مصر.. موجة غلاء جديدة على الأبواب

الحكومة المصرية تستهدف خفض دعم المواد البترولية في البلاد بنحو 26% الصورة خاصة للجزيرة نت
الحكومة المصرية تستهدف خفض دعم المواد البترولية في البلاد بنحو 26% (الجزيرة نت)

عبد الرحمن محمد-القاهرة

ظل عبد الحي واجما وهو ينظر إلى كوب الشاي أثناء جلوسه بالمقهى، متجاهلا حديث أصدقائه الساخر عما تداولته وسائل الإعلام عن قرارات قريبة بموجة جديدة من ارتفاع الأسعار، فربما يتصور أن أحوالهم المعيشية لا يزال بها هامش يتيح لهم قدرا أكبر من التحمل.

يتساءل عبد الحي الذي يعمل في الصباح موظفا إداريا بإحدى الجامعات، ومعاون خدمات في شركة خاصة بعد الظهيرة: ماذا عساه يفعل أكثر ليوفر احتياجات أسرته المكونة من أربعة أبناء وزوجته، فمجموع دخله من العملين لا يتجاوز أربعة آلاف جنيه (330 دولارا) ولا يكاد يفي بالاحتياجات الراهنة، فضلا عما ستفرضه الموجة المتوقعة.

أعيته الحيلة وهو يضرب أخماسا في أسداس، فالزيادة المنتظرة في أسعار المحروقات ستضاعف تكاليف مواصلاته اليومية ومصاريف حافلات أولاده الثلاثة الملتحقين بمراحل تعليمية مختلفة، بينما كان الأمر محسوما بشأن عمل زوجته الذي لم يعد ذا جدوى، فما تحصل عليه من دخل لن يغطي مصاريف تنقلاتها.

وكانت وثيقة حكومية أظهرت أن الحكومة المصرية تستهدف خفض دعم المواد البترولية في البلاد بنحو 26% و47% لدعم الكهرباء في مشروع موازنة السنة المالية المقبلة 2019/2018، وذلك بعد رفع سابق لأسعار المواد البترولية تكرر في فترة زمنية لا تتجاوز العام، آخرها في يونيو/حزيران الماضي، بحسب ما نقلته وكالة رويترز.

وما إن بلغ تفكير عبد الحي حدّ احتياجات زفاف ابنته الكبرى منال، الذي لم يعد يعلم هل سيتم في موعده المحدد أم سيتأجل تحت وطأة الظروف، حتى سارع إلى الاندماج مع حديث أصدقائه الساخر هربا من التمادي في استحضار تداعيات موجة الغلاء المنتظرة، مرجئا انهيارا فضل ألا يكون موعده ساعة أنسه مع أصدقائه. 

الحكومة المصرية تبرر رفع أسعار الطاقة بأن الدعم لا يستفيد منه المواطن المستحق(الجزيرة)
الحكومة المصرية تبرر رفع أسعار الطاقة بأن الدعم لا يستفيد منه المواطن المستحق(الجزيرة)

تبريرات رسمية
وعادة ما تبرر الحكومة المصرية رفع أسعار الطاقة بأن ما كان مفروضا لها من دعم يذهب إلى سيارات السفارات والقنصليات والمدارس الخاصة ورجال الأعمال الكبار، بشكل لا يستفيد منه المواطن المستحق، إلا أنها لا تكشف سياستها التي ستحقق من خلالها تعويضا مقابلا لمستحقي هذا الدعم من محدودي الدخل.

يبدي الخبير الاقتصادي مصطفى عبد السلام تخوفه من تزامن هذه الزيادات المرتقبة في مواد الطاقة مع ارتفاع كلفة الاستيراد نتيجة رفع قيمة الدولار الجمركي في العام المالي القادم، حيث يرى أن ذلك سيؤدي إلى زيادة كبيرة في أسعار السلع المختلفة خلال يوليو/تموز المقبل، وزيادة التضخم وتآكل المدخرات المحلية وضعف القدرة الشرائية للمواطن.

