منطقة اليورو وتأجيل يوم الحساب

A sculpture showing the euro currency sign is seen in front of the European Central Bank (ECB) headquarters (R) in Frankfurt April 1, 2010.
undefined

نورييل روبيني

غياب الانتعاش
التكامل المفقود
استعادة النمو

يبدو أن المخاطر التي تواجه منطقة اليورو تراجعت منذ الصيف، عندما بدا خروج اليونان وشيكاً وبلغت تكاليف الاقتراض بالنسبة لإسبانيا وإيطاليا ارتفاعات جديدة وغير قابلة للتحمل. ولكن على الرغم من انفراج الضغوط المالية منذ ذلك الوقت، فإن الظروف الاقتصادية في البلدان الواقعة على أطراف المنطقة لا تزال هشة.

هناك عدة عوامل تساهم في تفسير انخفاض مستوى المخاطر. بادئ ذي بدء كان برنامج "المعاملات النقدية الصريحة" الذي أطلقه البنك المركزي الأوروبي بالغ الفاعلية، فقد هبطت فوارق أسعار الفائدة بالنسبة لإسبانيا وإيطاليا بنحو 250 نقطة أساسية، حتى قبل أن يُنفق يورو واحد لشراء السندات الحكومية.

كما ساعد في ذلك أيضاً تقديم آلية الاستقرار الأوروبي (صندوق الإنقاذ المالي الدائم)، التي تقدم 500 مليار يورو أخرى (650 مليار دولار) لاستخدامها في دعم البنوك والديون السيادية، وكذا إدراك زعماء أوروبا لحقيقة مفادها أن الاتحاد النقدي وحده غير مستقر وغير كامل ويحتاج إلى قدر أعظم من التكامل المصرفي والضريبي والاقتصادي والسياسي.

ولعل الأمر الأكثر أهمية هو أن موقف ألمانيا إزاء منطقة اليورو بشكل عام، واليونان بشكل خاص، قد تغير، فالآن يدرك المسؤولون الألمان أنه في ضوء الارتباطات التجارية والمالية الوثيقة فإن منطقة اليورو غير المنضبطة لن تضر الدول الواقعة على الأطراف فحسب، بل أيضاً دول قلب أوروبا.

ولقد توقفوا عن الإدلاء بتصريحات عامة حول خروج اليونان المحتمل، وأيدوا للتو دفعة ثالثة من أموال الإنقاذ لهذه الدولة. وطالما ظلت إسبانيا وإيطاليا عُرضة للخطر فإن إفلاس اليونان قد يشعل شرارة عدوى شديدة قبل الانتخابات الألمانية العام القادم، وهذا من شأنه أن يهدد فرص المستشارة أنجيلا ميركل في الفوز بولاية أخرى، وبالتالي فإن برلين سوف تستمر في تمويل هذا البلد في الوقت الراهن.

رغم المجهودات التي بذلت فإن دول منطقة اليورو الواقعة على الأطراف لم تظهر بوادر انتعاش، فالناتج المحلي الإجمالي يواصل انكماشه نظراً للتقشف المستمر وقوة اليورو المفرطة والأزمة الائتمانية وكساد الأعمال التجارية وتضاؤل ثقة المستهلك

لا انتعاش
ومع هذا فإن دول منطقة اليورو الواقعة على الأطراف لم تظهر بوادر انتعاش تُذكَر، فالناتج المحلي الإجمالي يواصل انكماشه نظراً للتقشف المستمر، إضافة لقوة اليورو المفرطة والأزمة الائتمانية الحادة الناجمة عن نقص رأس المال لدى البنوك وكساد الأعمال التجارية وتضاؤل ثقة المستهلك.

وعلاوة على ذلك فإن الركود في الدول المذكورة يمتد الآن إلى قلب منطقة اليورو، مع انكماش الناتج المحلي الإجمالي في فرنسا، وتوقف النمو في ألمانيا بسبب اتجاه النمو في سوقي التصدير الرئيسيتين إما إلى الهبوط (في بقية دول المنطقة) وإما إلى التباطؤ (في الصين وأماكن أخرى من آسيا).

فضلاً عن ذلك فإن تفكك وانقسام النشاط الاقتصادي والأنظمة المصرفية وأسواق الديون العامة ساهم في فرار المستثمرين الأجانب من الدول الواقعة على أطراف أوروبا وبحثهم عن الأمان في الدول الواقعة في قلبها. كما ارتفعت الديون الخاصة والعامة إلى مستويات قد تكون غير قابلة للتحمل.

ففي نهاية المطاف تظل خسارة القدرة التنافسية التي أدت إلى عجز خارجي ضخم بلا علاج تقريبا، في حين تعمل الاتجاهات الديمغرافية المعاكسة وضعف مكاسب الإنتاجية وتباطؤ تنفيذ الإصلاحات البنيوية على كبح النمو المحتمل.

لا شك أن دول منطقة اليورو الواقعة على أطرافها أحرزت بعض التقدم في الأعوام الأخيرة الماضية، فقد انخفض العجز المالي، بل إن بعض الدول أصبح لديها الآن فائض أول في الموازنة (الموازنة المالية باستثناء أقساط الفائدة). وعلى نحو مماثل تراجعت خسائر القدرة التنافسية جزئياً مع تسبب الأجور في تأخير نمو الإنتاجية، وبالتالي تقليل تكاليف العمل، فضلا عن بعض الإصلاحات البنيوية الجارية الآن.

