ثروات بالخارج ومواطن مغلوب.. أرقام عن الفقر بالدول العربية

الفقر
انعدام سياسة التقارب بين الطبقات في الدخل أسهم في انتشار الفقر في الدول العربية (رويترز)

عبد الحافظ الصاوي 

لدى العرب تراث ثري في ذم الفقر، والثورة عليه، والعمل على توفير حياة كريمة تليق بالإنسان، وعلى رأسها استعاذة النبي محمد صلى الله عليه وسلم من الفقر، ومقولة الصحابي أبي ذر الغفاري "عجبت لمن لم يجد قوت يومه، ألّا يخرج على الناس شاهرًا سيفه.

لكن مع الدولة القُطْرية، وادعاء الوحدة العربية، بدأ الفقر يتسلل لحياة الشعوب العربية، خاصة مع بداية العقد الثاني من الألفية الثالثة.

وعنيت الأمم المتحدة بقضية الفقر، وأولتها اهتماما خاصا، حيث جاء القضاء على الفقر ضمن أهدافها التي تسعى لتحقيقها في الألفية الثالثة، وجعلت يوم 17 أكتوبر/تشرين الأول من كل عام يوما تحتفي فيه بالقضاء على الفقر، وجعلت موضوع احتفائها عام 2019 معنيا بالعمل على "تمكين الأطفال وأسرهم ومجتمعاتهم" في سبيل القضاء على الفقر.

ولا زال الحديث عن توصيف الظواهر الاقتصادية والاجتماعية عربيا تحكمه مقولة الاقتصادي القومي الراحل الدكتور رمزي زكي "لا يوجد اقتصاد عربي، ولكن توجد اقتصادات عربية"، بسبب غياب الوحدة الاقتصادية العربية، وبالتالي من الصعب الحديث عن معالجات عربية لتفاقم قضية الفقر في العالم العربي، الذي أصبح جزرا منعزلة، في كل شيء، والأدهى أن بعض الدول العربية في طريقها للتجزئة لتعمق ظاهرة الجزر المنعزلة على الصعيد الوطني.

الحروب والنزاعات السياسية من أهم أسباب الفقر في العالم العربي (رويترز)
الحروب والنزاعات السياسية من أهم أسباب الفقر في العالم العربي (رويترز)

واقع الفقر عربيا
يذهب التقرير الاقتصادي العربي الموحد لعام 2018 إلى أن نسب الفقر بالدول العربية تتراوح بين 4.8% بالمغرب و48% في اليمن.

ويؤكد كذلك أن الأحداث التي شهدتها المنطقة من حروب أهليه أدت إلى تزايد نسبة الفقر إلى أكثر من 50% من السكان في كل من سوريا واليمن.

وإذا كان الفقر بدت ملامحه وتركزت دراساته سابقا على الدول غير النفطية، فإن الجديد ما أدت إليه أزمة انهيار أسعار النفط، وكذلك حرب اليمن التي قادت فيها السعودية تحالفا ضد الحوثيين، وكان من نتيجة ذلك أن تأثر الاقتصاد السعودي، وبدت مظاهر الفقر في السعودية، حيث تقدم 63% من السعوديين للحصول على دعم "صندوق المواطن"، وهو صندوق أنشأته الحكومة عام 2017، لمعالجة الآثار السلبية اجتماعيا للإجراءات التقشفية التي نفذتها.

ومصر التي تمثل نحو 25% من السكان العرب، يتزايد فيها الفقر بمعدلات مخيفة، خاصة بعدما أظهرت إحصاءات رسمية أعلنت في يوليو/تموز 2019 أن نسبة الفقر بين سكان مصر بلغت 32.7%، فضلا عن آخرين معرضين للسقوط تحت خط الفقر، بسبب السياسات الاقتصادية التي تمارس منذ نحو ست سنوات، واتجاه الحكومة لتبديد الموارد التي تأتي من الديون في مشروعات غير تنموية.

ويرصد تقرير عام 2017 ظاهرة الفقر متعدد الأبعاد في عشر دول عربية، لا تضم دول الخليج الست، وخلص إلى أن 41% من الأسر بهذه الدول يعانون من الفقر متعدد الأبعاد، وأن 14% من سكان هذه الدول يعانون من الفقر المدقع.

ماذا عن الأطفال؟
أما عن أطفال هذه الدول (أقل من 18 عاما) فيذهب التقرير إلى أن 44% من أطفال الدول العربية العشر يعانون من الفقر متعدد الأبعاد، وأن 25% من هؤلاء الأطفال يعانون من الفقر المدقع.

وتعكس هذه النتائج أمرين مهمين: تراجع التنمية في المنطقة العربية، ومعاناة الأجيال القادمة من الفقر، إذا استمرت الأحوال على ما هي عليه، من تراجع تنموي ونزاعات مسلحة.

