أزمة السودان الاقتصادية وغياب المساعدات العربية

عبد الحافظ الصاوي: أزمة السودان الاقتصادية والمساعدات العربية

undefined

عبد الحافظ الصاوي

 


ملامح الأزمة

العون الإنمائي
أسباب غياب الدعم
أميركا وانفصال الجنوب

الاقتصاد والسياسة وجهان لعملة واحدة، مسلمة يتعلمها كل من درس مبادئ علم الاقتصاد، ولذلك لا غرابة أن يشهد السودان قلاقل سياسية بسبب مشكلاته الاقتصادية المتعددة، التي ترجع لكثير من العوامل، وهي ممتدة من سنوات بل لعقود عدة مضت.

لكن رفع الحكومة السودانية أسعار الوقود وغيره من السلع خلال الأيام الماضية فجر مظاهرات واسعة بسبب معدلات التضخم التي فاقت في المتوسط على مدار الشهور الماضية من العام الجاري نسبة 40%، وهو معدل يصعب التعايش معه في ظل ظروف بلد يصنف على أنه من الاقتصادات الأقل نمواً، وإن كان البعض يرى أن القلاقل السياسية تحركها مآرب أخرى، وأن الجهات التي تقف وراء هذه القلاقل اتخذت من قرارات رفع الحكومة السودانية للأسعار ذريعة لتحركاتها.

ووسط هذه الأحداث الساخنة في السودان نجد أن سؤالاً مهمًا يطرح عن غياب الدعم المالي العربي عن السودان والذي يمكن أن يساعده في الخروج من مشكلاته الاقتصادية الحالية، وبخاصة بعد انفصال الجنوب الذي استأثر بأغلب الحقول النفطية. ومن الطبيعي أن يطرح السؤال في ظل المساعدات السخية -التي قدرت بنحو 12 مليار دولار- التي قدمتها ثلاث دول خليجية لمصر بعد انقلاب 3 يوليو/تموز الماضي.

ملامح الأزمة
يبلغ الناتج المحلي الإجمالي في السودان نحو 58.77 مليار دولار في عام 2012 بالأسعار الجارية حسب بيانات البنك الدولي، وقد تراجعت معدلات النمو الاقتصادي للسودان إلى 1.1% في عام 2012 مقارنة بنسبة 1.9% في عام 2011، وهي معدلات منخفضة لا تتناسب مع معدلات النمو السكاني التي تبلغ 2.4% سنوياً.

من الطبيعي أن يطرح السؤال عن غياب الدعم العربي للسودان في ظل المساعدات السخية التي قدمتها ثلاث دول خليجية لمصر بعد الانقلاب العسكري في الثالث من يوليو/تموز الماضي

ومن المفترض أن يعادل نمو الناتج المحلي ثلاث مرات معدلات نمو السكان، فما بالنا إذا كان معدل نمو الناتج أقل من معدل نمو السكان أصلاً؟ ومن ناحية أخرى أدى انخفاض معدلات نمو الناتج المحلي السوداني إلى تزايد معدلات التضخم بشكل كبير، بلغت في المتوسط 35.1% خلال عام 2012 وارتفعت لتفوق نسبة 40% على مدار شهور العام 2013.

ويعتمد السودان على الخارج بشكل كبير في سد حاجياته التمويلية، وهذا ما توضحه بيانات التقرير السنوي للبنك المركزي السوداني لعام 2012، حيث أشار التقرير إلى أن الدين العام الخارجي بلغ 41.4 مليار دولار، وهو ما يعادل 70.4% من إجمالي الناتج المحلي الإجمالي برسم العام نفسه، وليس هذا فحسب ولكن العجز في الميزان التجاري يؤكد هذه النتيجة، إذ بلغ قرابة 4.9 مليارات دولار.

