الغاز الإيراني بين تحديات أوروبا والمتوسط

تامر بدوي - رغم ثقل العثرات الاقتصادية و العوائق السياسية على مدار الأعوام السابقة, لا تزال خطط تصدير الغاز الإيراني إلى قلب أوروبا ماثلة أمام صانع القرار في طهران و في قائمة أولوياته

تامر بدوي

فرص إيران لتصدير غازها غربا
مناورات موسكو وانعكاساتها
غاز شرق المتوسط على خط المنافسة

فرص إيران في ظل جهود تنويع الواردات

بالرغم من ثقل العثرات الاقتصادية والعوائق السياسية على مدار الأعوام السابقة، لا تزال خطط تصدير الغاز الإيراني إلى قلب أوروبا ماثلة أمام صانع القرار في طهران وفي قائمة أولوياته.

فضلا عن العوائق المحلية التي تبدأ من الارتفاع المستمر لمعدلات الاستهلاك حتى مشاكل التمويل، تلعب التحولات الجيوسياسية والاقتصادية في شرق أوروبا والشرق الأوسط دورا مؤثرا في تشكيل المساحات التي يمكن أن يصل من خلالها الغاز الإيراني إلى القارة الخضراء

وقد أعطى اتفاق جنيف وسلسلة الجولات التفاوضية دفعة لهذه الخطط، على الرغم من تعقيدات المسألة النووية الإيرانية التي تحول دون رفع العقوبات بصورة كاملة.

وناهيك عن العوائق المحلية التي تبدأ من الارتفاع المستمر لمعدلات الاستهلاك حتى مشاكل التمويل، تلعب التحولات الجيوسياسية والاقتصادية في شرق أوروبا والشرق الأوسط دورا مؤثرا في تشكيل المساحات التي يمكن أن يصل من خلالها الغاز الإيراني إلى القارة الخضراء.

لذلك، قد يبدو تصريح الرئيس حسن روحاني بأن إيران قادرة على تصدير 25 مليار متر مكعب من الغاز الطبيعي إلى أوروبا سنويا، كثير التفاؤل مقارنة بتعقيدات الواقع الداخلي والخارجي.

فرص إيران لتصدير غازها غربا
أحرزت طهران مؤخرا تقدما كبيرا في تطوير مشروعات المنبع (Upstream) بحقل فارس الجنوبي، ليرتفع حجم إنتاجها من الغاز الطبيعي بصورة معتبرة بعد تأخير.

ومنذ أواسط عام 2013، بدأت طهران تركز على تطوير الحقل الضخم المقسم إلى 24 مرحلة، والذي يشكل 45% من مجموع إنتاجها.

وبحسب تصريحات لمسؤولين بوزارة النفط نقلتها وكالة فارس، فإنه بحلول نهاية العام الجاري سيُضاف 100 مليون متر مكعب يوميا إلى حجم الإنتاج الحالي، بفضل تطوير خمسة مراحل من المشروع (المراحل 12، 15، 16، 17، 18).

ووفقا لتقديرات، إذا انتهت إيران تماما من المراحل الخمسة المذكورة بحلول 2016 فسيرتفع إنتاجها اليومي إلى 730 مليون متر مكعب يوميا، وإذا انتهت من المراحل الباقية (14 مرحلة) بحلول عام 2020 فسيصل إنتاجها تقريبا إلى 1.1 مليار متر مكعب يوميا.

أما فيما يخص إنتاجها السنوي، فقد صرح المدير التنفيذي لشركة الغاز الوطنية الإيرانية حميد رضا عراقي أن إيران تنتج 189 مليار متر مكعب من الغاز سنويا في الوقت الحالي، وسيرتفع إلى 330 مليار متر مكعب في السنوات الأربع القادمة. ولكن بحسب تقديرات أخرى لمراقبين غربيين، سيرتفع إنتاج إيران من الغاز إلى حدود 210-230 مليار متر مكعب فقط في 2018 إذا توفر التمويل والتقنيات اللازمة.

على الرغم من هذا التقدم، هناك عاملان سيشكلان سياسات تصدير إيران للغاز الطبيعي:

أولا تراجع حجم التمويل: بالانخفاض الكبير في أسعار النفط الذي شهدته الأسواق العالمية واتساع عجز الموازنة العامة الإيرانية، سيتقلص حجم الإنفاق في موازنة 2015-2016 وبالتالي ستتقلص المخصصات المالية لوزارة النفط الإيرانية والشركات الوطنية المسؤولة عن تطوير مشروعات الغاز. من هنا، ستتأثر عمليات التنقيب والاستخراج والنقل بهذه التحولات إذا استمر هبوط الأسعار طويلا.