إذا استمرت الأحوال كما هي عليه ستعاني الأجيال القادمة أيضا من الفقر (مواقع التواصل)
إذا استمرت الأحوال كما هي عليه ستعاني الأجيال القادمة أيضا من الفقر (مواقع التواصل)

لماذا يفتقر العرب؟
تتعدد أسباب الفقر وتزايده بالمنطقة العربية، ومنها افتقاد الدول العربية لمشروعات تنموية على مدار العقود الماضية، مما جعلها في مصاف الدول النامية منذ استقلالها، فضلا عن غياب الديمقراطية كنظام يتسم بالمحاسبة والمراقبة من قبل الشعب والمؤسسات الرقابية؛ فقد عانت -ولا تزال- الشعوب العربية من ديكتاتوريات النظم الملكية والجمهورية.

وتعد حالة النزاعات المسلحة داخل بعض البلدان العربية، وحالة عدم الاستقرار السياسي لدى البعض الآخر، من العوامل التي أسهمت بشكل كبير في اتساع رقعة الفقر خلال سنوات العقد الثاني من الألفية الثالثة؛ فالبنية التحتية التي هدمت نتيجة هذه الحروب، وهؤلاء المشردون داخل أوطانهم، أو المهجرون خارجها، هم عماد شريحة الفقراء حاليا في المنطقة العربية.

وكان لإغفال الحكومات العربية الاهتمام بالتعليم أثر كبير في تكريس الفقر، فلم تنتج الدول العربية التكنولوجيا، بسبب تخلف المناهج والنظم التعليمية بها، مما أضاع على الشعوب العربية الاستفادة من معطيات العولمة، كما فعلت الدول الصاعدة، وأصبحت المنطقة العربية سوقا كبيرا للسلع التكنولوجية، فضلا عن باقي السلع التقليدية.

ورغم أن الدول العربية حصلت على وفورات مالية كبيرة عبر الطفرات النفطية، فإن أغلب استثمارات الدول النفطية العربية اتجهت لدول غير عربية، وحتى آخر البيانات المنشورة عن أرصدة الصناديق السيادية النفطية تفيد بوجود أصول رأسمالية لديها بنحو 2.8 تريليون دولار، ومع ذلك تتسابق الدول النفطية في الاقتراض الخارجي، حتى أن أكبر شركة للنفط في العالم "أرامكو" ستطرح حصة من أصولها الرأسمالية للبيع في أسواق المال الدولية.

غياب العدالة في توزيع الثروات
من أكبر أسباب شيوع الفقر في المنطقة العربية غياب عدالة توزيع الثروة، سواء في الدول النفطية أو غير النفطية، فلا تعرف الدول العربية سياسة التقارب بين الطبقات في الدخل، أو العمل على اتساع شريحة الطبقة المتوسطة، باعتبارها صلب النسيج الاجتماعي في أي مجتمع.

كما لا تعرف الدول العربية وجود سياسات للأجور العادلة، أو الحماية الاجتماعية للعمال، أو ارتباط الأجور بالأسعار، واستيفاء العمال حقوقهم في حياة كريمة، وفق ما جاء في الإعلان العالمي لحقوق الإنسان؛ لذلك تسود سوق العمل غير الرسمية في البلدان العربية، ويترتب عليها المزيد من انتشار الفقر.

‪الدول العربية لا تعرف سياسة الحماية الاجتماعية للعمال‬ (رويترز)
‪الدول العربية لا تعرف سياسة الحماية الاجتماعية للعمال‬ (رويترز)

السبيل للقضاء على الفقر
ثمة أهمية كبرى لصناعة الوعي لمحاربة الفقر عبر برامج التعليم والإعلام والمؤسسات الدينية، ولكن لا بد أن يصاحب ذلك ويسبقه وقف النزاعات المسلحة، وتبني نظم سياسية ديمقراطية تسمح بالرقابة والمحاسبة، وتكون هناك برامج تنموية حقيقية، ترتبط بجداول زمنية، لتتيح فرص العمل، وتزيد من تحسن دخول الأفراد وتعمل على زيادة الاعتماد على الإنتاج المحلي.

ولعل من أفضل ما ينتج عن وجود نظم ديمقراطية عربية، أن يسمح للفقراء بالمشاركة في الحكم عبر نظام اللامركزية في الإدارة المحلية، ليعبر الفقراء عن احتياجاتهم، ويديرون مواردهم، بما يؤدي إلى تحسين أوضاعهم، وخروجهم من دائرة الفقر.

كما أنه من واجب الوقت أن تعود الاستثمارات العربية للمنطقة، وأن يؤمن لها تواجدها والحفاظ على أصولها، فهي ليست كلأ مباحا، مع توفر البيئات المناسبة لبقائها وتنميتها، وليكون عائدها محفوظا لأصحابها، وليس محلا لأطماع حكام أو مديري أعمال غير أكفاء.

ولا بد أن يكون لإصلاح برامج التعليم في المنطقة العربية نصيب في معالجة قضية الفقر، فتتوقف مؤسسة التعليم عن تخريج عاطلين لا يحسنون التعامل مع سوق العمل، أو لديها ثقافة سلبية تجاه العمل كقيمة، وأن تعتمد نظم التعليم برامج يغلب عليها التدريب العملي والمهني، من أجل توفير اليد العاملة.

ختاما، نتمنى أن يأتي العام القادم وقد نجح العرب في مكافحة الفقر.

المصدر : الجزيرة