ولكن في الأجل القصير يؤدي التقشف وتدني الأجور والإصلاحات إلى تفاقم الانكماش، في حين كان مسار التكيف في منطقة اليورو غير متناسق ومقتربا من الركود. أما الدول التي كانت تنفق بما يتجاوز دخلها فقد اضطرت إلى خفض إنفاقها وزيادة مدخراتها، وبالتالي نجحت في تقليص العجز التجاري، ولكن بعض الدول، مثل ألمانيا، التي أفرطت في الادخار وجمع الفوائض الخارجية، فإنها لم تضطر إلى التكيف من خلال زيادة الطلب المحلي، لذا فإن فوائضها التجارية ظلت كبيرة.

التكامل المفقود
ومن ناحية أخرى، يظل الاتحاد النقدي غير مستقل ومختل: فإما أن تنتقل منطقة اليورو نحو زيادة التكامل (يغطيها اتحاد سياسي لتوفير الشرعية الديمقراطية وفقدان السيادة الوطنية على النظام المصرفي والضريبي والشؤون الاقتصادية)، وإما أنها ستخضع للتفكك والتجزئة والانهيار في نهاية المطاف. وفي حين أصدر زعماء الاتحاد الأوروبي مقترحات بتأسيس اتحاد مصرفي ومالي، تتراجع ألمانيا الآن.

ويخشى زعماء ألمانيا أن تؤدي عناصر تقاسم المخاطر المتضمنة في مشروع تعميق التكامل (إعادة تمويل البنوك عن طريق آلية الاستقرار الأوروبي، وصندوق الحل المشترك للبنوك المُعسرة، والتأمين على الودائع في منطقة اليورو بالكامل، وزيادة التقشف في الاتحاد الأوروبي وتبادل الديون) إلى نشوء اتحاد غير مقبول سياسياً حيث تضطر ألمانيا ودول قلب أوروبا من جانب واحد وبشكل دائم إلى دعم دول منطقة اليورو الموجودة بالأطراف.

وبالتالي فإن ألمانيا تعتقد أن المشاكل التي تعاني منها الدول المذكورة ليست ناجمة عن غياب الاتحاد المصرفي أو المالي، بل إن العجز المالي والديون الضخمة -من وجهة النظر الألمانية- يعكس تدني إمكانات النمو وخسارة القدرة التنافسية بسبب الافتقار إلى الإصلاحات البنيوية.

لا تعترف ألمانيا بأن الاتحادات النقدية الناجحة مثل الولايات المتحدة لديها اتحاد مصرفي كامل، فضلاً عن عناصر تقاسم المخاطر الكبيرة، وأيضا اتحاد مالي، حيث يتم امتصاص الصدمات التي يتعرض لها الناتج في بعض الولايات بعينها

وبطبيعة الحال لا تعترف ألمانيا بأن الاتحادات النقدية الناجحة مثل الولايات المتحدة لديها اتحاد مصرفي كامل، فضلاً عن عناصر تقاسم المخاطر الكبيرة، وأيضا اتحاد مالي حيث يتم امتصاص الصدمات التي يتعرض لها الناتج في بعض الولايات بعينها عن طريق الميزانية الفدرالية، فالولايات المتحدة أيضاً تشكل اتحاد تحويل ضخما، حيث تدعم الولايات الأكثر ثراء بشكل دائم الولايات الأكثر فقرا.

استعادة النمو
من ناحية أخرى، وفي حين تثار اقتراحات بشأن إنشاء اتحاد مصرفي ومالي وسياسي، فهناك أقل القليل من المناقشات حول كيفية استعادة النمو في الأمد القريب. صحيح أن الأوروبيين مستعدون لربط الأحزمة، ولكنهم يحتاجون لرؤية الضوء في نهاية النفق في هيئة نمو في الدخول والوظائف.

وإذا تعمقت الأزمة فإن ردود الفعل الاجتماعية والسياسية المناهضة للتقشف ستصبح مدمرة مجسدة في الإضرابات وأعمال الشغب والعنف والمظاهرات وصعود الأحزاب السياسية المتطرفة وانهيار الحكومات الضعيفة.

صحيح أن مخاطر خروج اليونان من منطقة اليورو أو خسارة إيطاليا وإسبانيا لقسم كبير من قدرتها على الوصول إلى الأسواق المالية تضاءلت بالنسبة للعام المقبل، ولكن الأزمة الجوهرية التي تعيشها منطقة اليورو لم تُحَل، وقد يؤدي عام آخر من التخبط إلى إعادة هذه المخاطر إلى الحياة في هيئة أكثر ضراوة بداية من 2014. ومن المؤسف أن أزمة منطقة اليورو ستظل على الأرجح قائمة لأعوام قادمة، وهذا يعني بالتالي زيادة احتمالات إعادة الهيكلة القسرية للديون والخروج من منطقة اليورو.

ـــــــــــــــــ
رئيس مؤسسة روبيني للاقتصاد العام وأستاذ في كلية شتيرن لإدارة الأعمال بجامعة نيويورك.

المصدر : بروجيكت سينديكيت