مستقبل السياحة بدول الربيع العربي

قضايا اقتصادية - مستقبل السياحة بدول الربيع العربي

عبد الحافظ الصاوي

هبوط كبير للإيرادات
فترات انتعاشة وانتكاسة
استشراف المستقبل
سوء أوضاع أوروبا

بعد تفجيرات شاطئ سوسة في تونس الأسبوع الماضي ومن قبلها بأسابيع تفجيرات الأقصر في مصر تكون السياحة في دول الربيع العربي قد منيت بخسائر كبيرة، في حين انتهى أمر السياحة في كل من اليمن وسوريا نتيجة الحرب الدائرة فيهما، بينما لم تكن ليبيا مقصدا سياحيا.

ولكن كلا من مصر وتونس كانتا تعولان على تعافي السياحة فيهما مرة أخرى، ولا سيما أن هذا القطاع يشكل رقما مهما في اقتصاد البلدين، ولكن تفجيرات سوسة قضت على آمال تعافي السياحة في الأجل القصير، وليست مصر بأحسن حالا من تونس بعد تفجير الأقصر واغتيال النائب العام هشام بركات، واستمرار غياب الاستقرار السياسي والأمني.

ولم تكن السياحة نشاطا هامشيا في اقتصادات دول الربيع العربي، سواء فيما يتعلق بالعوائد من النقد الأجنبي، أو في تشغيل العمالة، أو في مساهمتها بتشغيل قطاعات أخرى مثل النقل والزراعة والصناعات الغذائية والبناء والتشييد.

هبوط كبير للإيرادات
وحسب بيانات البنك الدولي شكلت عائدات السياحة في دول الربيع العربي (تونس ومصر واليمن وليبيا وسوريا) في العام 2010 نحو 24.5 مليار دولار، كان لمصر منها النصيب الأوفر بنحو 13.6 مليار دولار، ثم سوريا بنحو 6.3 مليارات دولار، وحلت تونس ثالثا بنحو 3.4 مليارات دولار، في حين كان حظ ليبيا هو الأقل بعائدات قيمتها 170 مليون دولار فقط.

بعد مضي نحو ثلاث سنوات على ثورات الربيع العربي، توضح بيانات البنك الدولي في 2014 أن الإيرادات السياحية لدول تونس ومصر واليمن بنسبة فاقت 55% لتنتقل من 24.5 مليار دولار في 2010 إلى 11 مليار دولار

وبعد مضي نحو ثلاث سنوات من ثورات الربيع العربي، توضح بيانات البنك الدولي في 2014 مدى التراجع في الإيرادات السياحية لهذه الدول لتصل إلى قرابة 11 مليار دولار، أي أن الخسائر بلغت 13.6 مليار دولار، لتصل نسبة انخفاض الإيرادات في 2013 إلى 55.5% مقارنة بما كانت عليه في العام 2010.

مع العلم بأن الإيرادات الخاصة بالعام 2013 لا تتضمن سوريا وليبيا لدخولهما في حرب مسلحة مبكرة أدت لاستحالة استمرار نشاط السياحة، ولذلك تنعدم البيانات عنهما.

فترات انتعاشة وانتكاسة
والملاحظ أن السياحة في مصر وتونس تتعرض لفترات من الانتعاش ثم الانتكاسة بسبب الأوضاع السياسية والأمنية غير المستقرة في البلدين، غير أن القطاع لم يبلغ في أحسن أحوالها معدلات الأداء المسجلة قبل اندلاع الثورات.

ما من شك أن الأحداث السلبية التي تلت ثورات الربيع العربي أثرت بشكل كبير على اقتصادات تلك الدول، إذ خسرت كل من سوريا واليمن وليبيا عائداتها السياحية، فيما تأثرت الإيرادات في كل من مصر وتونس، وتسبب تراجع الإيرادات في البلدين الأخيرين بأزمة حقيقية فيما يتعلق باحتياطيات النقد الأجنبي وسعر صرف عملتيهما.

