أثر هبوط أسعار النفط على أوروبا

صباح نعوش..هبطت أسعار النفط بصورة لم يسبق لها مثيل منذ سنوات نتيجة لعوامل اقتصادية وسياسية ويقود هذا الوضع إلى تحسن الحالة المالية المتردية في أوروبا، لكن لا يجوز المبالغة في مكاسبه

 صباح نعوش

الحالة المالية المتردية بأوروبا
حدود الإيجابيات
الضرائب تمتص هبوط الأسعار
تأثير ضعيف على القدرة التنافسية

الحالة المالية المتردية بأوروبا
هبطت أسعار النفط بصورة لم يسبق له مثيل منذ سنوات نتيجة لعوامل اقتصادية وسياسية. يقود هذا الوضع إلى تحسن الحالة المالية المتردية في أوروبا، لكن لا يجوز المبالغة في مكاسبه.

ويفترض أن يقود انخفاض أسعار النفط إلى دعم القوة الشرائية فيرتفع الاستهلاك وتتحسن معدلات النمو، وبالتالي تزداد الاستثمارات وفرص العمل.

ويسجل الميزان التجاري لدول الاتحاد الأوربي فائضاً طفيفاً. ففي عام 2012 بلغت صادراته 4019 مليار دولار ووارداته 3957 مليار دولار (إحصاءات التجارة الدولية لمنظمة التجارة العالمية لعام 2013). وإذا كانت ألمانيا تحقق فائضاً بمبلغ 240 مليار دولار فإن فرنسا تسجل عجزاً قدره 105 مليارات دولار.

ولما كانت أوروبا تستورد الجزء الأكبر من حاجاتها النفطية فإن هبوط أسعار الخام يعني انخفاض الاستيراد وبالتالي يرتفع الفائض في بعضها ويتقلص العجز في بعضها الآخر.

لما كانت أوروبا تستورد الجزء الأكبر من حاجاتها النفطية فإن هبوط أسعار الخام يعني انخفاض الاستيراد وبالتالي يرتفع الفائض في بعضها ويتقلص العجز في بعضها الآخر.

فقد بلغت الواردات النفطية الأوروبية 531.7 مليون طن في السنة. ونظراً لهبوط سعر البرميل من 111.8 دولاراً في أبريل/نيسان إلى 82.7 دولاراً في أكتوبر/تشرين الأول فإن مبلغ الواردات السنوية سينتقل من 427.9 مليار دولار إلى 316.5 مليار دولار.

ستوفر أوروبا إذاً 109.6 مليارات دولار خلال سنة أي ما يعادل 86.2 مليار يورو.

من هذه الزاوية المالية البحتة ستكون ألمانيا المستفيد الأكبر حيث ستوفر 22.1 مليار دولار الأمر الذي يرفع فائضها التجاري، تليها فرنسا التي ستوفر 16.9 مليار دولار فينخفض عجزها التجاري، ثم إسبانيا (12.3 مليار دولار) فإيطاليا (11.6 مليار دولار)، عندئذ ترتفع الاستثمارات ويتحسن النمو ناهيك عن ازدياد الثقة بالسياسة الاقتصادية المتبعة. يسهم هذا التطور في معالجة الأزمة الاقتصادية الحالية.

كما قاد عجز الميزانيات العامة المصحوب بتباطؤ النمو إلى ارتفاع هائل ومستمر للديون العامة، وبات حجمها يتجاوز الحد الأقصى المسموح به في ميثاق الاستقرار والنمو وهو 60% من الناتج المحلي الإجمالي، وشمل التجاوز أقوى اقتصاد أوربي، فقد بلغت ديون ألمانيا 81% من الناتج المحلي الإجمالي لعام 2013، وترتفع النسبة في فرنسا والبرتغال وإيطاليا لتصل في اليونان إلى 175%.

