سيناريوهات مفتوحة لأزمة الاقتصاد الصيني

تتضافر مظاهر الأزمة الاقتصادية في الصين لتنذر بكارثة اقتصادية عالمية مع هبوط قيمة اليوان وانهيار البورصات

عبد الحافظ الصاوي

تتضافر مظاهر الأزمة الاقتصادية في الصين لتنذر بكارثة اقتصادية عالمية، فقد استمر هبوط قيمة العملة الصينية اليوان منذ أغسطس/آب 2015 حتى الآن، مما ترك آثارا سلبية على أداء البورصة الصينية ثم على البورصات العالمية.

ولم يكن الأمر قاصرًا على انخفاض قيمة اليوان، بل نال أيضا من احتياطي النقد الأجنبي الذي انخفض خلال العام الماضي بنحو 600 مليار دولار، حيث تشير بيانات البنك الدولي إلى أن احتياطي النقد الأجنبي في الصين بلغ نهاية 2014 نحو 3.9 تريليونات دولار، وتؤكد بيانات البنك المركزي الصيني هبوط الاحتياطي بنهاية 2015 إلى 3.3 مليارات دولار.  

مساع حكومية لوقف التدهور
تحجيم الصين
دلالات الأزمة الصينية

مساع حكومية لوقف التدهور
هذا الهبوط في احتياطي النقد الأجنبي جاء نتيجة محاولات الحكومة الصينية وقف التدهور الحاصل في البورصة، ومساندة القطاع الإنتاجي في الصناعات الصغيرة والمتوسطة التي انتشرت فيها آفة عدم القدرة على سداد التزاماتها تجاه القروض.

ولم يكن استخدام الاحتياطي النقدي هو الآلية الوحيدة لمواجهة الآثار السلبية للأزمة، بل سمحت الحكومة الصينية لصناديق التقاعد باستخدام نسب أكبر من رأسمالها في شراء أسهم الشركات الصينية بالبورصة.

الأهم في الأزمة الاقتصادية الصينية أنها نالت من أحد أهم مقومات الاقتصاد الصيني والذي مثل معجزة على مدار عقود، وهو معدل النمو في الناتج المحلي.

نالت الأزمة الاقتصادية في الصين من أحد أهم مقومات الاقتصاد الصيني والذي مثل معجزة على مدار عقود، وهو معدل نمو الناتج المحلي

فالملاحظ من خلال الاطلاع على قاعدة بيانات البنك الدولي أن الناتج الصيني بدأ في الهبوط منذ الأزمة المالية العالمية، فبعدما بلغ 14.2% عام 2007 رغم ارتفاع غير مسبوق في أسعار الطاقة وكافة المواد الخام، تراجع في عامي 2008 و2009 على التوالي ليصل إلى 9.6% و9.2% بسبب التداعيات السلبية للأزمة المالية العالمية في العام 2008.

وكان عام 2010 استثناء بالنسبة لمعدل نمو الناتج الصيني حيث عاد ليرتفع فيه إلى 10.6%، وهو الأمر الذي أعطى الأمل في قدرة الاقتصاد الصيني على قيادة الاقتصاد العالمي من خلال عودة تحقيقه لمعدلات نمو مرتفعة، رغم أن اقتصادات الدول المتقدمة وأميركا في ذلك الوقت ظلت تسجل اقتصادا هشا.

غير أن الفترة من 2011 وحتى نهاية 2015 كانت عكس هذا التوقع، حيث انخفضت معدلات النمو في الناتج المحلي للصين لتنحدر إلى ما دون 7% نهاية العام 2015. ولم يكن هذا الانخفاض من 9.5% عام 2011 إلى 6.9% عام 2015 مفاجئًا، بل كان تدريجيًا خلال الفترة كلها.

تحجيم الصين
لعل الإشارة السابقة إلى أسباب الأزمة الاقتصادية في الصين من خلال بعض المؤشرات التي تخص الاقتصاد النقدي أو الإنتاجي، غير كافية، وتحتاج إلى أن نقرأ الدور الخارجي، خاصة في ظل بزوغ نجم الصين ومحاولتها تغيير خريطة القوى الاقتصادية العالمية، لتكون ندًا لأميركا، إن لم تسع لأن تكون القوة الاقتصادية الأولى في العالم.

لقد أقدمت الصين على خطوتين يمكن اعتبارهما هدمًا لقواعد سيطرة أميركا والغرب على مقدرات الاقتصاد العالمي، سواء من حيث سيطرة العملة الأميركية على مفاصل الاقتصاد العالمي وارتباط الاقتصادات العالمية هبوطًا وصعودًا بأداء الدولار الأميركي، أو من خلال سيطرة كل من أميركا والغرب أيضًا على المؤسسات المالية الدولية، وعلى رأسها البنك وصندوق النقد الدوليان ومنظمة التجارة العالمية.

لقد قبلت الصين أن تكون عملتها ضمن سلة احتياطيات النقد الأجنبي لدى بقية اقتصادات العالم، وهي الخطوة التي اعتمدها صندوق النقد الدولي لتدخل حيز التطبيق في النصف الثاني من العام 2016. كما نفّذت الصين مشروعها الذي اعتبر منافسًا لدور البنك الدولي، وهو بنك البنية الأساسية الآسيوي، والذي قدر رأس ماله بنحو 100 مليار دولار.

