"خليها تصدّي" بمصر.. حملة شعبية أم للجيش دور فيها؟

عمرو عبد الكريم - عشرات السيارات تعاني الإهمال في مقابر السيارات - (الجزيرة) - مقابر السيارات في مصر.. هنا تدفن السيارات بدلا من حفظها
الحملة التي دخلت شهرها الثاني، أصابت سوق السيارات بحالة ركود (الجزيرة)

محمد سيف الدين-القاهرة

أثار التفاعل الواسع إعلاميا وشعبيا في مصر مع الحملة الإلكترونية "خليها تصدّي" لمقاطعة شراء السيارات الجديدة بسبب ارتفاع أسعارها، العديد من التساؤلات حول من يقف وراءها، حيث يؤكد الكثير من المصريين أنها حملة شعبية عفوية، بينما عبّر نشطاء مواقع التواصل الاجتماعي عن مخاوفهم من وقوف الجيش وراءها، أو على الأقل استغلال نجاحها.

ومع استمرار ارتفاع أسعار السيارات بشكل مبالغ فيه، تفاعل عدد كبير مع الحملة، حيث بلغ عدد المشتركين فيها على موقع فيسبوك أكثر من مليون مشترك.

الحملة التي دخلت شهرها الثاني أصابت سوق السيارات بحالة ركود، وانخفضت المبيعات إلى نحو 60%، وسط توقعات باستمرار هذه الحالة حتى نهاية أبريل/نيسان المقبل، حسبما أكده أصحاب أربعة معارض سيارات في أماكن مختلفة من القاهرة والجيزة للجزيرة نت.

وكحيلة لكسر تلك الحالة، لجأت بعض شركات السيارات في مصر إلى تقديم عرض خاص على إحدى سياراتها لعام 2019، شمل وقودا مجانيا لمدة عام لكل مشتر جديد بحد أقصى 25 ألف كلم، وفقا لأسعار الوقود الحالية. 

فتش عن الجيش
مع التغطية الإعلامية الواسعة المتعاطفة مع حملة "خليها تصدّي"، التي تبعها الإعلان عن السعي لتدشين تأسيس شركة مساهمة مصرية لتجارة السيارات وقطع الغيار تحت اسم مجموعة المصريين للاستثمار، ارتفعت بورصة التكهنات حول وقوف القوات المسلحة خلف تلك الشركة، خاصة في ظل شح المعلومات عنها.

وتستهدف الشركة -التي ما زالت قيد التأسيس- استيراد السيارات للمساهمين أو لمن يرغب في شراء أي سيارة بهامش ربح طبيعي من 8 إلى 12%، وذلك حسبما أعلنه المتحدث الإعلامي للمجموعة وليد السكري.

تخوفات المشاركين في حملة "خليها تصدي" من اقتحام الجيش المصري مجال استيراد السيارات، كشفتها تعليقات البعض على خبر تأسيس الشركة.

وتمنى محمود خلاف -أحد المشاركين في الحملة- ألا تكون الشركة المزمع إنشاؤها تابعة لجهاز مشروعات الخدمة الوطنية التابع للقوات المسلحة، ساخرا من اتهام أي معترض على الأسعار بأنه إخوان أو يهين الجيش. كما عبر رؤوف العربي عن مخاوفه من وقوف الجيش وراء الحملة استعدادا لاحتكار سوق السيارات.

وإذا ما صدقت تلك التنبؤات، فإن ذلك يمثل عقبة كبرى في وجه أي استثمارات جديدة سواء كانت محلية أو أجنبية، وفق ما أوضحه أستاذ الاقتصاد الدكتور حمدي إبراهيم.

ويرى إبراهيم في حديثه للجزيرة نت أن ذلك يعزز غياب قواعد التنافسية التي يتخوف منها أي مستثمر أجنبي، متسائلا: كيف يجازف أي مستثمر في دخول سوق يرى أن جيش البلد هو اللاعب الاقتصادي الأهم فيه؟

وأيد ذلك الطرح رامي أبو النور -أحد المشاركين في الحملة- مطالبا بأن يقتصر دور الدولة على الجانب الرقابي في توصيل الخدمات والسلع إلى المواطن بدون احتكار.

وقال أبو النور "أتمنى أن أدخل معرض سيارات وأرى شابا محترما يبيع سلعة محترمة، بدلا من أن أجد عسكريا مجندا ليس له علاقة بالمجال".

في المقابل، يرى محمد الدسوقي المشارك في الحملة أنه لا بد من دخول الجيش المصري مجال استيراد السيارات من الخارج، مؤكدا أن ذلك سيكسر المنافسة ويوفر سعرا عادلا للمستهلك.

