2017.. تقلبات الاقتصاد السوري وآفاقه

من أحد أسواق العاصمة دمشق
من أحد الأسواق التجارية في العاصمة دمشق (الجزيرة نت)

سلافة جبور-دمشق

في شهر يوليو/تموز 2017، أصدر البنك الدولي تقريرا عن خسائر سوريا بعد مرور ست سنوات على الحرب، حيث أورد أرقاما تظهر هول الدمار الذي تعرضت له البلاد على الصعيدين البشري والمادي.

أكثر من أربعمئة ألف قتيل، ونزوح أكثر من نصف السكان قسريا، وارتفاع نسبة البطالة إلى 78% أي أن حوالي تسعة ملايين سوري عاطل عن العمل، وخسارة بقيمة 226 مليار دولار في إجمالي الناتج المحلي وهو ما يعادل أربعة أضعاف إجمالي الناتج المحلي السوري عام 2010، مع انخفاض الناتج المحلي بنسبة 63% مقارنة بعام 2010.

فضلا عن دمار 7% من المساكن كليا و20% جزئيا، وأرقام أخرى تتحدث عن تعطيل الشبكات الاقتصادية على اختلاف قطاعاتها.

واليوم مع قرب انتهاء العام السادس لاندلاع الثورة السورية، كيف يبدو المشهد الاقتصادي داخل البلاد؟

أعباء متزايدة
يحكي كمال نحاس المقيم في بلدة صحنايا بريف دمشق الغربي عن أوضاع أسرته المعيشية التي تزداد سوءا يوما بعد آخر.

الرجل الخمسيني الذي يعمل صباحا في وظيفة حكومية ومساء سائق سيارة أجرة يملكها أحد معارفه، يستطيع بالكاد تدبير متطلبات زوجته وأولاده الأربعة، ويتمنى لو كان بإمكانه العثور على عمل ثالث كمصدر دخل إضافي.

"ما عشناه هذا العام لا يشبه أي معاناة أخرى. الجميع يتحدث عن تحسن الوضع الأمني وقرب انتهاء الحرب، لكن ماذا عن أوضاعنا المعيشية والاقتصادية؟ هل تمتلك الحكومة خطة واضحة لتلبية احتياجاتنا أم تعتقد أن جميع السوريين يعيشون في رخاء؟"، هذا ما قاله نحاس للجزيرة نت.

رغم تغير خريطة الصراع بشكل كبير لصالح النظام السوري هذا العام مع إحرازه تقدما ميدانيا في العديد من المناطق بمساندة القوات الروسية والمليشيات الرديفة، فإن هذا التغير لم يكن من نصيب الاقتصاد السوري مع زيادة حجم الخسائر يوما بعد آخر، واستمرار أولوية دعم النظام لتكاليف عملياته العسكرية على حساب قطاعات اقتصادية أخرى، مما يعني أن المعاناة الاقتصادية لمعظم السوريين لا تزال على حالها.

الليرة السورية وصل سعر صرفها أمام الدولار إلى 560 ليرة(الجزيرة)
الليرة السورية وصل سعر صرفها أمام الدولار إلى 560 ليرة(الجزيرة)

تدهور الليرة
شهد العام الحالي تدهورا كبيرا في قيمة الليرة السورية، حيث وصل سعر صرفها أمام الدولار الأميركي إلى أعلى مستوياته عند 560 ليرة (مقابل 47 ليرة عام 2011)، في حين انخفض هذا السعر في بعض الأسابيع ليلامس  أربعمئة ليرة.

تدهور قيمة الليرة ترافق على الدوام مع زيادة في الأسعار وانخفاض القيمة الشرائية للأجور التي لم ترتفع بما يتوافق مع هذا التدهور وبما يلبي حاجة فئة كبيرة من السوريين. وفي المقابل لم يؤد انخفاض سعر الصرف لهبوط الأسعار، وهو ما يزيد من حالة الاحتقان التي يعيشها السوريون في مختلف أنحاء البلاد.

ووفق تقارير سورية رسمية، تحتاج العائلة متوسطا شهريا يعادل ستمئة دولار أميركي لتغطية الاحتياجات الأساسية، في حين لا يزيد متوسط الأجور عن 150 دولارا.

ولعل من أهم مؤشرات تدهور قيمة الليرة إصدار المصرف المركزي في سوريا عملة جديدة من فئة ألفي ليرة سورية في يوليو/تموز، بعد أن كانت أكبر عملة متداولة هي الألف ليرة، وهو ما اعتبره حاكم المصرف "ضرورة لمعالجة ارتفاع الأسعار".

ويعتبر الباحث الاقتصادي يونس الكريم في حديث للجزيرة نت، أن تقلبات الليرة ما هي إلا انعكاس للمجريات التي تحدث على أرض الواقع، "فالليرة هي الدستور والحدود، وهذه واحدة من أهم قواعد الاقتصاد والاقتصاد السياسي".

