رفع الدعم عن البنزين.. تنازلات مصر لنيل القروض

وزير البترول يقول إن دعم البوتاجاز سيتم بشكل جزئي. تصوير زميل مصور صحفي. مسموح باستخدامها.
وزير البترول المصري قال إن دعم أسطوانات الغاز سيلغى بشكل جزئي (الجزيرة)

دعاء عبد اللطيف-القاهرة

قرر إسلام -وهو شاب مصري عشريني- في يونيو/حزيران 2016 بيع سيارته واستخدام المواصلات العامة في تنقلاته على أثر ما أقدمت عليه حكومة القاهرة وقتئذ من رفع أسعار البنزين بنسبة 100%، لكن يبدو أن تكاليف المواصلات العامة ستكون هي الأخرى عبئا عليه بعدما كشف وزير البترول المصري طارق الملا مؤخرا عن مخطط لإلغاء الدعم نهائيا عن البنزين مع إبقائه جزئيا على أسطوانات الغاز.

ويتأثر عشرات الملايين من المصريين -مثل إسلام- بشكل مباشر من ارتفاع أسعار البنزين، إذ تصاحبه زيادة أسعار المواصلات العامة وكافة السلع التي تنقل إلى الأسواق عبر شاحنات.

وصدرت تصريحات الوزير الملا بعد ساعات من مغادرة وفد من صندوق النقد الدولي القاهرة عقب مباحثات مع المسؤولين بشأن صرف الدفعة الثالثة من قرض النقد الدولي مطلع الأسبوع الجاري.

وكان النقد الدولي وافق على منح مصر قرضا بقيمة 12 مليار دولار في نوفمبر/تشرين الثاني الماضي على خمس دفعات، على أن تصرف كل دفعة وفق شروط يتابع الصندوق تنفيذها مع السلطات بالقاهرة، مثل تحرير سعر صرف العملة، ورفع الدعم عن الوقود.

وخفضت القاهرة دعم الوقود بنسب تراوحت بين 5 و100% في السنوات الأربع الماضية، كان آخرها في 29 يونيو/حزيران الماضي، وتستهدف هذه الإجراءات خفض الإنفاق بنحو ثلاثين مليار جنيه (1.7 مليار دولار).

كما زادت السلطات أسعار الكهرباء في يوليو/تموز الماضي بنحو 40% في إطار خطة تدريجية لرفع الدعم كليا عن الكهرباء بدأت في يوليو/تموز 2016 وعلى مدى خمس سنوات.

عبد السلام: سيكون من الصعب تنفيذ إجراءات لتحرير أسعار الوقود قبل انتخابات الرئاسة العام المقبل (الجزيرة)
عبد السلام: سيكون من الصعب تنفيذ إجراءات لتحرير أسعار الوقود قبل انتخابات الرئاسة العام المقبل (الجزيرة)

شروط دولية
ويقول الكاتب الاقتصادي المصري مصطفى عبد السلام إن تصرفات الحكومة المصرية تبدو متوقعة، فهي تنفذ بنود اتفاقها مع صندوق النقد الدولي، التي تتضمن تحرير أسعار المحروقات وإخضاعها لقوى العرض والطلب.

ويضيف عبد السلام للجزيرة نت أن تصريحات وزير البترول رسالة إلى صندوق النقد بأن القاهرة جادة في خطواتها، وهو ما قد يسهل إجراءات انتزاع موافقة المجلس التنفيذي للصندوق على صرف الدفعة الثالثة من القرض البالغ قيمتها ملياري دولار، والمتوقع صرفها في ديسمبر/كانون الأول المقبل.

ويشير الكاتب الاقتصادي إلى أنه رغم ذلك سيكون من الصعب اتخاذ خطوات جريئة بملف تحرير أسعار الوقود قبل إجراء الانتخابات الرئاسية المقررة في يونيو/حزيران 2018، فلو نفذت تلك الخطوات ستؤثر سلبا على شعبية السلطة الحالية، كما أن ارتفاع أسعار النفط العالمية قد يعقد مهمة الحكومة في تحرير أسعار الوقود؛ فالمواطن لن يتحمل زيادة الأسعار عالميا وخفض الدعم الحكومي.

ولكن، هل رفع الدعم سيخفف عجز الموازنة المصرية؟ هذا السؤال أجاب عنه وزير البترول المصري نفسه ضمنيا في معرض تبريره رفع أسعار البنزين، فقال إن تكلفة دعم المشتقات البترولية زادت 68% في الربع الأول من 2017، رغم الزيادات المتواصلة في أسعار الوقود في البلاد.

‪عبد العظيم: السياسة الاقتصادية للنظام المصري ضاعفت معاناة المواطنين وأدت إلى انقراض الطبقة الوسطى‬ (الجزيرة)
‪عبد العظيم: السياسة الاقتصادية للنظام المصري ضاعفت معاناة المواطنين وأدت إلى انقراض الطبقة الوسطى‬ (الجزيرة)

سياسة فاشلة
ويرى البرلماني المصري السابق حاتم عبد العظيم أن رفع الدعم كليا عن البنزين يفتح صفحة جديدة تضاف إلى سجل ما وصفه بالفشل الذريع للسلطة بمصر، ويضيف عبد العظيم أن "السياسة الاقتصادية للنظام المصري القائمة على الاقتراض ورفع الدعم ضاعفت معاناة المواطنين، وأدت إلى انقراض الطبقة الوسطى.

وعلى عكس توقعات عبد السلام، رجح البرلماني السابق ألا تؤجل السلطة الحالية رفع الدعم نهائيا عن البنزين لما بعد الانتخابات الرئاسية، قائلا "السلطة لا تعبأ بغضب الناس فهي تستمد مشروعيتها من السلاح".

وأما الملفت فهو غياب رد الفعل الشعبي على خطوة رفع الدعم ولو حتى بالتعليق على مواقع التواصل الاجتماعي، وهو ما فسره رئيس المركز المصري لدراسات الإعلام والرأي العام مصطفي خضري بكون الصورة في العمق تختلف عن السطح.

وأوضح خضري للجزيرة نت أن حراكا مجتمعيا حدث في بداية مراحل إلغاء الدعم التمويني، "لكنه خفت تدريجيا في كل مرحلة لإلغائه حتى يشعر مراقب المشهد بأن المصريين صاروا أمواتا".

ويستدرك الخضري قائلا "لكن هذه الرؤية غير حقيقية، فالمجتمع المصري له خصوصيته التي لا يعرفها إلا من درسها تاريخيا وسيكولوجيا"، ويضيف أن هناك "نارا مستعرة تحت رماد ساكن، وتنتظر الانفجار ما لم يحدث تغيير في بنية وتوجهات النظام".

المصدر : الجزيرة