ولذلك نجد أن معدلات الفقر والبطالة في السودان من أعلى المعدلات عربياً، فالبطالة بلغت نحو 18.8% من قوة العمل البالغ تعدادها 9.3 ملايين عامل، كما أن الفقر يشمل نحو 46% من إجمالي السكان المقدر عددهم بـ37.2 مليون نسمة.

العون الإنمائي
ويبين التقرير الاقتصادي العربي الموحد لعام 2012 أن السودان حصل على مدار عقدين على 19.4 مليار دولار من إجمالي المساعدات الإنمائية الدولية، وبنسبة تبلغ 8.6% من إجمالي المساعدات الموجهة للمنطقة العربية، أي أن السودان خلال هذه الفترة حصل على مساعدات سنوية في المتوسط تقدر بنحو 0.97 مليار دولار في العام.

وتشمل هذه المساعدات الدعم العربي وغير العربي، وهي مساعدات تقدم على شكل قروض مُيسرة، وليست منحا لا ترد، وبالتالي فهي جزء من الديون الخارجية المستحقة على السودان. أما عن المساعدات العربية للعالم كله فقد قدرها التقرير الاقتصادي العربي الموحد بنحو 154 مليار دولار على مدار الفترة ما بين 1970 و2011، وكانت حصة دول مجلس التعاون الخليجي منها 95.4%. واستفادت الدول العربية من المساعدات العربية بنسبة 60.6% في حين بلغت حصة الدول الآسيوية 22.3%، والدول الأفريقية غير العربية 14.5%، ودول أميركا اللاتينية 1.6%، ودول أخرى بنسبة 1%.

ويشير التقرير السنوي للبنك المركزي السوداني إلى أن القروض التي قدمتها مؤسسات التمويل العربية ناهزت خلال الفترة ما بين 2008 و2012 قرابة 952.1 مليون دولار، وبلغت قيمة المنح السلعية من المؤسسات نفسها نحو 84.1 مليون دولار، أي أن إجمالي القروض والمنح السلعية بلغ خلال الفترة المذكورة 1.36 مليار دولار، بواقع متوسط سنوي مقداره 207.2 ملايين دولار.

إجمالي القروض والمنح السلعية التي قدمتها مؤسسات التمويل العربية للسودان بين عامي 2008 و2012 بلغ متوسطها السنوي 207.2 ملايين دولار

وقد يشير البعض إلى التدفقات الاستثمارية العربية إلى السودان منذ العام 2008 في مجال الإنتاج الزراعي والحيواني، ولكن حقيقة الأمر أن المستفيد من هذه الاستثمارات هي الدول العربية، وبالتحديد الخليجية منها، إذ إن استثماراتها في إقامة مزارع واسعة اعتمدت على كثافة رأس المال، ولم تؤثر بشكل كبير على تخفيف حدة البطالة في السودان، كما أن إنتاج هذه المزارع يصدر مباشرة إلى الدول الخليجية ولا يستفيد منه المواطن السوداني بشكل مؤثر ومفيد.

أسباب غياب الدعم
من خلال البيانات السابقة نجد أن هناك دعماً عربياً للسودان ولكنه لا يرقى لحجم المشكلات التي يعاني منها السودان اقتصادياً واجتماعياً، ولا يتناسب أيضاً مع السخاء العربي تجاه دول أخرى، ولا شك أن هذا الغياب له أسبابه التي تعود في جزء كبير منها لدواع سياسية، سواء كانت داخلية تتعلق بالسودان نفسه، أو خارجية تتعلق بعوامل دولية أو إقليمية.

وأما الأسباب الداخلية فتتعلق بالحروب الأهلية أو المشاكل الداخلية التي كان أكبر مظاهرها ونتائجها انفصال الجنوب عن السودان في عام 2012، واستمرار مشكلة دارفور، وغيرها من الصراعات الحزبية داخل شمال السودان.