الليرة وتقلباتها -وفق الكريم- هي وسيلة النظام للحصول على الأموال من خلال المصرف المركزي وشركات الصرافة والمصارف التي تعتبر من أذرع التحكم بسوق الصرف الخاضع بشكل كامل لسيطرة المصرف المركزي.

ولتحقيق مكاسب اقتصادية، يعمد النظام لرفع قيمة الليرة ويخفض قيمة الدولار أيام الأعياد والمناسبات، حيث تكثر حوالات المغتربين لأفراد أسرهم المقيمين داخل البلاد.

مناطق المعارضة
ويتحدث الكريم عن تخفيض النظام قيمة الليرة عند توجه المانحين لدعم المناطق الخارجة عن سيطرته عند تشديد الحصار، مما يؤدي لضخ المزيد من الأموال وتنشيط مشاريع استثمارية في تلك المناطق.

ويركز الباحث على دور الأموال الموجودة ضمن المناطق الخاضعة للمعارضة والقادمة على شكل حوالات خارجية في دعم الليرة، حيث يضرب مثلا بالإتاوات التي يدفعها تجار الغوطة الشرقية للنظام لإدخال مواد غذائية إلى المنطقة المحاصرة، والتي وصلت حتى ألفي ليرة سورية لكل كيلوغرام، وهي سياسة مشابهة لما اتبعه النظام في ثمانينيات القرن الماضي بعد قمع الانتفاضة ومجزرة حماة، حيث اعتمد على حوالات الأموال الخارجية لدعم العملة المحلية المتهاوية.

لعبة أخرى يتبعها النظام، وذلك بتخفيض قيمة الليرة في النصف الثاني من السنة المالية تدريجيا وصولا لنهاية العام، ثم رفعها بهدف إقفال موازنات الشركات بقيم مبالغ فيها، مما يعطي إحساسا بالأمان الاقتصادي.

ويفيد ذلك أيضا -وفق رأي الكريم- في إقناع الشركات المشاركة بمشاريع إعادة الإعمار المقبلة بعدم سحب أموالها، حيث تعتبر رابحة من خلال تلك الموازنات النهائية.

‪من آثار الدمار الذي خلفه القصف في محيط دمشق‬ (الجزيرة)
‪من آثار الدمار الذي خلفه القصف في محيط دمشق‬ (الجزيرة)

آفاق متوقعة
يعتقد الكريم بوجود حيتانٍ متصارعة داخل النظام رغم حرصه على الظهور بشكل متماسك مع استمرار مؤسساته بالعمل وفق بنيتها الأساسية ودفع الرواتب دون انقطاع، وكأن الاقتصاد السوري لم يتأثر بالحرب.

لكن النظام -وفي الضفة الأخرى- يعاني من مشكلة مالية يصفها الكريم بالخطيرة، حيث لم يعد يملك عملة سورية مطبوعة ولا دولارات أميركية، وهو ما سيشكل بالنسبة له ذريعة وفرصة ذهبية للاتجاه نحو رأسمال جديد قائم على تحرير السوق ورفع الدعم عن كافة السلع حتى الخبز، وخصخصة سلع أخرى كالكهرباء.

ويتوقع الكريم استمرار انخفاض قيمة الليرة السورية لتصل إلى حاجز ستمئة ليرة للدولار الواحد، بسبب فقدان سوريا قدرتها على الإنتاج، وتوقف عدة قطاعات أهمها النفط والتي تحتاج ستة أشهر على أقل تقدير للعودة للعمل بعد زوال العقوبات الاقتصادية عن البلاد.

ولا يتوقع الباحث رفع الأجور في سوريا العام المقبل، فهي عملية تتطلب زيادة كتلة المطبوعات من العملة السورية، وهو ما لن تسمح به روسيا التي تسعى للسيطرة على كافة المفاصل الاقتصادية للبلاد والتحكم فيها.

وسط هذه التقلبات، تنتظر شركات ورؤوس أموال ضخمة بدء مرحلة إعادة الإعمار، والتي يرى الكريم أن النظام سيتجه فيها "للدولرة"، أي السماح بالتعامل بالدولار الذي سيكون العملة الثانية في سوريا دون أن تصبح المسيطرة بسبب الحرص على عدم انهيار مؤسسات الدولة.

إعادة الإعمار ستستهدف وفق الباحث تحسين مشاريع الطبقة المستفيدة المحسوبة على النظام وتطوير البنية التحتية داخل دمشق وفي ضواحيها الخاضعة لسيطرته، في حين لا يأمل بفك الحصار عن الغوطة الشرقية وغيرها من المناطق الواقعة تحت سيطرة المعارضة، بل يتوقع زيادة وطأة الحصار.

ويقول الكريم: "السلام يعني توقف المانحين عن دعم تلك المناطق والتي تعتبر من أساليب دعم النظام بشكل غير مباشر".

ويضيف: "النظام غير قادر ماديا اليوم على استعادة السيطرة على تلك المناطق وبالتالي الاضطرار لدعمها اقتصاديا واجتماعيا، فاستمرار الحصار من مصلحته أولا وأخيرا".

المصدر : الجزيرة