اليونان والحلول المنقوصة

تصميم قضايا اقتصادية - إلياس بابايوانو ؛ لوكريتزيا ريشلين، ريتشارد بورتس

 لوكريتزيا ريشلين، ريتشارد بورت، إلياس بابايوانو

تسعى اليونان ودائنوها إلى تنفيذ الاتفاق الذي يقضي بتوفير الدعم المالي في مقابل إصلاحات واسعة النطاق.

ورغم كثرة التحفظات على الاتفاق، فإن الظروف السياسية لم تسمح بالتوصل إلى اتفاق أفضل، لكن الصفقة من الممكن -بل وينبغي لها- أن تصلح كأساس لإنقاذ اليونان ومنطقة اليورو.

التزام يوناني
ضبط الأوضاع المالية
بناء إجماع شعبي

التزام يوناني
ولكي تنجح الخطة، فلا بد أن يُظهِر رئيس الوزراء اليوناني أليكسيس تسيبراس التزاماً حقيقياً ببرنامج الإصلاح الذي لا يعتقد هو والعديد من المواطنين اليونانيين جدواه، ويتعين عليه أن يعمل على صياغة تحالف مع الأحزاب المؤيدة لأوروبا في اليونان، لأن الحكومة الموحدة وحدها فقط سوف تكون قادرة على تحقيق المراد.

ويتعين على الدائنين أن يعملوا على إيجاد المال اللازم لتمويل خطة الإنقاذ، كما يتعين على صندوق النقد الدولي أن يتفق مع مجموعة اليورو بشأن كيفية استعادة القدرة على تحمل الديون في اليونان، وهو شرط مسبق لاستعادة البلاد القدرة على الوصول إلى أسواق رأس المال.

ولا بد من إدراك فارق حاسم في هذا الجهد، والواقع أن مثل هذا النهج من الممكن أن يقوض الإصلاحات البنيوية المطلوبة بشدة، خاصة من خلال تدمير رأس المال السياسي المطلوب لتنفيذها.

لكن من المؤسف أن الاتفاق الأخير يتضمن مقترحات غير واقعية لضبط الأوضاع المالية.

فقبل إغلاق البنوك اليونانية وفرض ضوابط رأس المال أواخر يونيو/حزيران الماضي، حددت المفوضية الأوروبية العجز لهذا العام بما بين أربعة وستة مليارات يورو (4.3 و6.5 مليارات دولار)، أو 2% إلى 3% من الناتج المحلي الإجمالي. والآن يبدو أن العجز الأولي (الذي يستبعد أقساط الفائدة) من الممكن أن يصل إلى 6% من الناتج المحلي الإجمالي، مع هبوط الناتج المحلي الإجمالي بنسبة 4%.

ضبط الأوضاع المالية
غير أن الاتفاق الجديد يتوقع أن تعوض اليونان عن النقص المالي في غضون خمسة أشهر فقط. وكما أدركت اليونان وغيرها من بلدان منطقة اليورو فإن محاولة استعجال ضبط الأوضاع المالية تؤدي إلى زيادة عبء الدين، مع تسبب شح السيولة وما يصاحبه من عدم اليقين في تقويض الناتج وجهود الإصلاح.

برغم التزام اليونان بالإصلاح العميق والسريع، فلا يجب أن تُجبَر على ضبط الأوضاع المالية العامة (خفض عجز الميزانية الأولي من خلال خفض الإنفاق الحكومي وزيادة الضرائب) بسرعة أكبر مما ينبغي

على سبيل المثال، تتلخص إحدى المبادرات الرئيسية لمعالجة العجز المالي في زيادة ضريبة القيمة المضافة إلى 23% على كل السلع والخدمات تقريبا.

لكن مع ارتفاع معدلات التهرب من ضريبة القيمة المضافة في اليونان إلى 50%، فإن هذه الزيادة من شأنها أن تضع الشركات التي تسدد الضريبة، والتي تميل إلى كونها أكبر حجماً وأكثر كفاءة، في موقف أسوأ نسبة إلى الشركات التي لا تسدد الضريبة. وبالتالي، ينبغي لليونان أن تركز أولاً على إقامة البنية الأساسية القانونية والفنية اللازمة لمكافحة التهرب الضريبي.

وسوف تجد حكومة اليونان صعوبة في الالتزام بالبرنامج الجديد ما لم تكن أهدافها المالية معقولة. فبرغم أنه من غير الواقعي من الناحية السياسية إعادة التفاوض على الاتفاق في هذه المرحلة، فإن التحليل الجاد لضبط الأوضاع المالية الضروري، وربما بتحكيم من قِبَل خبراء مستقلين، مطلوب.

ويعزز أحدث تحليل صادر عن صندوق النقد الدولي لقدرة اليونان على سداد ديونها هذا التقييم.

وبرغم الضغوط التي تمارسها ألمانيا وغيرها من الدول المشاركة في برنامج الإنقاذ الجديد، فإن الصندوق لن يشارك ما لم يكن يرى أن ديون اليونان يمكن سدادها؛ وهذا يعني جعل أرصدة ديون الاقتصاد متسقة مع التدفقات المالية، مع الاستعانة بالتركيبة الصحيحة من الأهداف المالية الصارمة ولكنها ممكنة والتخفيف من أعباء الدين.

