النصب العقاري يلتهم مدخرات آلاف الكويتيين

صورة عامة
عمليات النصب العقاري التي يتعرض لها مواطنون تتزايد داخل وخارج الكويت (الجزيرة نت)

محمود الكفراوي-الكويت

أرادت مساعدة ابنتها وزوجها في مشروعهما المستقبلي وهو عبارة عن شراء شاليه في أحد المنتجعات الكويتية للاستفادة من ريعه، إلا أنها وجدت نفسها ضحية لعملية نصب عقاري من إحدى الشركات.
 
كان على السيدة منى البغلي اقتراض جزء من تكلفة شراء الشاليه البالغ إجماليها 55 ألف دينار كويتي (180 ألف دولار)، على أمل أن يتسلم أفراد عائلتها المبنى بعد أربعة أشهر من الشراء تمهيدا للبدء في سداد الدين الخاص بها والقرض الآخر الذي قام زوج ابنتها بالحصول عليه من أحد البنوك.

وقالت البغلي للجزيرة نت إن أسرة ابنتها انتظرت عاما دون أن تتم عملية الاستلام، وخلال تلك الفترة كان زوجها يسحب من بطاقة الائتمان "فيزا" لسد الالتزامات الخاصة بالقرض. ومع مرور الوقت دبت الخلافات بين الأسرة لضيق ذات اليد ولجأت ابنتها للإقامة معها بعد أن أصبحت على وشك الطلاق.

للمرة الثانية تدخلت الأم في الأزمة عبر توفير جزء من معاشها التقاعدي لسداد قرض صهرها قبل أن تقرر نيابة عن الأسرة مقاضاة الشركة العقارية وإعلان تكوين تجمع باسم المتضررين تحت اسم "اتحاد متضرري النصب العقاري"، وهو التجمع الذي انضم له عشرات الضحايا خلال فترة وجيزة.

وتشكل المعاناة السابقة جزءا مما تعيشه آلاف الأسر الكويتية خلال السنوات الأخيرة، نتيجة تزايد عمليات النصب العقاري التي تعرض لها مواطنون داخل وخارج الكويت.

منى البغلي وجدت نفسها جزءا من عملية نصب عقاري من إحدى الشركات (الجزيرة نت)
منى البغلي وجدت نفسها جزءا من عملية نصب عقاري من إحدى الشركات (الجزيرة نت)

عمليات الاحتيال
وفي تصريح سابق قال رئيس مجلس الأمة مرزوق الغانم إنه اطلع على حجم عمليات الاحتيال وغسل الأموال التي تعرض لها ضحايا النصب العقاري، وأن ما تم حصره من مبالغ جرى الاستيلاء عليها خلال السنوات الخمس الأخيرة يفوق المليار دينار "3.3 مليارات دولار".

معاناة أشد من سابقتها عاشها المسن على حمود السيف (71عاما)، الذي دفعته الثقة في إحدى الشركات المملوكة لقريب له إلى شراء عقارات في ثلاث أماكن مختلفة كانت نتيجتها فقدان أكثر من مليون دينار (3.3 ملايين دولار)، هي كل مدخراته طوال حياته التي أمضى منها 30 عاما موظفا بأحد البنوك.

الفصل الأول من قصة الرجل تضمن دفعه مبلغ 335 ألف دينار لشراء 10 غرف فندقية ضمن سكن طلابي في مدينة لندن مقابل حصوله على 35 ألف دينار عائد سنوي.

بعد شهرين من تلك الخطوة قدمت الشركة للرجل هدية عبارة عن سيارة، مما دفعه للمشاركة في مشروع آخر في مدينة صلالة العمانية بتكلفة 500 ألف دينار، ومنها إلى مشروع ثالث داخل الكويت اشترى خلاله عقار بمبلغ 300 ألف دينار أخرى نظير عائد شهري قدره 12%، قبل أن يكتشف تعرضه لعملية نصب كبرى من قبل تلك الشركة ويلجأ للقضاء.

