ألمانيا قلقة إزاء الأزمة الإسبانية

عدم أحتواء الأزمة الأسبانية سيتسبب بتداعيات كارثية لمنطقة اليورو وقاطرتها ألمانيا. الجزيرة نت.
undefined

 
خالد شمت-برلين
 
يبدي الألمان على المستوى الشعبي والنخبوي قلقا متزايدا من انتقال أزمة الديون السيادية إلى إسبانيا صاحبة رابع أكبر اقتصاد في منطقة اليورو، ورابع دولة بالمنطقة تطلب إنقاذا ماليا بعد كل من اليونان والبرتغال وإيرلندا.

وعبر الخوف الشعبي في ألمانيا من التداعيات المستقبلية للأزمة الإسبانية عن نفسه في أحدث استطلاع للرأي أجرته مؤسسة إيمنيد لقياس اتجاهات الرأي العام، وكشف هذا الاستطلاع عن رفض 66% من الألمان تقديم بلادهم أي مساعدة مالية لإنقاذ البنوك الإسبانية المهددة بالإفلاس.

وعبر 53% من الذين استطلعت آراؤهم عن توقعات بالغة التشاؤم حيال تأثير الأزمة الإسبانية على الأوضاع الاقتصادية المستقبلية بمنطقة اليورو، وتوقع 41% آخرون أن يكون لأزمتيْ اليونان وإسبانيا تداعيات سلبية على الاقتصاد الألماني.

ميركل: المطلوب هو إنقاذ إسبانيا كلها  (الجزيرة-ارشيف)
ميركل: المطلوب هو إنقاذ إسبانيا كلها  (الجزيرة-ارشيف)

إسبانيا لا مصارفها
وانساقت الصحف الألمانية مع الرفض الشعبي لمساعدة مدريد فسخرت من تأكيد وزير المالية فولفغانغ شويبله عدم زيادة المساعدات المقدمة لإسبانيا عن مائة مليار يورو، وذكّرت صحيفة بيلد الشعبية الوزير بتحول موقفه من رفض تقديم مساعدة ألمانية لليونان في بداية أزمتها، وتعهده بعد ذلك بعدم تجاوز الضمانات الألمانية لإنقاذ أثينا 22.4 مليار يورو، ووصول هذه الضمانات بعد ذلك إلى 40 مليار يورو.

وقالت الصحيفة إن ما قاله شويبله عن سير إسبانيا هو تكرار لما قاله في مارس/آذار الماضي عن اليونان التي أصبحت بعد ثلاثة أشهر مهددة بالإفلاس والخروج من منطقة اليورو.

وفي مقابل هذه المواقف الشعبية والإعلامية المتشائمة، شدد سياسيون واقتصاديون ألمان على حاجة إسبانيا الماسة للمساعدة من صناديق الإنقاذ الأوروبية.

واعتبر رئيس البنك المركزي الألماني يانس فيدمان أن تهديد الإفلاس لإسبانيا يجعلها مطالبة بالحصول على مساعدة من آلية الاستقرار الأوروبي.

ورأى فولكر كاودر رئيس الكتلة البرلمانية للحزب المسيحي الديمقراطي الحاكم -الذي تتزعمه المستشارة أنجيلا ميركل– أن الحكومة الإسبانية أصبحت عاجزة عن إنقاذ بنوكها المتعثرة المهددة بالإفلاس بتأثير انهيار سوق العقارات الإسباني.

وفي مواجهة السؤال المطروح بمنطقة اليورو عن توجيه المساعدات المطلوبة هل يكون للقطاع المصرفي الإسباني أم للدولة الإسبانية، كررت المستشارة الألمانية أنجيلا ميركيل أكثر من مرة تأييدها لسيناريو الإنقاذ المكلف، واعتبرت أن المطلوب هو إنقاذ إسبانيا كلها.

وامتنع رئيس الوزراء الإسباني المحافظ ماريانو راخوي عن قبول هذا العرض الألماني، ثم وافق بعد ذلك على حصول بلاده على برنامج لإنقاذ قطاعها المصرفي المتعثر بمائة مليار يورو، وهو ما يعني تكرار ما جرى في اليونان وخضوع إسبانيا لوصاية ترويكا البنك المركزي الأوروبي وصندوق النقد الدولي والاتحاد الأوروبي.

شبر: عدم احتواء أزمة المصارف الإسبانية من شأنه أن يهدد ألمانيا بتداعيات سلبية (الجزيرة نت)
شبر: عدم احتواء أزمة المصارف الإسبانية من شأنه أن يهدد ألمانيا بتداعيات سلبية (الجزيرة نت)

المشكلة عميقة
من جانبه اعتبر الخبير الاقتصادي الدولي بارق شبر أن إسبانيا تعد واحدة من أكبر الشركاء الاقتصاديين لألمانيا، وعدم احتواء أزمة القطاع المصرفي المتعثر لها كان كفيلا بإفلاس الحكومة الإسبانية، وحدوث تداعيات سلبية علي منطقة اليورو برمتها وقاطرتها ألمانيا بشكل يفوق تأثيرات آثار أزمات اليونان والبرتغال و إيرلندا.

وأوضح شبر للجزيرة نت أن مساعدة المصارف ليست حلا جذريا للأزمة القائمة في إسبانيا ذات الـ57 مليون نسمة.

واعتبر أن الاقتصاد الإسباني يعاني من مشاكل هيكلية خطيرة ناتجة من ارتفاع الدين العام إلى 840 مليار يورو، مما يشكل 69% من الناتج العام، ووصول معدلات البطالة إلى 24% وهي الأعلى بين كل دول الاتحاد الأوروبي.

وأضاف شبر أن برلين والمفوضية الأوروبية يدركون أن الموقف الصائب تجاه الأزمة الإسبانية يتوقف على عاملين، هما نتيجة الانتخابات البرلمانية اليونانية في 17 من الشهر الجاري، وإصدار خبراء اقتصاديين مستقلين تقييما لحالة الاقتصاد الإسباني.

طيبي السعداوي:
أزمة القطاع المصرفي في إسبانيا هي قمة جبل الجليد الظاهر للأزمة المالية المتفاقمة في هذه الدولة الأوروبية

جبل جليد
وفي نفس السياق، أرجع المحلل المالي في بورصة فرانكفورت للأوراق المالية طيبي السعداوي تشدد ألمانيا باشتراطها فرض رقابة على الاقتصاد الإسباني إلى إدراك برلين أن أزمة القطاع المصرفي في إسبانيا هي قمة جبل الجليد الظاهر للأزمة المالية المتفاقمة في هذه الدولة.

واتفق سعداوي -في حديث للجزيرة نت- مع ما ذهب إليه شبر من اختلاف أزمة القطاع المصرفي عن الأزمة الاقتصادية الموجودة في إسبانيا، وأشار إلى وجود تقديرات لمؤسسات اقتصادية ألمانيا بحاجة إسبانيا إلى 500 مليار يورو لتجنب الإفلاس.

وأشار المحلل المالي إلى أن ألمانيا لن تدفع في البداية شيئا في برنامج إنقاذ البنوك الإسبانية، وأشار إلى أن مساعدة القطاع المصرفي الإسباني ستأتي في صورة سندات ضمان من صندوق إنقاذ اليورو ستلزم البنوك الإسبانية بتسديدها بعد ذلك بفوائد لم يعلن عنها.

وأشار إلى أن عجز المصارف الإسبانية عن تسديد قيمة هذه السندات وفوائدها، سيعني احتمال خسارة ألمانيا وتحملها لربع قيمة هذه السندات.

المصدر : الجزيرة