لبنان.. تصاعد المخاوف المالية وتحذيرات من الأسوأ

اللبنانيون توحدوا بمطالبهم والسياسيون انقسموا بموافقهم
اللبنانيون نزلوا إلى الشوارع منددين بالحكومة وبالطبقة السياسية والتوجهات الاقتصادية (الجزيرة)

وسيم الزهيري-بيروت

لا خلاف في لبنان على خطورة المأزق المالي الاقتصادي والاجتماعي الذي ترزح تحته البلاد، فصرخة القطاعات الإنتاجية ترتفع بالتوازي مع ازدياد حالة الغليان في الشارع.

هذا الوضع المعيشي المتأزم بالإضافة إلى انتشار الفساد والفقر والبطالة وتردي الخدمات وازدياد الدين العام دفع جهات محلية وخارجية إلى التحذير من انهيار اقتصادي ومالي يدخل البلاد في المجهول.

وإزاء هذا الواقع وفي ظل ارتفاع سعر صرف الدولار أمام الليرة اللبنانية في الأسواق مؤخرا، وعلى وقع نزول مئات آلاف اللبنانيين إلى الشوارع في معظم المناطق منددين بالحكومة وبالطبقة السياسية والتوجهات الاقتصادية المعتمدة ثمة مخاوف من احتمال تخفيض قيمة العملة المحلية، أو تخلف الدولة عن سداد الديون في غضون أشهر ما لم يحصل لبنان على دعم مالي من الخارج.

ويرى الخبير الاقتصادي إيلي يشوعي أن لبنان أصبح أمام حائط مسدود من الناحية الاقتصادية، مشيرا إلى أن العملة المحلية قد تنهار، وقد يتم التوقف عن دفع الديون ما لم يتم تدارك الأمور وتشكيل حكومة من اختصاصيين.

ورأى يشوعي أن تداعيات خفض العملة -إن حصل- تتجلى في ارتفاع الأسعار وزيادة الغضب الشعبي في كل المناطق، لافتا إلى أن لبنان لن يحصل بسرعة على عملات صعبة، سواء في إطار برنامج "مؤتمر سيدر" للدول المانحة لدعم لبنان، أم عبر اقتراض خارجي نظرا لظروف البلاد المالية وتصنيفاتها السلبية وفقدان الثقة بالطبقة السياسية.

هناك مخاوف من احتمال تخفيض قيمة العملة اللبنانية إزاء الوضع الاقتصادي في البلاد (رويترز)
هناك مخاوف من احتمال تخفيض قيمة العملة اللبنانية إزاء الوضع الاقتصادي في البلاد (رويترز)

غياب الاقتصاد المتين
وبشأن طبيعة الأزمة الاقتصادية والمالية، قال يشوعي إن كل الإنفاق الرسمي والاقتراض والاستدانة منذ أوائل تسعينيات القرن الماضي لم يؤمن البنى التحتية الضرورية التي تحتاجها البلاد من أجل تشجيع الاستثمار وبناء اقتصاد متين.

وأضاف أن لبنان لم يتمكن من بناء اقتصاد بحجم الديون المتراكمة، مما أفقده القدرة على تأمين مصادر ثابتة للعملة الصعبة.

وأوضح يشوعي أن الاستثمارات العربية شكلت سابقا ما بين أربعة وخمسة مليارات دولار سنويا، كما أن تحويلات اللبنانيين في الخارج كانت بحدود التسعة مليارات دولار، عدا عن إتاحة باب الاقتراض الخارجي.

وقال إن هذه الظروف المواتية حجبت الأخطاء والمشكلات الداخلية، لكنه لفت إلى أن تبدل الأمور منذ العام 2011 بعد الأحداث، والحروب في بعض دول المنطقة، إضافة إلى تقلبات أسعار النفط جعلت تأمين عملات أجنبية أمرا صعبا.

واعتبر يشوعي أن حجم الدين، والحاجة إلى تمويله، إضافة إلى الهدر والسرقات وخروج الرساميل جعلت احتياط المصرف المركزي يتراجع بشكل دراماتيكي.

وبعد عجز في موازنة العام 2018 بنسبة 11.4% توقعت وزارة المالية اللبنانية انخفاض العجز في موازنة 2019 إلى قرابة 7%، في حين رأى صندوق النقد الدولي أن العجز الإجمالي للموازنة سيصل إلى ما يقارب 10%.

‪الإنفاق الرسمي والاقتراض لم يؤمنا البنى التحتية الأساسية في البلاد‬  (رويترز)
‪الإنفاق الرسمي والاقتراض لم يؤمنا البنى التحتية الأساسية في البلاد‬  (رويترز)

لا توقف عن تسديد الديون
ويقول الخبير الاقتصادي زياد نصر الدين إن لبنان لن يتوقف عن سداد ديونه لأنه تحضر لتسديد الأقساط المقبلة، مؤكدا أن هناك قرارا داخليا للمباشرة بالإصلاحات.

ورأى نصر الدين للجزيرة نت أن التوقف عن تسديد الديون الخارجية يعني انتهاء البلد، ولفت إلى أن المصارف اللبنانية تمتلك ودائع بقيمة مئتي مليار دولار، وقد أبدت استعدادها قبل عامين للدخول بمساهمة كبيرة.

وأوضح أن نسبة البطالة وصلت إلى 45% بسبب السياسات الاقتصادية المتبعة، وأن نسبة الدين العام قاربت 90 مليار دولار، وأن لبنان يستورد بقيمة عشرين مليار دولار، في حين تبلغ نسبة التصدير قرابة الملياري دولار.

ورأى نصر الدين أن الجميع يعلم أن أي خلل بالتزامات لبنان وأي تغيير بسعر الصرف سيؤديان إلى انتهاء دور المصارف التي تحاول النأي بنفسها عن الأزمة الاقتصادية، بحسب تعبيره.

وقال إن هذه المصارف تتحمل جزءا مهما من المسؤولية، ويجب أن تلعب دورا لإنقاذ الوضع، مشيرا إلى أنها حققت أرباحا بقيمة 22 مليار دولار منذ العام 1992.

المصدر : الجزيرة