وعقب حادثي سوسة والأقصر لوحظ مغادرة السياح لتونس بأعداد كبيرة، كما ألغت شركات أوروبية رحلاتها إلى الأقصر، ويضفي ذلك دلالة سلبية على الرحلات السياحية الغربية لمصر في الفترة القادمة.

وإذا كانت مصر تعول على السياحة لتخفيف حدة البطالة، فإن الأحداث الأخيرة تلقي بظلالها السلبية على معدلات البطالة، ففي مصر لا يزال المعدل في حدود 13%، وتصل النسبة في تونس إلى نحو 15%، في حين كانت البطالة في الأولى في العام 2010 تقدر بـ8.5% وفي تونس بـ5%.

وثمة أمر مهم يتصل بمساهمة قطاع السياحة في الناتج المحلي الإجمالي لدول الربيع العربي، ففي مصر يمثل القطاع 3% حسب بيانات العام 2013، وتبلغ النسبة في تونس 5.9% في العام نفسه. ورغم الأهمية الاقتصادية للسياحة لا تزال قطاعا تابعا يتأثر بالتقلبات المحلية والإقليمية والدولية بشكل كبير.

استشراف المستقبل
لن تقوم للسياحة قائمة في ثلاث من دول الربيع (سوريا واليمن وليبيا) حتى تضع الحرب أوزارها، وعلى ما يبدو أن الأوضاع السيئة ستطول في تلك البلدان لفترة قد تصل لأكثر من عامين، وذلك بسبب تدخل قوى إقليمية في الحرب، وقد فشلت العديد من المساعي السياسية لإنهاء الصراع المسلح هناك.

سيكون الحفاظ على المعالم السياحية وكذلك المنشآت السياحية دون أضرار في هذه الفترة إنجازا في حد ذاته، وإن كانت العمالة في السياحة هي الخاسر الأكبر بسبب فقدانها لمصدر رزقها

وسيكون الحفاظ على المعالم السياحية وكذلك المنشآت السياحية دون أضرار في هذه الفترة إنجازا في حد ذاته، وإن كانت العمالة في السياحة هي الخاسر الأكبر بسبب فقدانها لمصدر رزقها. كما أن الاستثمارات في هذا القطاع ستظل معطلة، وقد تضار من هذا الأمر بنوك مولت بعض تلك الاستثمارات.

نظرا لتشابه الظروف التي تمر بها مصر وتونس فإنهما كانتا تأملان في الفترة الماضية أن تعود السياحة إلى سابق عهدها قبل العام 2011، ولكن المستجدات التي تعصف بالأمن والاستقرار في البلدين تحول دون تحقيق هذه الآمال.

سوء أوضاع أوروبا
وثمة عامل آخر مهم يضاف لظروف كل من مصر وتونس، وهو الأوضاع الاقتصادية السيئة في أوروبا، حيث تمثل السياحة الأوروبية في كل من مصر وتونس نسبة عالية، إذ تشكل في مصر 76.7% وفي تونس 64%.

وقد تنجح بعض الدول مثل مصر في تأمين بعض أماكنها السياحية، ولكن ذلك لن يمكنها من ضمان عودة نشاط القطاع بكامل طاقته، فالصورة الإجمالية عن مصر وباقي دول الربيع العربي ستظل موسومة بحالة من عدم الاستقرار، وهو ما يعني عدم شعور السائح بالأمان، وبالتالي سينصرف إلى بلدان أخرى توفر له هذه الحاجة.

ولن يكون الثمن الذي ستدفعه دول الربيع العربي سهلا نتيجة تدهور قطاع السياحة بها، كما أن استعادة نشاط القطاع سيستغرق وقتا يتحدد بخروج هذه البلدان من أزماتها السياسية، والتي لا يلوح لها حل في الأفق المنظور.
ـــــــــــــ
كاتب مصري

المصدر : الجزيرة