ما حدث مع محمد عثمان كان شكلا آخر من التلاعب، فبعد قيامه باستثمار مكافأة نهاية الخدمة التي حصل عليها من إحدى شركات النفط، إضافة إلى مدخراته الأخرى لشراء شاليه داخل الكويت قامت الشركة بتسليمه إياه بالفعل لكن من دون وثيقة تملك.

على السيف دفعته الثقة في إحدى الشركات المملوكة لقريب له إلى شراء عقارات في ثلاث أماكن مختلفة (الجزيرة نت)
على السيف دفعته الثقة في إحدى الشركات المملوكة لقريب له إلى شراء عقارات في ثلاث أماكن مختلفة (الجزيرة نت)

طرح الأرض
بعد فترة من استخدام الشاليه البالغ ثمنه 110 آلاف دينار استيقظ الرجل على خبر طرح الأرض المقام عليها المشروع بالكامل في مزاد علني كونها مرهونة لأحد البنوك.

وخلال سبتمبر/أيلول الماضي أعلنت وزارة التجارة والصناعة في الكويت إحالة 449 شكوى تتعلق بشبهات نصب عقاري إلى النيابة العامة مؤكدة متابعتها الملف مع جهات التحقيق.

وقالت الوزارة في بيان إنها أصدرت قرارات لمحاربة النصب العقاري، منها منع الشركات والمؤسسات المشاركة بالمعارض العقارية من القيام بصفقات بيع أو إبرام عقود أو تقاضى مقابل مالي تحت أي اسم أثناء فعاليات المعرض، كما منعت الشركات المشاركة أو العارضة من تسويق عقارات أو مشاريع بعوائد مضمونه أو بمضمون استثماري.

ومن بين الإجراءات كذلك منع عرض العقارات بنظام بيع الوحدات أو اقتسام الوقت "التايم شير"، ومنح موظفين صفة الضبطية القضائية لمواجهة المخالفات.

وبينما تشير تقديرات الصحف المحلية إلى تعرض نحو 11 ألف مواطن لعمليات نصب عقاري داخل وخارج الكويت، قال مصدر مطلع في قطاع شؤون المستهلكين بوزارة التجارة والصناعة للجزيرة نت، إن الوزارة تلقت 8900 شكوى مختلفة جراء عمليات نصب تعرض لها مواطنون داخل الكويت أو في بلدان خارجية أبرزها المملكة المتحدة وتركيا ولبنان والإمارات ومصر.

دراسة مستفيضة
وأوضح المصدر الذي طلب عدم ذكر اسمه أنه تمت إحالة نحو 10 % من تلك الشكاوى إلى النيابة التجارية، مرجعا محدودية النسبة إلى تشعب أغلب الشكاوى وحاجتها للدراسة المستفيضة قبل الإحالة إلى النيابة.

ولم تقف معاناة الضحايا عند حدود النصب العقاري إذ تعرض بعضهم للتلاعب من قبل المحامين، فبحسب رواية إحدى الأسر كان المحامي سببا في تأخير أمد التقاضي ومراوغة الموكلين حتى فوجئت الأسرة بصدور حكم سجن بحقه لدوره في سرقة ملف إحدى أكبر قضايا النصب العقاري المنظورة أمام القضاء.

ويحمل الضحايا وزارة التجارة والصناعة المسؤولية الكبرى عما تعرضوا له من عمليات نصب، كونها الجهة صاحبة الترخيص للمعارض إضافة إلى تأخرها الكبير في التعامل مع الأزمة.

بدوره أكد المحامي والقاضي السابق الدكتور محمد منور أن الأسواق الخليجية مطمع للكثير، لذلك تزداد فيها عمليات النصب العقاري في ظل اندفاع بعض المواطنين خلف الإعلانات المغرية.

ويسهم غياب الثقافة القانونية اللازمة في سهولة تحقيق تلك الشركات لغرضها، فمن بين الضحايا من اكتفى بمجرد الحصول على أوراق تثبت ملكيته دون التأكد من صحة امتلاك الشركة نفسها للعقار المعلن من عدمه، وما إذا كانت الأرض مسموحا بالبناء عليها ونوعية العقار المرخص ببنائه، سواء كان سكنا خاصا أو استثماريا.

المصدر : الجزيرة