معركة حكومية مع مصانع تركيب السيارات بالجزائر

A worker assembles a car at the Volkswagen car assembly unit in Relizane, Algeria July 27, 2017. REUTERS/Zohra Bensemra
عمال بمصنع فولكسفاغن لتركيب السيارات بمدينة غليزان غرب الجزائر (رويترز)
عبد الحميد بن محمد-الجزائر

تخوض الحكومة الجزائرية معركة جديدة مع مصانع تركيب السيارات حديثة النشأة في البلاد، حيث عبرت على لسان أكثر من مسؤول عن عدم رضاها بما تحقق ورفضها "للاستيراد المقنع" للسيارات تحت غطاء مصانع التركيب.

وكانت السلطات اتخذت منذ نحو عامين قرارا بوقف استيراد السيارات ضمن سياسة ترشيد النفقات بسبب تراجع المداخيل عقب انهيار أسعار النفط، وحفزت الموردين على الاستثمار في إنشاء مصانع لتركيب السيارات مع منحهم تسهيلات جمركية وإعفاءات ضريبية.

وأقرت السلطات -عقب تولي عبد المجيد تبون رئاسة الوزراء في مايو/أيار الماضي- عددا من الإجراءات، وتحضر لوضع دفتر شروط جديد بهدف تأطير مصانع التركيب التي تم افتتاحها خلال الأشهر الماضية والممثلة لعدد من الماركات العالمية وبينها رينو الفرنسية وهيونداي الكورية وفولكسفاغن الألمانية.

غير أن مساعي الفريق الحكومي وفي مقدمتهم وزير الصناعة محجوب بدة اصطدمت بتعليمات من الرئيس عبد العزيز بوتفليقة -سربت للصحافة- عبر من خلالها عن غضب رئاسي من الطريقة التي تعاملت بها الحكومة مع رجال الأعمال والمستثمرين، وطالب بالتوقف عن استهداف رجال الأعمال، وقال إن بعض الإجراءات الحكومية الأخيرة "فوضى" وتعطي صورة سلبية عن مناخ الاستثمارات في البلاد.

وفي ظل هذه الأجواء، توالت التساؤلات حول مستقبل الاستثمارات في قطاع السيارات، وإن كانت هذه القرارات ستساهم في تنظيم السوق أم ستؤدي إلى نفور المستثمرين.

رئيس الوزراء تلقى تعليمات من بوتفليقة للتوقف عن استهداف رجال الأعمال
رئيس الوزراء تلقى تعليمات من بوتفليقة للتوقف عن استهداف رجال الأعمال

مرحلة انكماش
ويقول المحلل الاقتصادي عبد الرحمن تومي إن الاقتصاد يمر بمرحلة انكماش بسبب تخلي الدولة عن العديد من المشاريع، واتجاهها نحو تقليص فاتورة الاستيراد إلى أدنى حد ممكن "فكان قطاع السيارات في مقدمة القائمة بعدما كان يلتهم أكثر من سبعة مليارات دولارسنويا".

وقال تومي لـ الجزيرة نت إن استيراد السيارات ارتفع بشكل كبير خلال 15 سنة الماضية، دون أن يضيف أية قيمة اقتصادية.

وأشار إلى أن دفتر الشروط الذي تجري مراجعته حاليا من طرف الحكومة "سيؤدي إلى تعقد الأمور أكثر وتصبح المركبة حلما صعب المنال بسبب ارتفاع سعرها وسط طلب يزداد وعرض ينخفض".

وأكد أن صناعة السيارات في الجزائر تحتاج فترة انتقالية توفر فرصة للمستثمرين للتموقع في السوق عبر تسهيلات قانونية وضريبة في مجال المناولة.

من جانبه، يرى أستاذ الاقتصاد بجامعة البليدة فارس مسدور أن مصانع تركيب السيارات "كانت ضربة قاصمة للاقتصاد الجزائري بسبب ضعف المفاوض الجزائري عكس الطرف الآخر الذي اكتسب الكثير من الامتيازات والمنافع".

وقال مسدور للجزيرة نت إن "الجزائر تعرضت للخيانة الاقتصادية من بعض العناصر الفاسدة في الطاقم الحكومي السابق" واعتبر أن الإجراءات الجديدة "محاولة لاستدراك ما ضاع من وقت ومنافع".

مصنع رينو لتركيب السيارات بمدينة وهران غرب الجزائر
مصنع رينو لتركيب السيارات بمدينة وهران غرب الجزائر

وأشار إلى أن مصانع تركيب السيارات الموجودة حاليا كان ينبغي أن يكون هدفها التصدير للخارج "أما أن ننتج من أجل سوق محلي بأعداد قليلة مقارنة بحجم الطلب الكبير الذي لا يمكن تلبيته فهذه هي الكارثة التي تعرضنا لها".

ووصف مسدور سعر السيارات المركبة بالجزائر بـ "الكذبة الكبرى" لأن سعرها أغلى من نظيرتها المستوردة. ودعا الحكومة إلى التعامل بحزم مع هذه المصانع من أجل تجاوز النقائص والأخطاء.

أما أستاذ الاقتصاد بجامعة الجزائر كمال رزيق فيرى -في حديث للجزيرة نت- أن التصريحات الحكومية والحملة الإعلامية ضد مصانع التركيب "منفرة ولا تجلب المستثمرين".

وانتقد رزيق التصريحات الحكومية رغم أن من حق الحكومة مراجعة دفتر الشروط "لكن في إطار الاتفاق الموقع مع هذه الشركات ودون المساس بمصالح هذه العلامات".

وأكد أن نسبة الإدماج في صناعة السيارات بكل دول العالم تبدأ من الصفر، وترتفع تدريجيا من سنة إلى أخرى حتى تصل إلى النسبة الأكبر في غضون مدة لا تقل عن عشر سنوات يمكن الحديث بعدها عن صناعة محلية للسيارات.

ولفت رزيق الانتباه إلى أن التخطيط على مدى سنوات لإنشاء صناعة للسيارات لا يمنع وزارة الصناعة من إرسال فرق مختصة للتدقيق بأسعار السيارات التي تبقى مرتفعة السعر رغم استفادة المصانع من امتيازات ضريبة وإعفاءات كثيرة.

المصدر : الجزيرة