احتجاج حاشد ببرلين على اتفاقيتين للتجارة الحرة

خالد شمت-برلين

 

غصت شوارع العاصمة الألمانية برلين طيلة نهار أمس بمئات الآلاف من المتظاهرين الذين توافدوا إليها من عدد كبير من المدن الأخرى للتعبير عن معارضتهم لاتفاقيتي التجارة الحرة المزمعتين بين الاتحاد الأوروبي وكلا من الولايات المتحدة وكندا، وطالب المشاركون حكومة المستشارة أنجيلا ميركل بإنهاء المفاوضات الدائرة بشأن الاتفاقية الأولى وعدم التوقيع على الثانية.

ودعا إلى هذه المظاهرة الحاشدة حزبا الخضر واليسار المعارضان، ومنظمات حماية البيئة ومناهضة العولمة وحماية المستهلك، وقدرت الشرطة عدد المشاركين فيها بأكثر من مئة وخمسين ألفا، غير أن منظميها ذكروا أن العدد بلغ ربع مليون شخص يمثلون كافة التيارات السياسية وفئات المجتمع الألماني.

وجاب المتظاهرون الشوارع الرئيسية في قلب برلين حيث مقر المستشارية والبرلمان والوزارات، رافعين لافتات تعبر عن التنديد بنفوذ المجموعات التجارية والصناعية الأميركية على السياسة في ألمانيا وأوروبا عموما، ورفض استخدام الجينات الوراثية في الزراعة والمواد الغذائية والهرمونات والاستنساخ في إنتاج اللحوم.

أكبر سوق
وتركزت معظم شعارات ولافتات المظاهرة على رفض اتفاقية تحرير التجارة الأوروبية الأميركية، التي تدور المفاوضات بشأنها بين الجانبين بشكل سري منذ يوليو/تموز 2013، وتهدف الاتفاقية إلى إقامة أكبر سوق للتجارة الحرة في العالم قوامها ثمانمئة مليون مستهلك، وذلك عبر إزالة الحدود الجمركية، وتوحيد المعايير التجارية لضمان تدفق السلع والخدمات بين ضفتي المحيط الأطلسي.

‪شافان: مواصلة المفاوضات التجارية مع أميركا بطريقة سرية غير مبرر‬ (الجزيرة)
‪شافان: مواصلة المفاوضات التجارية مع أميركا بطريقة سرية غير مبرر‬ (الجزيرة)

وعبّر متحدثون في بداية وختام المظاهرة عن تخوفهم من تسبب الاتفاقية بصيغتها الحالية المتفاوض حولها في تردي المعايير البيئية والصحية والاجتماعية، وقواعد حماية المستهلك وعدالة المنافسة، وتقليص حقوق العمال، وتجاوز المؤسسات الديمقراطية في الاتحاد الأوروبي.

غير أن غيزينا شافان المرشحة السابقة للرئاسة الألمانية والقيادية بالحزب الاشتراكي الديمقراطي -وهو مشارك في التحالف الحكومي- رفضت في تصريح للجزيرة نت إنهاء المفاوضات الدائرة بشأن الاتفاقية رغم كل الانتقادات والتحفظات الموجهة لها.

واعتبرت شافان أن الدعوة إلى مواصلة هذه المفاوضات بشكل سري غير مبررة، ودعت إلى إشراك الدول النامية ودول الجنوب الفقيرة في هذه الاتفاقية.

وكان وزير الاقتصاد الألماني زاغمار غابرييل قد وجه للألمان خطابا مفتوحا نشره في صحف عدة، وعبر فيه عن تمسكه باتفاقية التجارة الحرة والاستثمار مع الأميركيين، معتبرا أن الاتفاقية لن تؤدي إلى تراجع المعايير الأوروبية، وستتيح لأوروبا المشاركة في صياغة معايير للعولمة.

بالمقابل، يرى رئيس اتحاد نقابات العمال الألمانية راينر هوفمان أن الاتفاقية تهدف إلى تكريس مكاسب ومصالح المجموعات الصناعية والتجارية الكبرى على ضفتي الأطلسي، كما تهدد حقوق العمال والأجور والمستهلكين والأنظمة الاجتماعية والبيئية في الاتحاد الأوروبي.

‪هوفمان: الاتفاقية تهدف لتكريس مصالح مجموعات اقتصادية كبرى‬ (الجزيرة)
‪هوفمان: الاتفاقية تهدف لتكريس مصالح مجموعات اقتصادية كبرى‬ (الجزيرة)

وأشار هوفمان في تصريح للجزيرة نت إلى أن استمرار مفاوضات بشأن الاتفاقية بطابعها السري لن يعطيها الفرصة للتحول إلى الواقع، وذلك بالنظر إلى الحاجة إلى التصديق عليها من لدن برلمانات الدول الثماني والعشرين الأعضاء بالاتحاد الأوروبي وكذا البرلمان الأوروبي.

أضرار خطيرة
ومن جانب آخر، دعا رئيس الاتحاد الألماني لحماية البيئة هوبرت فايغر حكومة ميركل إلى إنهاء المفاوضات حول التجارة الحرة مع الأميركيين، وعدم التوقيع على الاتفاقية المماثلة مع كندا.

وأوضح فايغر في تصريحات للجزيرة نت أن الاتفاقية ستكون لها تداعيات صحية وبيئية خطيرة، لأنها "ستؤدي إلى التخلي عن معايير الجودة التي ناضلت من أجلها أوروبا طويلا، وإغراق الأسواق بمنتجات زراعية أميركية رخيصة معالجة بالجينات الوراثية، ولحوم منتجة باستخدام الهرمونات والاستنساخ والكلور".

وأشار رئيس الاتحاد الألماني للبيئة إلى أن الاتفاقية تتضمن بنودا اقتصادية خطيرة تخلّ بعدالة المنافسة التجارية، وتسمح للمستثمرين الأميركيين بمقاضاة ألمانيا، وطلب تعويض إذا رأوا أنها تتعامل معهم بشكل غير عادل. ولفت إلى أن الاتفاقية تلزم الدول الأوروبية بإبلاغ واشنطن بأي خطط تجارية تعتزم اعتمادها، وإعطاءها الحق في الاعتراض على ما لا يناسبها من هذه الخطط.

المصدر : الجزيرة