هل تخفف المعونات الخارجية أزمة المعوزين؟

هل تخفف المعونات الخارجية أزمة المعوزين؟ كينيث روغوف

مساعدة المعوزين للتغلب على الفقر
تحديد أماكن الحاجة للمساعدات
هل يمكن تحقيق التقدم من دون مساعدات؟

مساعدة المعوزين للتغلب على الفقر
إن الفجوة الهائلة بين أكثر بلدان العالم ثراءً وأشدها فقراً تظل تشكل واحدة من المعضلات الأخلاقية العظمى بالنسبة للغرب. وهي تمثل أيضاً أحد أعظم التحديات التي تواجه الاقتصادات النامية.

لكن هل نعرف حقاً كيف نعين هذه البلدان على التغلب على الفقر؟

في كتابه الجديد البليغ الذي يستند إلى بحث عميق بعنوان "الهروب الكبير.. الصحة والثروة وأصول التفاوت"، يحثنا أنغوس ديتون الأستاذ بجامعة برينستون على توخي الحذر.

وبالنسبة للمهتمين بمسألة الفقر العالمي، فلا أشك أن هذا الكتاب هو الأكثر أهمية فيما يتصل بقضية المساعدات الإنمائية منذ فترة طويلة.

يُلمِح ديتون إلى أن المساعدات الغربية تستخدم في كثير من الأحيان أداةً لتخفيف شعور المانحين بالذنب وليس التخفيف من محنة المتلقين.

إن الفجوة الهائلة بين أكثر بلدان العالم ثراءً وأشدها فقراً تظل تشكل واحدة من المعضلات الأخلاقية العظمى بالنسبة للغرب وهي تمثل أيضاً أحد أعظم التحديات التي تواجه الاقتصادات النامية

ويصدق هذا بشكل خاص عندما تعمل المساعدات على تعزيز أوضاع مختلة في الأصل.

ورغم أن ديتون يدعم مبادرات منتقاة للمساعدات، وبشكل خاص لتقديم المعرفة الطبية والتكنولوجية، فإنه يشكك في قدرة الغالبية العظمى من برامج المساعدات على اجتياز اختبار أبقراط الأساسي المتمثل في التأكد من "عدم إلحاق المزيد من الضرر بالمريض".

تحديد أماكن الحاجة للمساعدات
بادئ ذي بدء، يتطلب تقييم وتنفيذ أي برنامج للمساعدات تطوير أدوات قادرة على إجراء فحص دقيق لتحديد أين تشتد الحاجة لها.

وقد حدد خبراء الاقتصاد بعض المؤشرات المفيدة في هذا السياق، لكن يبدو أن هذه المؤشرات أقل دقة وتحديداً من أن يفهمها الساسة ووسائل الإعلام.

يتفق أغلب الخبراء، ومعهم ديتون، على أن ما لا يقل عن مليار إنسان على كوكب الأرض يعيشون في ظروف بائسة شبيهة بالظروف التي كانت سائدة قبل مئات السنين. وفشلنا في تخفيف محنتهم هو في الواقع أمر بغيض يستحق اللوم والتوبيخ.

لكن أين على وجه التحديد نستطيع أن نجد أكبر التركيز لأعداد الفقراء؟ الواقع أن الحصول على مثل هذه البيانات أمر صعب وتفسيرها بعد الحصول عليها أشد صعوبة.

إن محاولات تحويل الدخل الوطني إلى قاسم مشترك أمر محفوف بالتعقيدات. ولنتأمل هنا مثالاً بارزاً على هذا: هناك هامش خطأ يبلغ 25% عندما نقارن ميزان تعادل القوة الشرائية بين الناتج المحلي الإجمالي في الولايات المتحدة والصين.

وبعبارة أخرى، لا نستطيع أن نجزم بما إذا كان الناتج الصيني اليوم يعادل 55% أو 99% من الناتج المحلي الإجمالي في الولايات المتحدة. وهذا كفيل بتقويض التوقعات "الدقيقة" للتاريخ الذي تتفوق عنده الصين على الولايات المتحدة بوصفها الدولة صاحبة أضخم اقتصاد على مستوى العالم، ولن نعرف حتى على وجه اليقين متى قيد يحدث ذلك!

