كيف عزز التخبط الأميركي حضور روسيا بأسواق الطاقة العالمية؟

نفط روسيا
صادرات الغاز الروسي زادت نحو أوروبا لتحقق أرقاما قياسية (رويترز)

أدت سياسة السلطات الأميركية عن غير قصد إلى تعزيز الاقتصاد الروسي، خاصة فيما يتعلق بقطاع الطاقة.

وفي تقرير بصحيفة "سفابودنايا براسا" الروسية، قال ديميتري راديونوف، إن الحرب التجارية بين الصين والولايات المتحدة ساهمت في تعزيز موقع الطاقة الروسية في السوق الصينية. فبعد رفض بكين التعريفات المتبادلة على المنتجات الأميركية والغاز الطبيعي المسال، بدأت شركات الطاقة الصينية بشراء أسهم في مشاريع الغاز الطبيعي المسال الروسي في القطب الشمالي.

وأشار الكاتب إلى أن موسكو أصبحت أكبر شريك لبكين في قطاع النفط عام 2016، لتتجاوز بذلك السعودية.

وبعد إطلاق خط أنابيب "باور أوف سيبيريا" للغاز الذي بمقتضاه سيتم توفير 38 مليار متر مكعب من الغاز للصين، ستحتل الصين المرتبة الثانية من حيث استيراد منتجات الطاقة الروسية.

وعلى الرغم من تدهور العلاقات المرتبطة بالصراع داخل أوكرانيا بين روسيا وأوروبا، فإن موسكو تحتفظ بمركز قوي في القارة العجوز.

وبحسب أرقام عام 2018، زادت صادرات الغاز الروسي نحو أوروبا لتحقق أرقاما قياسية، وبعد تشغيل مشروعي "نورد ستريم-2" والتيار التركي، ستبيع موسكو 86.5 مليار متر مكعب إضافية من الغاز، وفق ما يذكر التقرير الروسي.

سياسة ترامب
نقل الكاتب عن الخبير والصحفي الروسي ديمتري غالكين تأكيده أنه بفضل العقوبات الأميركية على فنزويلا أصبحت شركة روسنفت الروسية المشتري الرئيسي للنفط الفنزويلي، كما أن الشركة الروسية أصبحت قادرة على تقديم قروض لفنزويلا من أجل إنتاج النفط وفقا للشروط الملائمة لها.

وعلى الرغم من ذلك، لا يجزم بأن الاقتصاد الروسي سيستفيد من السياسة الأميركية بشكل عام، وفي المقابل، فإن الشركات الروسية المرتبطة ارتباطا وثيقا بالدولة هي المستفيدة الرئيسية، وفق الكاتب.

وتوجه الكاتب بسؤال "هل يعني ذلك أن الولايات المتحدة لم تحسب حساب هذه العواقب؟"، ليجيب ديمتري غالكين بأن إدارة ترامب تنتهج سياسة غير متناسقة للغاية، كما تنجذب بسهولة نحو النزاعات الدولية، وتستخدم العقوبات وسيلةً رئيسية للتأثير على خصومها.

ومن الواضح -من وجهة نظر الكاتب- أن "إدارة ترامب من الناحية النظرية غير قادرة على التنبؤ بتبعات قرارتها حتى على المدى القصير".

عقوبات داعمة
وأشار الكاتب إلى أن إحدى الخطوات السياسية التي تعتمد عليها الولايات المتحدة هي عقوباتها ضد فنزويلا وإيران، ونتيجة لهذه العقوبات تحوّل العملاء السابقون لكراكاس وطهران إلى النفط الروسي.

ويبرز سؤال آخر -يضيف الكاتب- حول ما إذا كان هؤلاء الشركاء السابقون لكراكاس وطهران قد تحولوا إلى عملاء دائمين لروسيا، أم أنهم سيعودون للتعامل مع فنزويلا وإيران فور رفع العقوبات الأميركية عليهما.

وفي هذا الصدد، أوضح الخبير غالكين أنه فيما يتعلق بتركيا والهند من الصعب تحديد مدى استعدادهما لمواصلة التعامل مع روسيا بعد رفع العقوبات الأميركية عن إيران وفنزويلا، أما الهند فإنها على وشك استئناف عمليات شراء النفط الفنزويلي رغم العقوبات الأميركية.

وتساءل الكاتب حول الحرب التجارية بين الولايات المتحدة والصين إن كانت قد عززت العلاقات الروسية الصينية، ليجيبه الخبير الروسي بأنه لا يمكن اعتبار مواقف الصين تجاه الولايات المتحدة حربا تجارية بقدر ما تعتبر رغبة في ضمان الأمن الطاقي وتعزيز وجودها في القطب الشمالي. 

وأكد الخبير الروسي أن تطبيق الإدارة الأميركية للعقوبات ضد إيران أدى إلى زيادة التوتر في الخليج العربي لتبدأ الصين في اختيار طرق أكثر أمانا، مشيرا إلى أن إدارة ترامب فشلت في تقديم أي بديل للمستهلكين الأوروبيين، وفق التقرير.

