أجندة اقتصادية لإيطاليا

عنوان المقال: أجندة اقتصادية لإيطاليا

undefined

باولا سوباتشي

– تحدي إصلاح الاقتصاد
– جدارة إيطاليا
– العبء الضريبي

في نهاية الشهر الجاري سيختار الناخبون الإيطاليون حكومة جديدة ينتظرون منها فرص عمل ومزيدا من العدالة الاقتصادية، كما ينتظر شركاء إيطاليا الأوروبيون إصلاحات بنيوية واستقامة مالية.

فما هي إذن عناصر أجندة السياسة الاقتصادية التي ينبغي لإيطاليا أن تتبناها؟

التحدي الأكبر الذي يواجه الحكومة القادمة بإيطاليا يتلخص في تنفيذ الإصلاحات وتمكين الأداء الاقتصادي في إيطاليا من اللحاق بأداء جاراتها بعد سنوات من السياسات الرديئة والإهمال

تحدي إصلاح الاقتصاد
لتقليص الدين العام، الذي تجاوز 120% من الناتج المحلي الإجمالي، وفي نفس الوقت الحد من التعديلات المؤلمة، فإن إيطاليا تحتاج إلى النمو الاقتصادي، وهي الغاية التي تعذر على صناع القرار السياسي تحقيقها في السنوات الأخيرة.

الواقع أن متوسط معدل نمو الناتج المحلي الإجمالي السنوي في إيطاليا منذ انضمامها للاتحاد الاقتصادي والنقدي في أوروبا عام 1999 كان 0.5% فقط، وهذا أدنى كثيرا من متوسط منطقة اليورو الذي يقرب من 1.5%.

وخلال الأعوام الأربعة منذ اندلاع الأزمة المالية العالمية، هبط معدل النمو بإيطاليا إلى سالب 1.2%، مقارنة بمتوسط سالب 0.2% في منطقة اليورو، ومن المتوقع أن يظل المعدل سالبا هذا العام.

إن التحدي الأكبر الذي يواجه الحكومة القادمة بإيطاليا يتلخص في تنفيذ الإصلاحات وتمكين الأداء الاقتصادي في إيطاليا من اللحاق بأداء جاراتها بعد سنوات من السياسات الرديئة والإهمال. وهذا يتطلب زيادة الاستثمار في الإبداع ورأس المال البشري.

خلال الفترة 1992-2011، كان متوسط معدل نمو الإنتاجية السنوي لا يتجاوز 0.9%، وهو أقل معدل بين دول منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية.

ومنذ العام 2011، سجلت تكاليف وحدة العمل نموا أسرع من نمو الناتج المحلي الإجمالي الحقيقي وفرص العمل، الأمر الذي أدى إلى تقويض قدرة الاقتصاد التنافسية في مقابل الدول النامية. وفي العقد الماضي، هبطت حصة إيطاليا في الصادرات العالمية من 3.9% إلى 2.9%.

كان ضعف نمو إنتاجية العمل المتواصل سببا في خلق موقف أصبح من غير الممكن معه أن تنخفض تكاليف وحدة العمل، حتى إذا ظلت الأجور الحقيقية راكدة أو انخفضت. والواقع أنه على الرغم من انخفاض الأجور الحقيقية بنسبة 1.3% في عام 2011، فإن تكاليف وحدة العمل ظلت بلا تغيير.

ويتعين على قادة إيطاليا القادمين أن يعالجوا هذا الموقف من خلال الفصل بين إسهام القوى العاملة في نمو الإنتاجية وبين إسهام رأس المال وإجمالي عامل الإنتاجية. ووفقاً لمنظمة التعاون الاقتصادي والتنمية، فإن خفض التكاليف التنظيمية وزيادة كفاءة الإدارة العامة (بالبناء على التدابير التي اتخذتها الحكومة الحالية تحت قيادة ماريو مونتي) من الممكن أن يضيف من 0.3% إلى 0.4% إلى متوسط الناتج المحلي الإجمالي السنوي بحلول عام 2020.

وعلى نحو مماثل، فإن إصلاح سوق العمل وتحسين التعليم وتعزيز رأس المال البشري من شأنه أن يساهم بنحو 4% إضافية لنمو الناتج المحلي الإجمالي في العقد المقبل.

ويتعين على صناع القرار السياسي في إيطاليا فضلا عن ذلك أن يسعوا إلى تعزيز معدل مشاركة النساء في قوة العمل، الذي يبلغ مستوى 49% ويعد واحدا من أدنى المعدلات في دول منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية. وهذا كفيل أيضا بزيادة نصيب الفرد في الدخل بنسبة 1% سنوياً حتى عام 2030.

وفي الوقت نفسه، يظل تصحيح الأوضاع المالية يشكل ضرورة أساسية لتحقيق الاستقرار في الأمدين القريب والبعيد في إيطاليا. ووفقا لصندوق النقد الدولي، فإن عجز الموازنة يتجه نحو الانخفاض، في حين يتجه الفائض الأولي (صافي الإيرادات ناقص أقساط الفائدة) إلى النمو. وينبغي للقيادة الإيطالية الجديدة أن تحافظ على هذا التقدم.