يعكس تراكم هذه الديون العامة مدى خطورة الأزمة المالية، وباتت البرامج الإصلاحية لجميع الدول الأوروبية ترتكز على ضرورة التخفيف من حدتها، وينتظر أن يحقق انخفاض أسعار النفط نتائج أفضل من تلك التي نجمت عن هذه البرامج. سترتفع الدخول والاستهلاك وعندئذ تزداد حصيلة الضرائب المباشرة وغير المباشرة فتتحسن إيرادات الدولة ويهبط بالتالي العجز المالي، وسيقود هذا الهبوط إلى انخفاض الديون العامة.

أما الشركات الأوروبية الكبرى المستهلكة للنفط لا سيما شركات النقل فقد حققت نتائج إيجابية على إثر تراجع أسعار النفط.

وتعتبر شركات النقل الجوي من كبار المستهلكين حيث يمثل الوقود العنصر الثاني من نفقاتها بعد مرتبات موظفيها وعمالها، فحسب التقرير رقم 10 لسنة 2014 الصادر عن الاتحاد الدولي للنقل الجوي يستحوذ الوقود على 30% من نفقات هذه الشركات. ووفق تقارير أخرى يلاحظ أنه في عام 2011 بلغت كلفة الوقود لشركة أيرفرانس 6.4 مليارات يورو، ولشركة لوفتهانزا 7.5 مليارات يورو، وعلى هذا الأساس استفادت هذه الشركات استفادة كبيرة من هبوط أسعار الخام، لذلك ارتفعت في منتصف أكتوبر/تشرين الأول قيم أسهم جميع شركات النقل الجوي الأوروبية، على سبيل المثال ارتفعت قيمة أسهم لوفتهانزا بنسبة 2.7% وأيرفرانس بنسبة 3.6%.

حدود الإيجابيات

إن فاتورة النفط الأوروبية والبالغة 424 مليار دولار في عام 2012 لم تعد تشكل سوى 2.4% من الناتج المحلي الإجمالي الأوروبي

إن فاتورة النفط الأوروبية والبالغة 424 مليار دولار في عام 2012 لم تعد تشكل سوى 2.4% من الناتج المحلي الإجمالي الأوروبي،ففي ألمانيا وفرنسا وإيطاليا تمثل الواردات النفطية 2.2% من الناتج المحلي الإجمالي لكل منها، وبالمقابل كانت الواردات النفطية الأوروبية تعادل ضعف هذه النسبة في السبعينيات، لهذا السبب تصبح التداعيات الاقتصادية الإيجابية لهبوط أسعار النفط محدودة.

وتصح هذه الملاحظة على الدول الصناعية الأخرى خاصة الولايات المتحدة. في حين تلعب تقلبات الأسعار دوراً بارزاً في بلدان أخرى كالمغرب حيث تصل وارداته النفطية إلى 10.2% من الناتج المحلي الإجمالي, وترتفع النسبة إلى 17.1% في الأردن.

إن تقهقر الأهمية الاقتصادية للنفط في أوروبا نتيجة منطقية لسياستها الخاصة بالطاقة المسماة (20 و20 و20). ففي عام 2020 يتعين تحسين فعالية الطاقة بنسبة 20%، وينبغي تقليص نفث الغازات بنسبة 20%، ولابد من أن تسهم الطاقة المتجددة بنسبة 20% من استهلاك الطاقة الكلية.

تصب هذه السياسة التي تشرف عليها المفوضية الأوروبية في ضرورة العمل على تخفيض استهلاك الوقود الأحفوري خاصة النفط. وقد نجحت أوروبا نجاحاً باهراً في هذا المضمار بدليل أن حجم النفط المستهلك حالياً يعادل حجم النفط المستهلك قبل أربعين سنة.

لاشك أن التبعية النفطية الأوروبية ترتفع سنويا لكن هذا الارتفاع لا يتأتى من زيادة الاستهلاك بل من انخفاض الإنتاج الأوربي خاصة بعد نضوب حقول بريطانية في بحر الشمال.