‪موسكو أصبحت أكبر شريك لبكين في قطاع النفط‬ (رويترز)
‪موسكو أصبحت أكبر شريك لبكين في قطاع النفط‬ (رويترز)

تعزيز الاقتصاد الروسي
فيما يتعلق بتعزيز الاقتصاد الروسي، أوضح الخبير ديمتري غالكين أن العقوبات الأميركية تهدف إلى حرمان روسيا من التكنولوجيا والموارد المالية الغربية، لذلك فإن الفوائد التي تتلقاها الشركات الروسية من سياسة ترامب غير المتسقة قد تساعد في مواجهة المشاكل المالية، إلا أنها لن تنجح في حل مشاكل التخلف التكنولوجي الروسي.

وأكد الكاتب أنه وفقا لنائب مدير المعهد الوطني لتطوير الأيديولوجيا الحديثة إيغور شاتروف، فإن سياسة الإدارة الأميركية والعقوبات ضد روسيا أدت إلى تباطؤ النمو الاقتصادي، إلا أنها لم تدفع روسيا نحو الوراء، وفي الحقيقة فإنه بحسب بيانات عام 2014 شهدت روسيا تقدما في مجالات عديدة مثل الصناعات الفردية والزراعة وغيرها.

وعن مدى إمكانية اعتبار سياسة ترامب عاملا من عوامل تعزيز الاقتصاد الروسي، أوضح أنه لا يمكن للولايات المتحدة أن تهدد روسيا بشكل خطير إلا من خلال فرض عقوبات على السوق المالية مستفيدة من احتكار الدولار كعملة احتياطية عالمية، لكن سحب روسيا من الاقتصاد العالمي، مثلما حدث مع إيران، يعتبر مستحيلا، وذلك بفضل الموقع القوي الذي تحتله روسيا في عدد من الصناعات، أهمها الغاز والنفط. 

موسكو تعرقل تطلعات واشنطن سياسيا وعسكريا (رويترز)
موسكو تعرقل تطلعات واشنطن سياسيا وعسكريا (رويترز)

وتوجه الكاتب للخبير مستفسرا إن كانت الفوائد التي حصلت عليها روسيا نتيجة سياسة ترامب تجاه الصين وإيران وفنزويلا، هي مجرد تبعات جانبية طفيفة للولايات المتحدة، ليرد بالقول "يبدو أنه تمت الاستهانة بروسيا، ويعود ذلك إلى رداءة تحليل الواقع الروسي بسبب قلة المختصين في الشأن الروسي في الإدارات الأميركية، إلى جانب تقدير الساسة الأميركيين بشكل مبالغ فيه". 

وأضاف أنه يصعب شرح كيفية دفع الإدارة الأميركية بالصين إلى أحضان روسيا بكل بساطة، بالإضافة إلى توتر العلاقات الأميركية الأوروبية الذي عزز مكانة روسيا في مجال الطاقة في القارة الأوروبية من خلال مشروع "نورد ستريم-2″، علاوة على السماح ببيع أس 400 إلى تركيا وتعزيز العلاقات الروسية التركية وظهور تحالف روسي تركي إيراني حول المسألة السورية.

هل هو غباء أميركي؟
أضاف الخبير "في الحقيقة، كل ذلك إما غباء ونتيجة عدم اتساق في إدارة ترامب، وإما أن ترامب هو في حقيقة الأمر صديق لروسيا".

أما بالنسبة لضعف الاقتصاد الروسي بالنسبة للولايات المتحدة، فيؤكد الخبير إيغور شاتروف أن الأهم بالنسبة للولايات المتحدة هو الحفاظ على هيمنتها والاستغلال الوحشي لبقية العالم، مما سيسمح لواشنطن بتوفير مستوى معيشة جيد بالنسبة للمواطنين وثراء النخبة، بحسب تقرير الصحيفة الروسية.

من جهتها، تعرقل موسكو تطلعات واشنطن سياسيا وعسكريا، كما تعتبر روسيا منافسا قويا للولايات المتحدة سواء من الناحية الكمية أو النوعية.

واستفسر الكاتب الخبير الروسي "هل من الممكن القول إنه بعد انتهاء الحرب التجارية مع الصين ورفع العقوبات عن إيران وفنزويلا، أن يظل عملاؤهم السابقون عملاء حاليين لروسيا؟".

وفي هذا الشأن أجاب الخبير أنه لا يوجد شيء دائم في المجال الاقتصادي، وفي حال عدم وجود عقوبات أو سياسة غير متسقة من قبل الإدارة الأميركية، فإنه على روسيا التوصل إلى حلول ناجعة لتعزيز اقتصادها. وأضاف أنه في الوقت الحالي تفتقر روسيا إلى قاعدة اقتصادية قوية، لذلك لا يمكن اعتبارها قطبا اقتصاديا مكتملا.

المصدر : الصحافة الروسية