ثانيا: ارتفاع معدلات الاستهلاك: تعاني إيران من ارتفاع مستمر في معدلات الاستهلاك المحلي للغاز الطبيعي، وخاصة في قطاع الإسكان حيث تضاعف معدل نمو الاستهلاك 60 مرة منذ عام 1980.

إذا استمر معدل النمو المحلي على الغاز في إيران بالارتفاع فلن يتبقى إلا القليل للتصدير على المدى المتوسط والبعيد، في ظل التزامات طهران الحالية بتصدير غازها إلى العراق وعمان، فضلا عن تركيا زبونها الأهم

وارتفع حجم الاستهلاك المحلي في العام الجاري مع برودة الشتاء إلى 450 مليون متر مكعب يوميا. وبحسب إحصاءات شركة الغاز الوطنية، كانت هذه الزيادة بحجم 90 مليون متر مكعب يوميا مقارنة بالعام الماضي، في حين أن درجات الحرارة لم تختلف كثيرا. و من المتوقع أن يزيد حجم الطلب المحلي على الغاز الطبيعي قريبا إلى 550 مليون متر مكعب يوميا. ووفقا لحميد رضا عراقي، واجهت إيران نقصا في الغاز بلغ 200 مليون متر مكعب يوميا العام الماضي (في شهور الشتاء).

وإذا استمر معدل النمو في هذا الارتفاع لن يتبقى إلا القليل للتصدير على المدى المتوسط والبعيد، في ظل التزامات طهران الحالية بتصدير غازها إلى العراق وعمان، فضلا عن تركيا زبونها الأهم.

مناورات موسكو وانعكاساتها
بقدر ما توفر فجوة الطاقة المتسعة بازدياد بين موسكو وبروكسل فرصا لإيران، ستتعرض طهران لتأثيرات سلبية بسبب مناورات موسكو الأوروبية.

بعد سد الباب في وجه بناء خط ساوث ستريم (السيل الجنوبي) الروسي من قبل المفوضية الأوروبية، اتفق الجانبان الروسي والتركي في أوائل ديسمبر/كانون الأول من العام الجاري على بناء خط غاز بديل يمر عبر البحر الأسود والأراضي التركية إلى جنوب شرق أوروبا، بدلا من بلغاريا مباشرة. من مجموع 63 مليار متر مكعب من الغاز الروسي سيتم تصديرها، ستتلقى تركيا 14 مليار متر مكعب سنويا ليتبقى 50 مليار متر تقريبا للزبائن الأوروبيين. بالإضافة لذلك، ستزيد طاقة خط البلو ستريم -الذي تستورد من خلاله تركيا الغاز الروسي- من 16 مليار متر مكعب إلى 19-20 مليار متر مكعب سنويا.

المشكلة بالنسبة لإيران هي أن سوق الغاز التركية ستصبح أكثر تشبعا خلال العقد القادم وبالتالي سيتراجع الطلب على الغاز الإيراني مع الأخذ في الاعتبار أن الغاز الروسي الذي تستورده أنقرة من موسكو حاليا أقل تكلفة من نظيره الإيراني، بل ستحصل أنقرة على تخفيضات معتبرة على ما ستستورده من موسكو نظير سماحها للغاز الروسي بالعبور إلى الدول الأوروبية المستهلكة. فبحسب توقعات، لن يستمر الاقتصاد التركي في نموه السريع الذي شهدته السنوات السابقة.

من المتوقع أن يصل مجموع طلب دول جنوب شرق أوروبا ودول وسط أوروبا (ما عدا تركيا وإيطاليا) التي يمكن أن يصل لها الغاز الإيراني إلى 62.3 مليار متر مكعب في 2025، ثم 65.2 مليار متر مكعب في 2030.

وفي حال تصدير موسكو للكمية السابق ذكرها بحسب الاتفاق الجديد، ربما لن يتبقى لإيران ومنافسيها مستقبلا في جنوب شرق ووسط أوروبا، سوى 12 ثم 15 مليار متر مكعب على التوالي للسنوات السابق ذكرها وفقا للتوقعات الحالية (وذلك إذا تجاهلنا حجم الصادرات الروسية مستقبلا عبر الخطوط القديمة التي تمر بأوكرانيا، وحجم واردات الغاز المسال المتوقعة مستقبلا).

هناك العامل الأذربيجاني الذي سيتحكم أيضاً في مرور الغاز الإيراني إلى أوروبا عبر ثنائي خطوط العابر للأناضول والأدرياتيكي (TANAP-TAP). عبر هذا المشروع، ستصدر باكو 16 مليار متر مكعب من الغاز بحلول 2018، منها 6 مليارات لتركيا و10 مليارات إلى أوروبا. و بالتالي إذا اختارت طهران التفاوض مع باكو و تصدير غازها عبر ثنائي الخطوط (وهو الخيار الأكثر واقعية) ستصبح مقيدة بحصص ستحددها طاقات ضخ الغاز من حقلي شاه دنيز وابشيرون، وكذلك معدلات الاستهلاك المحلي للغاز بأذربيجان التي ستقيد أو توفر كميات أكبر للتصدير.

