الأزمات تحاصر موازنة 2019 في السودان.. فكيف تصمد؟

أحمد فضل-الخرطوم

شبح الانهيار يهدد موازنة العام 2019 التي أعلنها معتز موسى رئيس مجلس الوزراء وزير المالية السوداني، مع توقعات بأن تكون أسوأ من موازنة العام الحالي في الاستجابة لحاجات الناس.

لم يجد البروفيسور إبراهيم أونور -الذي ترأس لجنة الاقتصاد ومعاش الناس في الحوار الوطني التي دعا له الرئيس البشير وانتهت أعماله قبل عامين- بدا من أن يصف موازنة 2019 بأنها موازنة أزمة.

ويقول للجزيرة نت إن الموازنة المقبلة أسوأ من سابقتها للعام الحالي، إذ إنها لن تصمد أكثر من ثلاثة أشهر على أفضل تقدير.

وأودع موسى مشروع الموازنة العامة للدولة لعام 2019 منضدة البرلمان أول أمس الأربعاء بإيرادات بلغت 163 مليار جنيه (نحو 3.4 مليارات دولار)، وسط توقعات بعجز بنسبة 3.3%.

ويشير أونور إلى أن الموازنة الجديدة هي لإدارة أزمة اقتصادية حاصلة الآن ويتوقع استمرارها العام المقبل لأن الأرقام يشوبها الشك وعدم اليقين، وكل المؤشرات تؤكد أنه لن يكون هناك استقرار في سعر الصرف والتضخم في المنظور القريب.

ويدلل أونور على ما ذهب إليه بقوله إن الموازنة تعني وضع بنود صرف وإيرادات، لكن في ظل عدم وجود مؤشرات اقتصادية من المستحيل وضع موازنة صحيحة ويصعب التنبؤ بأوضاع العام 2019. 

‪الحكومة تتوقع بلوغ معدل التضخم 27% العام المقبل‬ (رويترز)
‪الحكومة تتوقع بلوغ معدل التضخم 27% العام المقبل‬ (رويترز)

تحذيرات
ويحذر أونور من التعويل على موازنة العام 2019 لأنها مجرد خطوات إسعافية كما أنها غير قابلة للتنفيذ، ويوضح "كل الأرقام والتحويلات والإيرادات والمصروفات ستكون بنود على الورق، وسنرى في الربع الأول حجم العجز، السنة القادمة أسوأ".

ويبدي حسرته على إهمال الكثير من التوصيات الاقتصادية التي تم اعتمادها كمخرجات للحوار الوطني، فتوصيات من قبيل مكافحة الفساد وإدارة موارد الدولة بصورة أكثر كفاءة وإنشاء مفوضية للفساد في المركز والولايات، كلها كان من الممكن إنفاذها وإنقاذ الاقتصاد، يؤكد المتحدث ذاته.

ويضيف أونور "للأسف إعلان الموازنة كان مجرد زخم إعلامي لكن الواقع أن البلد محاصر ولا موارد خارجية، والموارد الداخلية شحيحة، وعلى قلتها تم تهريبها بسبب الفساد وسوء الإدارة".

ويبدو حسن رزق عضو البرلمان والقيادي في حركة "الإصلاح الآن" غير متفائل بمشروع الموازنة لأنها برأيه تمثل ميزانية الأقوياء أو ما يسميها "ميزانية الرقم واحد".

ويبين رزق للجزيرة نت أن أي وزير مالية يريد أن ينجح لا بد أن تكون لديه ولاية على المال العام، وهو ما لم يتوفر لوزراء المالية السابقين ولا حتى لوزير المالية الحالي معتز موسى.

ويؤكد أن جهات مثل رئاسة الجمهورية وجميع القوات النظامية والقضائية والنائب العام وغرفتي الهيئة التشريعية (المجلس الوطني ومجلس الولايات) لا أحد يستطيع معرفة ميزانياتها ولا مناقشتها، سواء كان المراجع العام أو حتى نواب البرلمان.

ويقول متهكما "كل السلطات اشتركت في هذا الأمر، التنفيذية والتشريعية والقضائية، عدا الوزارات الضعيفة التي يمكن بحث ومناقشة ميزانياتها".

وينبه حسن رزق إلى أن السودان ليست لديه مشكلة موارد لكن المشكلة تكمن في كيفية إدارة تلك الموارد، كما أنه يعاني من عدم ترشيد الصرف الحكومي على المؤتمرات والسفريات التي تمثل نزيفا للموارد.

ويشير إلى أن التنظيم الحاكم (المؤتمر الوطني) وواجهاته من اتحادات المرأة والطلاب والشباب تستهلك جزءا كبيرا من الإيرادات "لا أرى معنى لانعقاد المؤتمرات القاعدية للمؤتمر الوطني التي تكلف المليارات من الجنيهات في هذه الظروف" يقول رزق.

وحتى أمس الخميس لم تسلم وزارة المالية أحزاب حكومة الوفاق الوطني نسخا من الموازنة.

‪طوابير الانتظار في محطات الوقود بالسودان بسبب الأزمة‬ (الجزيرة)
‪طوابير الانتظار في محطات الوقود بالسودان بسبب الأزمة‬ (الجزيرة)

تشاؤم
على مستوى الشارع فإن التشاؤم هو سيد الموقف مع تخوفات من اشتداد أزمات الوقود والخبز والنقود التي جعلت من الطوابير مشهدا تصالحت معه مدن البلاد.

وقال عادل إبراهيم (33 سنة) إن الخوف يتملكهم كل بداية سنة مع إقرار الموازنة الجديدة، مضيفا "كل عام يقول وزير المالية لا توجد زيادة في الضرائب ولا أعباء على الناس في الموازنة، لكن بمجرد إجازتها تشتعل الأسعار ويتراجع الجنيه".

أما رضينا (ربة منزل) فتبدو غير آبهة للموازنة الجديدة، وتقول للجزيرة نت "الميزانية إذا لم توفر الرغيف والمواصلات فلا داعي لها، أيضا المواصلات الظاهر أنها غلبت الحكومة".

وعلى الرغم من أن مسؤولي الحكومة -وعلى رأسهم رئيس مجلس الوزراء- أكدوا استمرار الدعم الحكومي للخبز والوقود لكنهم لا ينفكون يحدثون الناس عن الخسائر الفادحة لهذا الدعم.

والثلاثاء الماضي أكد الرئيس عمر البشير عدم وجود إصلاح اقتصادي حقيقي من دون رفع الدعم، مشيرا إلى عدم وجود منطق لدعم الوقود -خاصة البنزين- لأن الدعم يذهب إلى المقتدرين.

ورفعت الموازنة نسبة الإنفاق على التعليم إلى 9% بمبلغ تسعة مليارات جنيه، وتم خفض نسبة الأمن والدفاع إلى 13% بدلا عن 16% في موازنة العام الماضي، في حين بلغ دعم السلع الإستراتيجية 51 مليار جنيه.

وقال وزير المالية معتز موسى خلال تقديمه خطاب مشروع الموازنة أمام البرلمان إنه يتوقع بلوغ الناتج المحلي الإجمالي نسبة 5.1%، ووصول معدل التضخم حوالي 27% مقارنة بـ63% نهاية العام الحالي.

المصدر : الجزيرة