ضربة ترامب الجديدة لأوروبا

"ضربة" ترامب الجديدة لأوروبا
يعتبر قرار الإدارة الأميركية فرض تعريفات جمركية على المعادن والفلزات على حلفائها الأوروبيين تتويجًا لعام من الخلافات بين الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي.

وأذعن الأوروبيون بالفعل لمصيرهم، حتى قبل إعلان الولايات المتحدة، يوم الخميس، فرض تعريفة جمركية على الصلب والألومنيوم المستوردين من الاتحاد الأوروبي. فبعد أشهر من الضغط على واشنطن للتنازل الدائم عن هذه التعريفات، تراجع الاتحاد الأوروبي هذا الأسبوع عن توقعاته بحصوله على أي نوع من الإعفاء، بل وحذر أعضاءه من أن عليهم "الاستعداد للأسوأ".

وتوقع الأوروبيون بطرق شتى حدوث هذا الأمر منذ فترة؛ ففي النهاية لا يمثل قرار الرئيس الأميركي دونالد ترامب فرض تعريفة على الصلب والألمنيوم المستوردين من الحلفاء الرئيسيين للولايات المتحدة بنسبة 25 و10% على التوالي، سوى حلقة في سلسلة الضربات الأميركية الأخيرة للتحالف عبر الأطلسي.

ويعتبر القرار أيضا تتويجا لعام من اختلاف السياسات بين حليفين، وجدا نفسيهما على جانبين متعارضين على نحو متزايد، بعدما اعتادا الوقوف معا، كتفًا بكتف.

وبدأ أول هذه الخلافات بين الجانبين منذ عام تحديدا، عندما أعلن ترامب انسحاب الولايات المتحدة من اتفاقية باريس للمناخ.

أما الخلاف الرئيسي الثاني، فجاء بعد أشهر لاحقة، مع إعلان ترامب اعتراف الولايات المتحدة بالقدس عاصمة لإسرائيل، في خطوة مثيرة للجدل مثلت تراجعًا عن عقود من السياسة الخارجية الأميركية، التي كانت تعتبر -حتى ذلك الوقت- القدس مدينة متنازعا عليها بين الإسرائيليين والفلسطينيين.

أكبر خلاف
ووضع هذا القرار الولايات المتحدة على خلاف مع شركائها الأوروبيين، الذين انتقدوا هذه الخطوة وامتنعوا -على نطاق واسع- عن حضور افتتاح السفارة في وقت سابق من هذا الشهر (من أصل 28 دولة في كتلة الاتحاد الأوروبي أرسلت أربع دول فقط سفراءها).

وأخيرا، جاء إعلان الولايات المتحدة انسحابها من الاتفاق النووي الإيراني، وهو ما اُعتبر أكبر خلاف مع التحالف عبر الأطلسي في ظل إدارة ترامب.

ومثلما فعل الاتحاد الأوروبي قبل قرار ترامب إزاء اتفاقية باريس للمناخ وتعريفة الصلب والألمنيوم، بذل الأوروبيون جهودا واسعة لمحاولة إقناع ترامب بعدم الانسحاب من الصفقة مع إيران، وأكد الاتحاد الأوروبي مجددا استمرار نضاله للحفاظ على الصفقة، حتى لو كان ذلك دون واشنطن، وتبنى موقفًا مماثلا إزاء اتفاقية باريس وقرار القدس.

وفي الوقت الذي لا تمثل فيه هذه الانقسامات بين الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي حول المناخ والسياسة الخارجية والتجارة كافة الخلافات، فإنها تُعتبر اتجاهًا استثنائيًا في العلاقات؛ فعلى الرغم من الروابط التاريخية العميقة والتعاون المستمر بينهما في قضايا مثل مكافحة "الإرهاب" والأمن، فإن الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي يجدان نفسيهما الآن عند مفترق طرق، إذ يهتم طرف بـ"أميركا أولًا"، في حين تسير دول أخرى نحو "التعددية".

الحروب التجارية
وقال الاتحاد الأوروبي إنه سيطرح القضية على منظمة التجارة العالمية، ويفرض تعريفاته الانتقامية التي تستهدف السلع الأميركية المستوردة من مناطق الدوائر الانتخابية الرئيسية للكونغرس في الولايات المتحدة مثل "ويسكي بوربون"، ودراجات "هارلي ديفيدسون" النارية.

وقالت المفوضة التجارية بالاتحاد الأوروبي سيسيليا مالمستروم في بيان "خلال هذه المحادثات، سعت الولايات المتحدة لاستخدام التهديد بفرض القيود التجارية كوسيلة للحصول على تنازلات من الاتحاد الأوروبي"، وأضافت أن "هذه ليست الطريقة التي نُنجز بها أعمالنا، لا سيما بين الشركاء والأصدقاء والحلفاء منذ زمن طويل".

ومن غير المرجح أن ينتهي الخلاف عند هذا الحد؛ إذ حذر وزير المالية الفرنسي برونو لومير من أن فرض تعريفة على الصلب والألمنيوم قد يدفع الولايات المتحدة إلى "حرب تجارية مع أقرب شركائها"، في ترديد لتهديد مماثل للرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون، في وقت سابق هذا الأسبوع. وأخبر ماكرون منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية الأربعاء في باريس أن "الحروب التجارية سرعان ما تتحول إلى حرب فعلية".

وتبدو الولايات المتحدة أكثر رغبة في الاستهزاء بتهديد شركائها الأوروبيين؛ إذ تحدث وزير التجارة الأميركي ويلبر روس أيضًا في مؤتمر منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية، في باريس هذا الأسبوع، وقال إن الولايات المتحدة ليست بصدد حرب تجارية، وأضاف "لو حدث تصعيد سيكون بسبب رغبة الاتحاد الأوروبي في الثأر".

ومن المتوقع أن تزداد العلاقات التجارية سوءًا؛ إذ تشير بعض التقارير إلى أن ترامب ينظر في إمكانية فرض حظر على السيارات الألمانية باهظة الثمن، وهو ما من شأنه أن يزيد مقدار الثأر الأوروبي، وقالت شنايدر- بيتينغر "هذه هي المرحلة المقبلة للصراع حول التعريفات والتجارة بين الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي". مشيرة إلى "ضخامة حجم صادرات السيارات والمركبات إلى الولايات المتحدة"، مما يقلل احتمالات رأب هذا الصدع في أي وقت قريب"، على حد تعبيرها.

_________________

 *مساعد محرر في موقع "أتلانتك" بمقره في لندن.

المصدر : الصحافة الأسترالية