يعزز هذا التخوف ما حدث في سبتمبر/أيلول 2016، حينما اقتحم الجيش المصري مجال استيراد حليب الأطفال الرضع "لمواجهة احتكاره".

ومنذ إطاحة القوات المسلحة بأول رئيس مدني منتخب في البلاد الدكتور محمد مرسي يوم 3 يوليو/تموز 2013، تسارعت وتيرة إحكام سيطرة الجيش على مفاصل الاقتصاد لتشمل صناعات غذائية وأجهزة كهربائية واستيراد المستلزمات الطبية والأدوية، واللحوم.

ووفق صحيفة واشنطن بوست الأميركية، فإن الجيش يسيطر على 60% من اقتصاد البلاد، بينما يقدر الرئيس عبد الفتاح السيسي الأنشطة الاقتصادية للقوات المسلحة ما بين 1 و1.5% من الناتج المحلي الإجمالي للبلاد (1.1 تريليون جنيه تقريبا وفق تقديرات رسمية).

"خليها تصدّي"
رغم انتشار الحملة مؤخرا وتفاعل وسائل الإعلام معها، فإن بدايتها تعود إلى أكتوبر/تشرين الأول 2015 بسبب ارتفاع أسعار السيارات، وتزايدت وتيرتها نهاية 2016 بعد قرار تعويم الجنيه، الذي أدى إلى هبوط العملة المصرية، مما أثر على ارتفاع السلع المستوردة بشكل لافت، وهو القرار الذي يقول رجال الأعمال إنه السبب الرئيسي وراء ارتفاع الأسعار، وليس الاحتكار أو الاستغلال من جانب التجار.

واشتعلت الحملة في الأيام السابقة بعد قرار الحكومة المصرية تخفيض الجمارك على السيارات ذات المنشأ الأوروبي، وهو ما يعني انخفاض أسعار هذه السيارات، إلا أن نشطاء الحملة يتهمون المستوردين بالتحايل على القرار للاحتفاظ بهامش ربح كبير.

التفاعل الكبير مع الحملة دفع بعض المسؤولين إلى توجيه أصابع الاتهام إلى القائمين عليها، بأنهم يريدون تعطيل عجلة التنمية، حيث قال رئيس شعبة وكلاء وموزعي السيارات باتحاد الغرف التجارية نور الدين درويش إن هناك من يقف وراء حملة "خليها تصدي.. زيرو جمارك" بهدف ضرب الاقتصاد الوطني، الذي تُعد السيارات فيه عنصرا أساسيا.

وهو ما نفاه مؤسس الحملة المهندس أحمد عبد المعز، مؤكدا أن الحملة لا تهدف إلى تعطيل الاقتصاد القومي، ولكنها تسعى لمواجهة ارتفاع أسعار السيارات واستغلال وجشع التجار، موضحا أن هناك زيادة تصل إلى 15ـ 20% في أسعار السيارات رغم قرار إلغاء الجمارك على السيارات الأوروبية.

تجارة السيارات في مصر
يصل حجم استثمارات قطاع السيارات نحو 7% من إجمالي الاقتصاد المصري، بالإضافة إلى أن عائد خزينة الدولة من الضرائب وجمارك الخاصة بقطاع السيارات يتراوح بين 30 و40 مليار جنيه سنويا، بينما وصلت مبيعات السيارات في مصر إلى 30 مليار جنيه خلال 2017، وفق تقديرات رسمية.

وتحتل مصر المرتبة الـ134 عالميا في امتلاك مواطنيها للسيارات بواقع 48 سيارة لكل ألف مواطن، وذلك وفق تقديرات متخصصين.

وفي 25 يونيو/حزيران 2001، وقعت مصر مع الاتحاد الأوروبي اتفاقية شراكة تقضي بإنشاء منطقة تجارة حرة تدريجيا خلال فترة انتقالية لا تتجاوز 12 عاما. ودخلت الاتفاقية حيز التنفيذ عام 2004 بعد مصادقة مجلس النواب المصري والبرلمان الأوروبي وبرلمانات الدول الأعضاء في الاتحاد الأوروبي عليها.

ونصت الاتفاقية على أن تبدأ مصر خفض الرسوم الجمركية على السيارات الأوروبية بنسبة 10% سنويا بعد مرور ست سنوات على بدء نفاذ الاتفاقية، أي بداية من العام 2010، على أن تلغى كليًّا مطلع العام 2019.

المصدر : الجزيرة + مواقع التواصل الاجتماعي