ولا تقتصر هذه المشكلة على المقارنات بين الصين والولايات المتحدة، فهي تنطبق وربما بقوة أكبر عندما نقارن بين دخول الفقراء في مومباي ودخول الفقراء في فريتاون.

ومن بين المشاكل الكبرى أيضاً قياس التقدم في دولة بعينها مع مرور الوقت. فكيف يستطيع المرء أن يقارن مؤشرات تكاليف المعيشة في فترات مختلفة من الزمن، في حين تعمل السلع الجديدة على نحو لا ينقطع على تبديل نماذج الاستهلاك التقليدية؟

ولنتأمل هنا تأثير الهواتف المحمولة في أفريقيا, على سبيل المثال، أو الإنترنت في الهند.

ويذهب ديتون إلى عرض مراجعة نقدية كاشفة لبعض الأساليب الأكثر شيوعاً في ما يتصل بتحسين المساعدات.

على سبيل المثال يتجاهل "النموذج الهيدروليكي" للمساعدات -الذي يقوم على فكرة مفادها أن ضخ المزيد من المساعدات من شأنه أن يفضي إلى نتائج أفضل- حقيقة أن الأموال تكون قابلة للاستبدال غالبا. فحتى لو استهدفت المساعدات مجالاً مثل الغذاء أو الصحة فإن الحكومات تستطيع ببساطة أن تقتصد في الإنفاق على مجالات ما كانت لتنفق عليها في كل الأحوال, وتعيد توجيه الأموال إلى مجال آخر، على سبيل المثال الإنفاق العسكري.

وهناك في واقع الأمر تشابه مذهل بين المشاكل الناجمة عن تدفقات المعونة و"لعنة الموارد الطبيعية" (أو "المرض الهولندي" كما يسمى في البلدان الغربية)، التي بموجبها تتسبب التدفقات إلى أحد قطاعات الاقتصاد -النفط أو المعادن غالبا- في رفع الأسعار على مستوى الاقتصاد بالكامل (بما في ذلك سعر الصرف)، الأمر الذي يجعل قطاعات أخرى عاجزة عن المنافسة.

وعلاوة على ذلك، فإن قدراً عظيماً من هذه المساعدات يجري تسليمه عينياً ولأسباب إستراتيجية، وغالباً ما يدعم حكومات غير فعّالة وقائمة على النهب.

هل يمكن تحقيق التقدم من دون مساعدات؟
ويلاحظ ديتون أن البلدان الغربية في العموم تقدمت من دون الحصول على أي مساعدات. (لعل مشروع مارشال الأميركي بعد الحرب العالمية الثانية في أوروبا يشكل استثناء، ولكن تلك المساعدات كان المقصود منها في الأغلب الأعم إعادة الإعمار وليس التنمية).

من المؤكد أن المساعدات والمشورة الغربية من الممكن أن تساعد، لكن يتعين على المانحين أن يحرصوا كل الحرص على عدم الوقوف في طريق المستفيدين من مساعداتهم

كما نجحت الصين والهند في انتشال مئات الملايين من الناس من براثن الفقر بالاستعانة بمساعدات غربية قليلة نسبيا (وخاصة في حالة الصين).

ويؤكد ديتون أن مانحي المساعدات لابد أن يكونوا حريصين للغاية في البلدان المتلقية للمساعدات على عدم التدخل في شؤون القوى السياسية والاجتماعية، التي تستطيع أن تخلق مع الوقت تحولات محلية أساسية.

والواقع أن تدهور أحوال الناس في العديد من البلدان الأفريقية الآن مقارنة بأحوالهم في عام 1960 يرتبط بظهور الحكومات الاستبدادية والصراعات الداخلية أكثر من ارتباطه بفعالية برامج تقديم المعونات.

ورغم كل المحاذير فإن رسالة ديتون إيجابية في جوهرها. فالطريق مفتوح لمن يريد أن يتطور بسلوك طريق التنمية.

ومن المؤكد أن المساعدات والمشورة الغربية من الممكن أن تساعد، لكن يتعين على المانحين أن يحرصوا كل الحرص على عدم الوقوف في طريق المستفيدين من مساعداتهم.
ــــــــــــــــــــــــ
كبير خبراء الاقتصاد لدى صندوق النقد الدولي سابقا، وأستاذ علوم الاقتصاد والسياسة العامة في جامعة هارفارد

المصدر : بروجيكت سينديكيت