراء مشاكل الاقتصاد التركي في العام الجاري قبيل الانتخابات بثلاثة عناوين كبرى، هي التضخم وانخفاض قيمة الليرة وزيادة الطلب الذي أدى إلى ارتفاع الأسعار، في حين يسجل للاقتصاد التركي حفاظه على تسارع النمو وارتفاع مستوى الأجور وتراجع عجز التجارة الخارجية.

مؤشرات التراجع
خلال العام 2018، تخطت نسبة التضخم 25.24% قبل أن تتراجع إلى 20.3% مع نهاية العام، لتنخفض إلى 19.5% في مارس/آذار الجاري، بحسب بيانات الإحصاء المركزي التركي.

ويتوقع وزير المالية التركي بيرات البيرق أن يواصل التضخم تراجعه ليصل إلى 10% في سبتمبر/أيلول القادم.

وخلال العام الأخير، زادت أسعار المستهلك بنسبة 16.33%، وارتفعت أسعار المنتجين المحليين بنسبة 27.01%، كما ارتفع معدل البطالة إلى 11% بزيادة 0.1% عن العام 2017، بينما بلغ عدد العاطلين عن العمل 3 ملايين و537 ألف شخص، بزيادة 83 ألفا عن العام 2017.

ويخشى الرئيس التركي رجب طيب أردوغان -إلى حد كبير- تأثير الارتفاع اللافت في أسعار السلع الأساسية والخضراوات خصوصا؛ على توجهات الناخبين، لذلك بادر بإقامة نقاط بيع مدعومة من البلديات توفر هذه الاحتياجات بأسعارها الأولية.

لكن التزاحم على هذه المراكز جلب انتقادات المعارضة لسياساته الاقتصادية، قائلة إنه حول تركيا إلى "دولة طوابير".

 

ارتفاع الصادرات
وسجلت قيمة الصادرات التركية الخارجية أعلى مستوى تاريخي خلال العام الماضي لتصل إلى 168.1 مليار دولار، بارتفاع 7.1% عن العام 2017، وفقاً لما أعلنته وزيرة التجارة التركية روهصار بكجان التي أكدت في المقابل تراجع الواردات إلى 223.1 مليار دولار بنسبة 4.6%.

ودخلت تركيا العام 2019 برفع الحد الأدنى للأجور بنسبة 26% ليصبح 2020 ليرة (381 دولارا) شهريا، بعدما تم رفعه في العام الماضي بنسبة 14%.

وخلال الشهرين الماضيين، نجحت تركيا في خفض احتياجات التمويل وعجز التجارة الخارجية بقيمة 10.8 مليارات دولار، بينما أعلن محافظ البنك المركزي التركي مراد تشيتن كايا عن ارتفاع إجمالي الاحتياطيات لدى البنك بمقدار 4.3 مليارات دولار خلال الأسبوع الأخير من مارس/آذار الجاري لتصل إلى 96.7 مليار دولار.

وقال البنك إن قيمة الاستثمارات الأجنبية في تركيا بلغت خلال العام الماضي نحو 6.5 مليارات دولار.

‪سعر صرف الدولار على اللوحة الإلكترونية لأسعار العملات في واجهة محل صرافة بإسطنبول‬ (الجزيرة)
‪سعر صرف الدولار على اللوحة الإلكترونية لأسعار العملات في واجهة محل صرافة بإسطنبول‬ (الجزيرة)

قضية الليرة
وخلال الأسبوع الأخير، تدنى سعر صرف الليرة التركية مجددا أمام الدولار الذي صرف بقيمة 5.8 ليرات تركية يوم الجمعة 22 مارس/آذار الجاري، قبل أن تعاود الليرة الارتفاع الثلاثاء الماضي معوضة أغلب الخسائر التي منيت بها.

ويؤكد خبراء أتراك أن أزمات اقتصاد بلادهم الأخيرة تتعلق بخلفيات سياسية أكثر من ارتباطها بالأداء الاقتصادي، مستشهدين على ذلك بارتباط انخفاض سعر صرف الليرة التركية بالتوتر الذي طغى على علاقات أنقرة بواشنطن على خلفية عدد من القضايا.

سجال سياسي
وشهدت العلاقات التركية الأميركية سجالا حادا على خلفية ملفات صفقة صواريخ "أس-400" الروسية، واحتجاز أنقرة للأميركي برونسن ومحاكمته، والتلاسن بين أردوغان والرئيس الأميركي دونالد ترامب حول اعتراف واشنطن  بهضبة الجولان السورية.

ووفقاً للباحث في الشؤون الاقتصادية التركي مولود تاتليير، فإن الاقتصاد التركي واجه في العام الماضي تحديات نادرا ما عانى مثلها في السنوات الأخيرة، خاصة في موجتي انخفاض سعر صرف الليرة في مايو/أيار وأغسطس/آب من العام الماضي.

ويشير تاتليير إلى أن الاقتصاد التركي عانى من مشاكل كبيرة في تسعينيات القرن الماضي نظرا لهشاشة بنيته، لكن ما واجهه مؤخراً جاء في ظل حالة الحيوية الكبيرة التي يعيشها حيث حقق نموا قدره 133% خلال الأعوام الـ16 الأخيرة، وارتفع متوسط النمو السنوي إلى نحو 5.7%.

ويتوقع أن يواصل الاقتصاد التركي تعافيه الذي بدأ منذ نهاية العام الماضي، بعدما استردت الليرة نحو 23% من قيمتها منذ سبتمبر/أيلول الماضي، وفي ظل انخفاض التضخم الذي بلغ حد 25.24% خلال أكتوبر/تشرين الأول المنصرم.

لكن الباحث يعتقد أن هذا التعافي سيسير بشكل بطيء وثابت، متوقعا أن تبلغ نسبة النمو الاقتصادي 2.5% في العام الجاري.

المصدر : الجزيرة