ومن زاوية أخرى يقود هبوط أسعار النفط إلى انخفاض استيراد الدول النفطية الأمر الذي يؤثر سلبياً على الصادرات الأوروبية. كما يسهم في تراجع استثمارات البلدان النفطية خاصة العربية في أوروبا.

الضرائب تمتص هبوط الأسعار
يفترض أن يقود انخفاض أسعار الخام إلى تقليص مماثل له في سعر الاستهلاك النهائي للمنتجات النفطية، ولكن اعتاد المستهلكون الأوربيون على سياسة أخرى، فعندما يرتفع سعر الخام يزداد سعر الاستهلاك النهائي بنسبة أعلى، وعندما يهبط سعر الخام ينخفض سعر الاستهلاك النهائي بنسبة أقل.

لنطبق الجزء الثاني من هذه السياسة على استهلاك بنزين السيارات في فرنسا والذي يستحوذ على 70% من استهلاك النفط أي 56.2 مليون طن في السنة، وهذا يعادل 176 مليون لتر يوميا (الطن يساوي 7.2 براميل والبرميل يساوي 159 لتراً).

من المعلوم أن النفط يدخل في كلفة إنتاج السلع ونقلها وعلى هذا الأساس كلما تراجعت أسعار الخام هبطت هذه الكلفة وانخفضت أسعار بيع السلع فترتفع بالتالي التنافسية.

في أبريل/نيسان 2011 كان سعر وقود السيارات 1.51 يورو للتر الواحد. وفي أكتوبر/تشرين الأول 2014 أصبح سعره 1.45 يورو. خلال هذه الفترة انخفض سعر الخام من 123.2 إلى 82.7 دولاراً للبرميل أي من 0.774 إلى 0.520 دولاراُ للتر، كما هبطت القيمة التعادلية للعملة الأوربية مقابل العملة الأميركية من 1.39 إلى 1.27 دولاراً لليورو، بمعنى آخر كانت فرنسا في عام 2011 تدفع 0.556 يورو لشراء لتر من النفط الخام وأصبحت في عام 2014 تدفع 0.409 يورو، وبالتالي هبط سعر لتر الخام بمبلغ 14 سنتا في حين لم ينخفض سعر الاستهلاك النهائي إلا بمبلغ 6 سنتات. أما الفرق بينهما (8 سنتات) فيمثل المبلغ الذي ترفض الخزينة الفرنسية التخلي عنه لصالح المستهلكين والذي يصل إلى 14 مليون يورو يوميا، وتجدر الإشارة إلى أن حصيلة الضرائب على المنتجات النفطية في فرنسا بلغت 35 مليار يورو عام 2013. تستطيع هذه الضرائب وحدها تمويل نفقات وزارة الدفاع.

تأثير ضعيف على القدرة التنافسية
يفترض أن يقود هبوط أسعار الخام إلى تحسين القدرة التنافسية للسلع الأوربية داخل وخارج أوروبا. فمن المعلوم أن النفط يدخل في كلفة إنتاج السلع ونقلها. وعلى هذا الأساس كلما تراجعت أسعار الخام هبطت هذه الكلفة وانخفضت أسعار بيع السلع فترتفع بالتالي التنافسية. وهذا أمر في غاية الأهمية لجميع البلدان الأوروبية التي تعتمد معدلات نموها وموازينها التجارية ومستويات العمالة والتضخم على صادرات السلع.

لكن هذا التأثير الإيجابي محدود لأن أسعار الخام لم تهبط إلا بمعدل 26% وهي نسبة غير كافية. وسوف يقترب تحسن التنافسية من الصفر في حالة امتصاص هبوط الأسعار من قبل الضرائب غير المباشرة المفروضة على استهلاك المنتجات النفطية، في حين أن هذه الضرائب ضعيفة نسبياً في الدول الآسيوية المنافسة خاصة الصين والهند.
ــــــــــــــــــــــ
باحث اقتصادي عراقي

المصدر : الجزيرة