ويؤكد عبد السلام في حديثه للجزيرة نت أن زيادة أسعار مشتقات الوقود ستؤدي إلى ارتفاع كلفة إنتاج الحاصلات الزراعية، وهو ما سيؤدي إلى تضاعف أسعار السلع الغذائية. كما ستدفع هذه الإجراءات البنك المركزي إلى رفع سعر الفائدة لجذب المدخرين نحو حيازة العملة المحلية، وهو ما سينجم عنه تفاقم مشكلة الدين العام المحلي.

في المقابل لا يرى الخبير الاقتصادي أن قيام الحكومة بإجراءات حقيقية مصاحبة لهذه الزيادات سيعمل على حماية الطبقات الفقيرة والمتوسطة، مشيرا إلى أن الزيادة المحدودة الموجهة لدعم السلع التموينية ستلتهمها الزيادات المتوقعة في الأسعار المحلية وكذا أسعار الأغذية والنفط العالمية المتوقع ارتفاعها حسب توقعات منظمتي الفاو وأوبك.

وأظهرت الوثيقة التي اطلعت عليها رويترز عمل الحكومة على زيادة دعم السلع التموينية بنحو 5% في السنة المالية الجديدة؛ إلى 86.175 مليار جنيه (نحو 4.9 مليارات دولار)، يستفيد منها نحو 68.8 مليون مواطن من خلال قرابة 20.8 مليون بطاقة تموين، حيث تخصص الحكومة خمسين جنيها شهريا لكل مواطن مقيد في البطاقات التموينية.

قطاع واسع من المصريين يشكون شظف العيش (الجزيرة)
قطاع واسع من المصريين يشكون شظف العيش (الجزيرة)

إملاءات الصندوق
بدوره، يرى الصحفي الاقتصادي عمرو خليفة أن هذه الزيادات كانت متوقعة في ظل استمرار الحكومة بتنفيذ إملاءات صندوق النقد الدولي القائمة على تقليص الدعم وزيادة الجباية الضريبية بهدف خفض العجز الكلي في الموازنة، مشيرا إلى أنها ستتسبب بموجة غلاء جديدة في أسعار السلع الغذائية وأعمال التشييد والبناء، ووسائل النقل والمواصلات.

ويرى خليفة في حديثه للجزيرة نت أن حالة الركود الاقتصادي التي تعيشها مصر والارتفاعات المتتالية في الأسعار منذ إعلان تحرير سعر صرف العملة المحلية، ستؤثر بشكل كبير على الواقع الاجتماعي والمعيشي للمصريين بشكل غير مسبوق، ولن تخفف الزيادة الضعيفة في نسبة دعم السلع التموينية من حدة هذه الآثار المتوقعة.

ومع ما يراه من أن الحكومة المصرية "مضطرة" لاتخاذ هذه الإجراءات لكونها ضمن تعهداتها الإصلاحية لصندوق النقد الدولي، فإن الخبير الاقتصادي عبد النبي عبد المطلب يتخوف من الارتفاع المتوقع في أسعار السلع والخدمات الناجم عنها وتأثيره على حياة المواطنين.

ويرى عبد المطلب في حديثه للجزيرة نت أن تلويح الحكومة برفع أسعار الخدمات التي تحتكرها كالمياه والكهرباء وبعض المواصلات أمر خطير ويمهد لزيادة أعباء الحياة في مصر، لافتا إلى أن ما تضمنته الوثيقة من زيادة في دعم السلع التموينية تسعى الحكومة من خلاله لإقناع خبراء صندوق النقد باتخاذها إجراءات لحماية محدودي الدخل.

وبحسب الوثيقة المسربة فإن مصر تستهدف نموا اقتصاديا بـ5.8% في العام المالي الجديد مقابل 5.5% في 2018/2017، كما تستهدف عجزا كليا بواقع 8.4% مقابل 9.8% قبل عام.

المصدر : الجزيرة