أزمة التعاون في عالم أحادي القطب

أزمة التعاون في عالم أحادي القطب - زكي العايدي - صعود الاقتصادات الناشئة عالميا كان مبعثا للكثير من التفاؤل ليس فقط في مجال التنمية الاقتصادية ولكن أيضا في مجال التعاون الدولي, لكن التحول لنظام عالمي متعدد الاقطاب لم يؤد إلى تدعيم التعددية, بل العكس هو الصحيح.

التحول لنظام متعدد الأقطاب
تفوق مخاوف السيادة على التعددية

 التحول لنظام متعدد الأقطاب
لا شك في أن صعود الاقتصادات الناشئة عالميا كان مبعثا للكثير من التفاؤل، ليس فقط في مجال التنمية الاقتصادية ولكن أيضا في مجال التعاون الدولي.

لكن التحول لنظام عالمي متعدد الأقطاب لم يؤد إلى تدعيم التعددية, بل العكس هو الصحيح. فمنطق السيادة الوطنية قد عاد حيث تقوم الاقتصادات الكبرى باستمرار بتقويض التعاون فيما يتعلق بقضايا تمتد من الأمن للتجارة للتغير المناخي.

انظروا للفوضى في مجلس الأمن الدولي فيما يتعلق بالحرب في سوريا علما بأنه قبل عامين فقط قام المجلس بالموافقة على قرار بتفويض تدخل عسكري في ليبيا, وهو أول قرار يطبق مبدأ مسؤولية الحماية والذي تبنته الجمعية العامة بالإجماع سنة 2005.

إن الأمن ليس هو المجال الوحيد الذي تتفوق فيه مخاوف السيادة على التعددية, ففي سنة 2008 تخلت الولايات المتحدة عن التزامها بجولة الدوحة من مفاوضات التجارة العالمية والمتعلقة بمنظمة التجارة العالمية

لكن القوى الصاعدة سرعان ما بدأت تعتقد أن الغرب قد استخدم حماية المدنيين الليبيين كحجة من أجل تغيير النظام (بالرغم من أنه من الناحية الواقعية كان من المستحيل حماية الشعب بدون إسقاط حكومة معمر القذافي). والآن فإن هذه البلدان بشكل عام ترفض مبدأ مسؤولية الحماية، حيث تنظر إليه على أنه أداة توظفها الحكومات الغربية من أجل إضفاء الشرعية على محاولات خرق السيادة الوطنية.

لقد حاولت البرازيل التعامل مع هذه المسألة عن طريق صياغة قرار يفك الارتباط بين تفويض حق الحماية وبين استخدام القوة، وهو فعليا يزيل أي احتمال تطبيق لهذا المبدأ. أما روسيا والصين فلقد أعاقتا إصدار ثلاثة قرارات تدين النظام السوري وعملت روسيا بجد -مع نجاح ظاهر- على تعطيل أي تدخل عسكري في سوريا. وبهذا المعنى فإن روسيا والصين تمارسان الآن سيطرة فعلية على الشرعية الدولية الرسمية المتعلقة باستخدام القوة.

وفي واقع الأمر، فإن هناك العديد من البلدان تعتقد الآن بأن الغرب قد بالغ في تحدي سيادة الدول، حتى أن هناك دولا أوروبية مثل ألمانيا تنفر من إمكانية حدوث مواجهة عسكرية.

وفي قمة مجموعة العشرين التي جرت في أوائل سبتمبر/أيلول -على سبيل المثال- عانى الرئيس الأميركي باراك أوباما حتى أقنع عشر دول بالتوقيع على إعلان يتعلق بسوريا لا يشير حتى إلى استخدام القوة. فقط الولايات المتحدة والمملكة المتحدة وفرنسا لا تزال راغبة باستخدام القوة إذا اقتضت الضرورة ذلك.