ولا يجب أن تكون الأولوية لضبط الأوضاع المالية على الإصلاحات البنيوية المهمة التي تضمنها الاتفاق الجديد، وخاصة التدابير اللازمة لإصلاح نظام معاشات التقاعد، والنظام القانوني، وأسواق المنتجات، والإدارة العامة، والسلطة القضائية. وسوف يكون التنفيذ بالغ الصعوبة حتى في غياب الأهداف المالية مفرطة الصرامة، وقد يكون مستحيلاً في وجودها.

على سبيل المثال، كانت المحاولات السابقة لإصلاح نظام التقاعد جزئية وغير حاسمة، مع تسبب الاستثناءات وفترات السماح في تقويض فعاليتها.

وعلى نحو مماثل، فرغم بدء محاولات إصلاح قانون الإجراءات المدنية الذي يهدف إلى تحسين كفاءة النظام القضائي في عام 2011، فلم يتحقق قدر كبير من التقدم، وهو ما يرجع بشكل كبير إلى فشل الحكومة في مواجهة المعارضة من قِبَل نقابات المحامين، والتي من الممكن أن تخسر الرسوم الزائدة التي تتقاضاها من الإجراءات غير المجدية.

وبرغم إرساء الأساس لإصلاحات سوق المنتجات، فلم يتم اتخاذ أي استعدادات جدية لإصلاح الإدارة العامة.

بناء إجماع شعبي
ويتمثل المفتاح إلى التغلب على هذه التحديات في امتلاك الشعب اليوناني الإصلاحات، حتى تكون الغَلَبة للصالح العام على المصالح الخاصة. ولكن هذا أيضاً سوف يكون صعبا، وذلك بسبب وجهة النظر المنتشرة على نطاق واسع، والتي تزعم أن الإصلاحات مفروضة على اليونان من قِبَل الدائنين، ويتعين على تسيبراس أن يتقدم الطريق من خلال بناء إجماع أوسع.

وتشكل تفاصيل تشريع الإصلاح أهمية كبيرة، فبدلاً من محاولة الوفاء بمواعيد نهائية لا يمكن الوفاء بها، ينبغي للمشرعين أن يتقدموا بسرعة متروية مدروسة.

ومن ناحية أخرى، سوف تحتاج البنوك اليونانية -التي بات من المرجح الآن نظراً لأحجام القروض المتعثرة الهائلة لديها أن تعاني من الإعسار وليس مجرد نقص السيولة- إلى عملية إعادة رسملة ضخمة، بتمويل من آلية الاستقرار الأوروبي، وليس الدولة اليونانية، من أجل كسر الارتباط بين الديون المصرفية والديون السيادية، وقد تنطوي العملية على إعادة الهيكلة أيضا.

يتمثل المفتاح إلى التغلب على التحديات في امتلاك الشعب اليوناني الإصلاحات، حتى تكون الغَلَبة للصالح العام على المصالح الخاصة

ولا يجب لهذا الجهد أن يشمل إشراك المودعين في الخسائر، وهو ما قد يخلف عواقب اجتماعية مدمرة، أو ملكية الدولة اليونانية البنوك، وهو ما قد يرسخ المحسوبية في النظام المالي، ومن الممكن أن تبيع آلية الاستقرار الأوروبي البنوك في مزاد مفتوح في وقت لاحق لاسترداد استثماراتها.

وقد أطلق كثيرون في اليونان، فضلاً عن البعض في الخارج، على الاتفاق الجديد وصف "القمع الاستعماري الجديد".

والواقع أن إذلال اليونان في المفاوضات استحضر ذكريات تعامل صندوق النقد الدولي مع الرئيس الإندونيسي أثناء الأزمة المالية الآسيوية عام 1997. (يشعر بعض الدائنين بأنهم الضحايا الحقيقيون، الذين استغلهم نظراؤهم اليونانيون الذين لم تكن لديهم النية قط للوفاء بوعودهم).

لكن يتعين على اليونانيين أن ينحوا جانباً هذه الاستجابات العاطفية، ويدركوا الحاجة إلى العديد من الإصلاحات المقترحة.

فقد سمح فشل اليونان في تنفيذ هذه الإصلاحات للمحسوبية، وسيطرة القِلة، والتهرب الضريبي الذي يشكل أساس الخلل الاقتصادي والسياسي، بالاستمرار دون ضابط أو رابط عمليا.

والبديل هو خروج اليونان من منطقة اليورو (يُعَد اقتراح وزير المالية الألماني فولفجانج شويبله بأن تأخذ اليونان "استراحة" من اليورو ضرباً من ضروب الخيال).

وينبغي لخبراء الاقتصاد الذين يتظاهرون بأن هذا قد يعني أي شيء أقل من كارثة اقتصادية وسياسية بالنسبة لليونان أن ينظروا عن كثب إلى بنية التجارة اليونانية، واستجابة الصادرات الهزيلة لخفض القيمة الداخلي الضخم بالفعل، والموازنات العامة للشركات والأسر.

الواقع أن البعض سيرحبون بالضرر الذي قد يلحق بالوحدة الأوروبية نتيجة لهذا؛ ولكننا لن نفعل. صحيح أن الاتفاق الأخير ليس مثاليا، ولكن يتعين على اليونان ودائنيها أن يبذلوا قصارى جهدهم لإنجاحه.
ــــــــــــــــــــــــــــ
كتاب المقال الثلاثة أساتذة في مدرسة لندن لإدارة الأعمال.

المصدر : بروجيكت سينديكيت