غاز شرق المتوسط على خط المنافسة
بحسب ما يرى بعض المراقبين، يسهل الاتجاه الحالي لإعادة ترسيم الحدود البحرية المصرية القبرصية اليونانية، مخطط الثلاثي تل أبيب-اليونان-قبرص، لمد خط غاز من الحقول التي تسيطر عليها إسرائيل وقبرص إلى المستهلك اليوناني والأوروبي.

لذلك، فإن الشقاق بين أنقرة والقاهرة الذي دفع الأخيرة للتكتل مع خصوم ومنافسي تركيا الإقليميين وإعادة ترسيم حدودها البحرية معهم، قد تكون له انعكاساته غير المباشرة أيضاً على خطط طهران لتصدير الغاز على المدى المتوسط.

على إثر الأزمة الأوكرانية، برزت أهمية إنشاء خط غاز لتصدير غاز شرق المتوسط إلى اليونان وأوروبا كإحدى خيارات تنويع دول الاتحاد لوارداتها من الغاز بعيدا عن موسكو. من المتوقع أن يمتد طول خط الغاز الإسرائيلي القبرصي اليوناني إلى 1530 كلم، وبطاقة تصدير إسرائيلية قبرصية تتراوح بين 8 و15 مليار متر مكعب سنويا من الغاز الطبيعي.

من المخطط ربط أنبوب الغاز بالخط الرابط بين اليونان وإيطاليا (IGI-Poseidon). بذلك ستستهدف الصادرات الإسرائيلية القبرصية ذات الأسواق التي ستستهدفها إيران وأذربيجان. الجدير بالذكر، سيكون الطلب اليوناني على الغاز متواضعا جدا إذ سيصل إلى 3.85 مليارات متر مكعب في 2025، ثم سيتراجع قليلا إلى 3.64 مليارات متر في 2030. مقارنة بطلب اليونان، الطلب الإيطالي على الغاز الطبيعي سيكون واعدا بالنسبة للمُصدرين.

فرص إيران في ظل جهود تنويع الواردات
أخيراً، ناهيك عن عوائق الداخل، هناك عاملان سيساهمان بشكل معتبر في تشكيل مستقبل صادرات الغاز الإيرانية إلى أوروبا:

احتمال عودة منطقة اليورو واقتصادات الاتحاد الأوروبي عموما إلى حالة الركود -وخاصة الدول الجنوبية الشرقية- سيعني استمرار تباطؤ الطلب الأوروبي على الغاز الطبيعي

العامل الاقتصادي: احتمال عودة منطقة اليورو واقتصادات الاتحاد عموما إلى حالة الركود، وخاصة الدول الجنوبية الشرقية، سيعني استمرار تباطؤ الطلب الأوروبي على الغاز الطبيعي، وبالتالي تضرر الدول المُصدرة. ولكن من ناحية أخرى، من المفترض أن يعطي هبوط أسعار النفط دفعة لهذه الاقتصادات وبالتالي المخصصات المالية التي تقدمها بروكسل لدعم مشروعات بنية تحتية تربط المُنتجين الآسيويين بالمستهلكين الأوروبيين كالممر الجنوبي.

العامل الجيوسياسي: تعتمد صادرات الغاز الروسية إلى أوروبا على عقود طويلة المدى تمتد من 10 سنوات إلى 35. وتقوم تلك العقود على نظام (Take-or-pay) الذي يلزم المستهلكين الأوروبيين بشراء حد أدنى من الغاز الروسي سنويا بغض النظر عن حاجتهم له. فبقدر ما ستتراجع تلك الكميات الكبيرة تدريجيا في السنوات القادمة سيتاح للمُصدرين الجدد مساحات جديدة. ولكن السؤال المهم، هل ستجدد الدول الأوروبية عقودها مع روسيا -مع انتهاء عدد منها قريبا- أم لن تجددها على خلفية مخاوف جيوسياسية من روسيا لصالح مُصدرين جدد؟

في ظل التحولات الجيوسياسية التي باتت تعصف بشرق أوروبا وتلك التحولات الاقتصادية التي تزيد من الضغط على الكرملين، أصبحت إيران في سباق زمني لتسوية ملفها النووي حتى تستطيع الولوج إلى أسواق الطاقة الأوروبية في ظل ازدياد عدد المنافسين.
ـــــــــــــــ
 متخصص في الشأن الإيراني والعلاقات الدولية

المصدر : الجزيرة