"ثورة ثقافية محافظة" بروسيا في ظل "الحرب المقدسة" على أوكرانيا

الممثل ومدير المسرح الإقليمي في موسكو سيرغي بيزروكوف يتحدث خلال مقابلة في مسرحه بموسكو (الفرنسية)

يرى كثيرون في الأوساط الثقافية والفنية الروسية وبينهم الممثل سيرغي بيزروكوف، أن على موسكو الاستفادة من عزلتها المتزايدة بسبب غزوها لأوكرانيا، لتنقية الثقافة الروسية من التأثير الغربي وتعزيز القيم المحافظة بما في ذلك الوطنية والعقيدة الأرثوذكسية.

ويقول خلال مقابلة مع وكالة الصحافة الفرنسية في مسرح غوبرنسكي في موسكو "يجب أن نستفيد من العزلة لإعادة الاتصال بتقاليدنا".

وبيزروكوف (48 عامًا) من أشهر الفنانين في روسيا، ويعمل مديرا فنيا في مسرح غوبرنسكي في موسكو. ويعتبر أن على روسيا تشكيل فضاء ثقافي خاص بها بدل التطلّع إلى التمثّل بهوليود.

ويتابع "عشنا في عالم أفلام مارفل طيلة 30 عامًا"، مشيرا إلى مجموعة الأفلام الأميركية الشهيرة لأبطال خارقين، ويضيف "حان وقت أن نصنع نحن أفلامنا" الخاصة، مؤكدا أن "العودة إلى الاتحاد السوفياتي مستحيلة، لكن يمكننا محاولة إعادة الثقة بروسيا".

وخضع بيزروكوف مؤخرًا لعقوبات أوروبية على خلفية دعمه للغزو الروسي لأوكرانيا.

القيم الروسية

ولطالما قدّم الرئيس الروسي فلاديمير بوتين نفسه على أنه وصيّ على القيم الروسية التقليدية من اعتناق الأرثوذكسية والزواج، مشددًا على أن القيم الليبرالية الغربية أصبحت قديمة.

ومنذ بداية الغزو الروسي لأوكرانيا، ضاعفت السلطات الروسية جهودها لإبعاد شعبها عن القيم الغربية، ويقول العديد من الفنانين إن على الفن أن يكون القناة الأساسية لمحاولات الإبعاد هذه.

ويقول المنتج المسرحي والمخرج إدوارد بوياكوف الذي يدعم ما يسمّيه "حرب (روسيا) المقدّسة" في أوكرانيا "إن روسيا على مشارف ثورة مُحافظة".

ومذ بدأ الغزو الروسي لأوكرانيا، غادر العديد من الفنانين روسيا، منهم المخرج كيريل سيريبرينيكوف والممثلة شولبان خاماتوفا. أمّا الذين لا يزالون في روسيا، فيخضعون لضغط متزايد ليدعموا غزو أوكرانيا.

"القائمة السوداء"

وأطلق عدد من الشخصيات المؤيدة للكرملين بشدّة، مثل سيرغي ميرونوف وزخار بريليبين اللذين يترأسان حزب "روسيا العادلة"، ما وصفاه بـ"الموقف المناهض للدولة" للنخب الثقافية في روسيا.

وطالبا أن يطرد رئيس مسرح البولشوي فلاديمير أورين المدير ألكسندر مولوشنيكوف (30 عامًا) على خلفية موقفه غير الوطني المُفترض، أو أن يستقيل هذا الأخير بنفسه.

ولا يستطيع العديد من الشخصيات المعارضة للكرملين تأدية عروض في روسيا.

ويقول أليكسي كوزين، وهو مدير شركة إنتاج موسيقى الروك الروسية "نافيغاتور ريكوردز" لوكالة الصحافة الفرنسية "تمّ إلغاء أكثر من 100 عرض موسيقي منذ فبراير/شباط".

ويشير كوزين، المُقيم في روسيا، إلى أن "القائمة السوداء" غير الرسمية تضمّ حاليًا 40 اسمًا تقريبًا، منهم يوري شيفشوك وهو مغني روك شهير اتّهم الكرملين بـ"قتل" شباب روس وأوكرانيين خلال حفلة موسيقية في مايو/أيار.

وفي يونيو/حزيران، أعلنت السلطات الروسية تغيير المديرين والرؤساء في 3 من أهمّ المسارح في العاصمة موسكو.

أُغلق بذلك مسرح "مركز غوغول" (غوغول سنتر) الذي كان سيريبرينيكوف قد حوّله إلى مساحة فنّ حرّ.

ويقول الكاتب المسرحي في مسرح "غوغول سنتر" فاليري بيشيكين، الذي لا يزال مقيمًا في روسيا، لوكالة الصحافة الفرنسية "لم تعد السلطات تريد فنًّا مستفزًا. باتت تفضّل الفنّ الهادئ والموثوق وحتى المملّ".

ويضيف "نتيجة لذلك، سيعود المسرح إلى الكلاسيكيات وستعود السينما إلى الأفلام الكوميدية الخفيفة وستعود المتاحف إلى المعارض التي لا تصدم".

مدرستان متناقضتان

وبدأت المعارض الفنية تتأثر أيضًا. ففي أبريل/نيسان، أوقف غاليري تريتياكوف عرض الفنان الروسي الأميركي غريشا بروسكين الذي كان مكرّسًا لـ"الأيديولوجيات وأساطيرها". وقال المعرض حينها إن وقف العرض، الذي كان استمراره مقررًا حتى يوليو/تموز، حدث "لأسباب تقنية".

وتحدّثت أولغا أندريفا، وهي كاتبة في مجلة "إكسبرت" الأسبوعية الروسية المحافظة، عن "صراع أبدي" بين القوميين السلافيين والموالين للغرب، وهما مدرستان فكريتان في روسيا في القرن الـ19. وتقول "نشهد الآن جولة جديدة من هذه المعركة. المجتمع يتغيّر بشكل جذري".

وبوتين نفسه هو من يحدد إيقاع التغيير، ففي خطاب ألقاه في مارس/آذار، دعا الرئيس الروسي إلى "تطهير ذاتي" للمجتمع، قائلًا إن الروس سيرفضون "الحثالة والخونة" الذين يكسبون المال في روسيا لكنهم يفضلون العيش في الغرب.

وفي يوليو/تموز، وافق على ترؤس حركة وطنية جديدة تُذكّر بالحركات الشبابية التي كانت قائمة خلال الحقبة السوفياتية.

وفي أواخر يونيو/حزيران، كشفت روسيا عن ورقة 100 روبل نقدية جديدة وضع فيها رسم لبرج سباسكايا في الكرملين من جهة ورسم لنصب رزيف التذكاري للجندي الروسي من الجهة الثانية، بدلا من رسم لإله الموسيقى والشعر اليوناني أبولو على عربة أمام مسرح البولشوي.

وتُشبه مارينا دافيدوفا، رئيسة تحرير مجلة المسرح الروسي "تياتر" التي تمّ تعليق نشرها، الشخصيات الموالية للكرملين بالموالين لماو تسي تونغ الذين ساعدوه في قمع الميول البرجوازية خلال الثورة الثقافية الصينية بين 1966 و1967.

وكتبت دافيدوفا، التي تعيش في المنفى الآن، عبر فيسبوك "لن يكون من الصعب التكهّن بأن عملية التنظيف ستكون كاملة، لكن السرعة التي تحدث بها مذهلة".

وتابعت "حتى الرفيق (جوزيف) ستالين انتظر سنوات لهزيمة الطليعيين الروس".

المصدر : الفرنسية