على الرغم من التطورات الإيجابية، فإن الطريق إلى الأمام لا يزال وعرا. والإبحار عبره سوف يتطلب محافظة إيطاليا على مصداقيتها مع دول الاتحاد الأوروبي الأخرى والمستثمرين الدوليين.

يحتاج رئيس الوزراء القادم وحكومته إلى إقناع ألمانيا، والأسواق المالية، والمجلس الأوروبي بأن إيطاليا شريك جدير بالثقة

جدارة إيطاليا
وسوف يحتاج رئيس الوزراء القادم إلى إقناع ألمانيا والأسواق المالية والمجلس الأوروبي بأن إيطاليا شريك جدير بالثقة.

إن القدرة على إعادة تمويل الديون الحكومية والحفاظ على التكاليف منخفضة من الضرورات الأساسية لتعزيز الموارد المالية العالمية ونمو الناتج المحلي الإجمالي.

وعلاوة على ذلك، يشكل اجتذاب المزيد من الاستثمار المباشر أهمية بالغة، لأن تدفقات رأس المال إلى الداخل لا تزال على الرغم من تعافيها أدنى بنسبة 30% عن مستويات ما قبل الأزمة، ومع تجاوز التدفقات إلى الخارج مثيلاتها إلى الداخل، أصبحت إيطاليا مستوردة صافية لرأس المال.

إن "تسويق" إيطاليا في أوروبا يتطلب ما هو أكثر من مجرد مناسبات لالتقاط الصور مع زعماء آخرين في بروكسل والاستعراض أمام المؤسسات المالية في لندن.

ويتعين على قادة إيطاليا أن ينخرطوا بنشاط في الدبلوماسية التجارية، باستخدام سفارات البلاد والوكالات التجارية للترويج لإيطاليا عالميا، في حين يعملوا على بناء علاقات ثنائية قوية مع أعضاء آخرين في الاتحاد الأوروبي، وخاصة دول الجنوب مثل إسبانيا.

ومن ناحية أخرى، ينبغي للزعماء الجدد أن "يروجوا" لأوروبا في إيطاليا، حيث يتفشى التشكك في أوروبا.

ووفقاً لمشروع مؤسسة بيو البحثي للمواقف العالمية، فإن 30% فقط من الإيطاليين ينظرون إلى اليورو إيجابيا. وفي شمال البلاد الأكثر ثراء، حيث يقترب متوسط نصيب الفرد في الدخل عند مستوى 30 ألف يورو (40500 دولار) من نظيره في ألمانيا، يشكك الناس في الأساس المنطقي للالتحاق بعضوية الاتحاد الأوروبي. وهم يزعمون أن التكاليف واضحة، ويتساءلون عن الفوائد. وفي الوقت نفسه، تسود البلاد المخاوف من الانحدار البنيوي.

لقد دامت الأزمة لفترة طويلة، وتمكن الإجهاد من الناس. فارتفع معدل البطالة إلى 11.2% وهو رقم غير مسبوق، في حين بلغ معدل البطالة بين الشباب 35%.

سوف يكون لزاما على الحكومة الإيطالية القادمة أن تثبت زعامتها ورؤيتها لتوجيه الاقتصاد نحو النمو المستقر، وتجنب السباق نحو القاع، ووقف التوترات الاجتماعية المتنامية

العبء الضريبي
أما العبء الضريبي، الذي تجاوز 40% من الناتج المحلي الإجمالي منذ عام 1990، فقد بلغ الآن نحو 43% من الناتج المحلي الإجمالي.

قد تكون مستويات الضرائب السائدة في الدول الإسكندنافية محتملة إذا لم يظل مستوى الخدمات العامة أدنى من نظيره في الدول الإسكندنافية.

على سبيل المثال يتجاوز نصيب الفرد في الإنفاق على الرعاية الصحية في السويد والدانمارك وفنلندا 3000 دولار، مقارنة بنحو 2300 دولار فقط في إيطاليا، حيث يتعين على الأسر أن تساهم بما يقرب من 20% من إجمالي الإنفاق على الرعاية الصحية.

وعلاوة على ذلك، تنفق إيطاليا نحو 4.5% من الناتج المحلي الإجمالي على التعليم، في حين تنفق الدول الإسكندنافية على التعليم أكثر من 6% من الناتج المحلي الإجمالي.

ونتيجة لهذا فإن درجات الطلاب الإيطاليين في برنامج تقييم الطلاب الدوليين أدنى كثيرا من نظيراتها في العديد من دول منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية.

سوف يكون لزاما على الحكومة الإيطالية القادمة أن تثبت زعامتها ورؤيتها لتوجيه الاقتصاد نحو النمو المستقر، وتجنب السباق نحو القاع، ووقف التوترات الاجتماعية المتنامية.

والأمر الأكثر أهمية هو أن التجديد الاقتصادي يعتمد على استعداد الحكومة المقبلة وقدرتها على معالجة الضعف المؤسسي الذي جعل الجهود المتضافرة أكثر إلحاحا على نحو متزايد.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
مديرة أبحاث الاقتصاد الدولي لدى تشاثام هاوس

المصدر : بروجيكت سينديكيت