وإذا نظرنا للعوامل الإقليمية فلا يُعد السودان ضمن اهتمامات دول مجلس التعاون الخليجي في العوامل الإقليمية المؤثرة على دورها أو وجودها، وبالتالي فإن توجيه المساعدات الخليجية للسودان يكون بلا مردود سياسي، كما أن السودان لا يشهد تلك الصراعات الطائفية التي تهتم بها بعض دول الخليج مثل النزاع السني الشيعي.

ومن جانب آخر فإن استمرار حالة الضعف السياسي والاقتصادي التي يعاني منها السودان أفقدته الدور الإقليمي المؤثر الذي يجعله محط أنظار دول الخليج أو غيرها على خريطة المساعدات الدولية أو الإقليمية.

وما أحوج السودان الآن لمِنَح خليجية نفطية -فضلاً عن المنح التي لا ترد- كتلك التي قدمت لمصر ضمن حزمة المساعدات التي بلغت 12 مليار دولار، منها ثلاثة مليارات دولار عبارة عن مشتقات بترول، وبخاصة أن السودان بعد انفصال الجنوب أصبح في حكم الدول المستوردة للبترول، وهو ما يكلف ميزانيته عبئا لا قبل له به في ظل انخفاض معدلات نموه الاقتصادي وزيادة حجم ديونه الخارجية.

لا يُعد السودان ضمن اهتمامات دول مجلس التعاون الخليجي في العوامل الإقليمية المؤثرة على دورها أو وجودها، وبالتالي فإن توجيه المساعدات الخليجية للسودان يكون بلا مردود سياسي

ويعد السودان من الدول التي لم تتوافق في سياستها الخارجية مع اهتمامات دول الخليج لا إقليمياً ولا دولياً، وبالتالي فهي دولة لم تنطو تحت العباءة الخليجية سياسياً، والمعلوم أن المساعدات الدولية والإقليمية عادة ما تكون مرتبطة بمصالح الدول المانحة، ولا توجد منح من دولة لأخرى دون وجود مصلحة وأجندة محددة من هذا العطاء، سواء كانت هذه المصلحة معلنة أو خفية، وإن حملت المساعدات أو القروض لافتات مختلفة.

أميركا وانفصال الجنوب
وأما الأسباب الخارجية التي تؤثر في تدفقات المساعدات العربية بشكل عام والخليجية منها بشكل خاص، فتتلخص في الموقف الأميركي من نظام الرئيس عمر البشير في السودان منذ العام 1989، حيث ما زالت أميركا تعمل على قدم وساق لإزالة حكمه عبر إضعافه اقتصادياً، ومن أبسط الدلائل على ذلك العقوبات الاقتصادية المفروضة على السودان منذ بداية تسعينيات القرن الماضي.

وكان انفصال الجنوب إضعافاً للسودان اقتصادياً، حيث فقد موارد بترولية كان بالإمكان أن تخفف من وطأة الأزمة الاقتصادية في السودان على مدار السنوات الخمس الماضية.

وبعد هذا السرد، نستطيع القول إن السودان رغم أنه عضو في الجامعة العربية، ومن الأعضاء المؤسسين لكافة مؤسسات العمل العربي المشترك المعنية بالجانب الاقتصادي، فإننا لم نجد من يُعلن عن مساعدات له في ظل حالة الاضطراب السياسي التي يعاني منها، سواء كانت هذه المساعدة من دولة بعينها، أو من لدن مؤسسة عربية تسعى لتقديم حزمة من المساعدات تساعد السودان على بلوغ حالة من الاستقرار السياسي والاقتصادي.

ولكنها السياسة والحسابات الضيقة والواقع الذي أثبت فشل مشروع التعاون الاقتصادي العربي على مدار أكثر من ستة عقود، فالعروض السخية التي تقدمها دولة الإمارات للاستثمار في روسيا أو الهند من أجل دور ما تجاه الأزمة السورية حري بها أن تتوجه للسودان من أجل إنقاذ نحو نصف سكانه من الفقر، ونحو خُمس سكانه من البطالة.

ـــــــــــــــ
كاتب مصري

المصدر : الجزيرة