وإقدام الصين على هاتين الخطوتين يمكن أن يكون قد جلب لها -في ضوء نظرية المؤامرة- تخطيطًا أميركيًا غربيًا لهدم التجربة الصينية، كما حدث مع تجربة دول جنوب شرق آسيا نهاية تسعينيات القرن العشرين.

فالغرب وأميركا يريدان أن تظل الصين مجرد مصنع كبير للعالم، لكن أن يتغير دورها إلى نفس الدور الذي تمارسه أميركا والغرب منذ نحو عقدين أو أكثر من الزمن، بالتحول من الاقتصاد الإنتاجي إلى اقتصاد المعرفة، وإنتاج التقنية، فهذا ما قد لا تسمح به أميركا والغرب.

لقد لوحظ مؤخرًا على أداء الصين الاقتصادي خارجيًا أنها بدأت تتوسع في المشاركات الاستثمارية بأفريقيا وآسيا، حتى يمكنها لعب نفس الدور الغربي الأميركي، بجعل الإنتاج السلعي خارج حدودها، وبما يضمن لها ولاء هذه البلدان على الصعيد السياسي والاقتصادي.

دلالات الأزمة الصينية
تعد الأزمة الاقتصادية في الصين تأصيلا لطبيعة الاقتصاد الرأسمالي، من جهة أن الأزمات والتقلبات جزء من طبيعته التي لا يمكن أن تتغير، حتى لو كان تطبيق التجربة الرأسمالية تحت وطأة اقتصاد تقوده حكومة تدعي الاشتراكية.

إن اعتماد الاقتصاد الرأسمالي على آلية الدين وإهمال المشاركة، مرض انتقل إلى الصين وعملت في إطاره، رغم أنه كان أبرز الدروس المستفادة من الأزمة المالية العالمية عام 2008.

فالصين أمام معضلة اقتصادية في كيفية معالجة ما حل بها من أزمة اقتصادية، فإما أن تستكمل أدوات الاقتصاد الرأسمالي وإعمال قاعدة "السوق قادر على اصلاح نفسه بنفسه" ولا تتدخل في التداعيات السلبية للأزمة، وأن هناك يدا خفية ستعمل من تلقاء نفسها لإصلاح السوق، وهو ما لا يمكن قراءة عواقبه السلبية سواء على الاقتصاد الصيني أو العالمي.. وإما أن تنهج النهج الأميركي والغربي إبان الأزمة المالية العالمية (2008). وهذا النهج يعني تدخل الدولة من أجل استعادة التوازن الاقتصادي، وإن كلفها ذلك خسارة بعض مكاسبها الاقتصادية التي حققتها على مدار ثلاثة عقود، وأبرزها تراجع احتياطي النقد الأجنبي، ففي عام واحد هو عام 2015 خسرت الصين 15% من احتياطي النقد الأجنبي بسبب تدخلها في معالجة الآثار السلبية لانهيار العملة والبورصة.

إقدام الصين على بعض الخطوات الاقتصادية يمكن أن يكون قد جلب لها -في ضوء نظرية المؤامرة- تخطيطًا أميركيًا غربيًا لهدم التجربة الصينية، كما حدث مع تجربة دول جنوب شرق آسيا في نهاية تسعينيات القرن العشرين

على صعيد آخر، ستكون الأزمة الاقتصادية في الصين محل اختبار لبعض التكتلات الاقتصادية العالمية.

ففي إطار مجموعة العشرين تم استدعاء المجموعة عقب الأزمة المالية العالمية لإنقاذ الاقتصادين الأميركي والغربي. وكان هناك تعويل كبير على الدور التمويلي للدول الصاعدة -بالإضافة إلى السعودية- للاستفادة من الاحتياطيات النقدية لتلك الدول في خطط إنعاش اقتصاد أميركا والدول الغربية.

فهل ستقوم مجموعة العشرين بدور مماثل تجاه الصين كما فعلت مع أميركا والغرب؟

ونفس الشيء يمكن قوله بشأن تجمع "البريكس" الذي يضم الدول الصاعدة وتمثل فيه الصين رمزًا قويًا. فهل ستكون اقتصادات الهند والبرازيل وجنوب أفريقيا قادرة على لعب دور ينقذ أو يساعد في إنقاذ الاقتصاد الصيني؟

أعتقد أن جميع الأطراف ستقرأ الموقف في ضوء المصلحة لا في ضوء التكتلات الاقتصادية، بعيدًا عن تفسير الصراع بين الشرق والغرب، خاصة أن هناك شاهدًا قريبًا لم يلعب فيه تجمع البيركس دور المنقذ، وهو الأزمة الروسية.

لذلك فنحن أمام سيناريوهات مفتوحة بصدد الأزمة الاقتصادية في الصين، فإما أن تنجح في كبح جماح أزمتها، سواء من خلال إمكانياتها أو بمساعدات الآخرين، وإما  أن نرى تحجيمًا لدور الصين الاقتصادي، وتقزيما لدورها كقوة عالمية كان ينتظرها البعض أن تكوت مناوئة للقوى الاستعمارية الغربية والأميركية.
_______________
كاتب صحفي مصري

المصدر : الجزيرة