لكن من الخطأ أن ننظر إلى التدخل في سوريا ضمن نموذج عقيدة الخلاص الغربية. ففي سوريا، وكما كان الحال في ليبيا فإن القوى التي تتحدى الحكومة هي ليست من صنع التلاعب الغربي بل هي قوى محلية تطلب مساعدة الغرب. ربما أن الأساس القانوني للتدخل العسكري ضعيف، ولكن سوريا تختلف عن العراق كذلك.

تفوق مخاوف السيادة على التعددية
إن الأمن ليس المجال الوحيد الذي تتفوق فيه مخاوف السيادة على التعددية. ففي سنة 2008 تخلت الولايات المتحدة عن التزامها بجولة الدوحة من مفاوضات التجارة العالمية والمتعلقة بمنظمة التجارة العالمية. وبالرغم من أن القرار جاء بعد خلاف فني مع الهند، فلقد كان الدافع الرئيس وراء القرار هو اعتقاد أميركا بأن أي اتفاق سوف يفيد الصين أكثر من الولايات المتحدة.

وبعد أن فشلت جولة الدوحة في التعامل مع المشاكل الرئيسة التي واجهتها الولايات المتحدة وأوروبا في علاقاتها التجارية مع الصين (عدم التقيد بقوانين الملكية الفكرية والدعم للمؤسسات التي تملكها الدولة وأسواق المشتريات الحكومية المغلقة والقيود على إمكانية الوصول لسوق الخدمات) فإن الجانبين يؤكدان حاليا على أهمية عقد اتفاقيات تجارية ثنائية.

إن إمكانية إحراز تقدم في حل القضايا العالمية سوف يصبح أكثر صعوبة من أي وقت مضى مع إمكانية نشوء عواقب كارثية في ظل المخاوف المتعلقة بالسيادة واحتدام التنافس الإستراتيجي

ويجب ألا ينخدع أحد بالتظاهر بأن التعاون الثنائي يمكن أن يعيد تنشيط التعددية. إن منظمة التجارة العالمية سوف تبقى ولكن أهميتها بالنسبة للنظام التجاري العالمي تتناقص بشكل سريع. حتى إن التعاون المتعلق بالتغير المناخي يتدهور هو أيضا، حيث ترفض الولايات المتحدة والصين المقاربة المتعددة الأطراف والتي تأتي من الأعلى والمتعلقة بصنع السياسات.

إن هذا يوحي بنهاية نموذج بروتوكول كيوتو والذي مثل نموذج الدوحة, فهو  مبني على أساس أجندة مفصلة مصممة على أساس أهداف محددة وطموحة مع جميع اللاعبين ذوي العلاقة، ومن ثم يتم إجبارهم على التفاوض على كل موضوع.

وبدلا من أن تكونا خاضعتين لمقاييس متفق عليها عالميا تريد الولايات المتحدة الأميركية والصين أن يتم البدء بالقتال ضد التغير المناخي بوجود التزامات فردية للدول. لكن هذا الإطار الجديد المبني على أساس من الأسفل للأعلى وبموجبه تحدد الدول الشروط المطلوبة للتوصل لاتفاقية متعددة الأطراف، يفتقر للسلطة على عمل المقاييس.

إن التعددية تستوجب أدنى حد من الإجماع على القواعد والمعايير الدولية بين جميع القوى.

وكلما زاد عدد البلدان التي لديها القدرة على إعاقة المبادرات العالمية أو استخدام الفيتو بشأنها كلما أصبحت التعددية أكثر صعوبة بحيث لا يتوفر للدول المهيمنة الحافز للتعاون.

إن إمكانية إحراز تقدم في حل القضايا العالمية سوف يصبح أكثر صعوبة من أي وقت مضى مع إمكانية نشوء عواقب كارثية في ظل المخاوف المتعلقة بالسيادة واحتدام التنافس الإستراتيجي.
_________________
أستاذ العلاقات الدولية في معهد الدراسات السياسية في باريس ومؤلف كتاب الإنجازات المحدودة: سياسة أوباما الخارجية.

المصدر : بروجيكت سينديكيت