المدرسة المصرية في الخط العربي.. مئوية خلفها رواد

يأتي الاحتفاء بمئوية المدرسة المصرية في الخط العربي استنادا إلى "إنشاء مدرسة تحسين الخطوط العربية بالقاهرة التي أنشئت بأمر ملكي من الملك فؤاد عام 1922″، والتي أفرزت العديد من الرواد، أبرزهم حاليا نقيب الخطاطين المصريين خضير البورسعيدي؛ غير أن بصمات تلك المدرسة الخطية تعود لما هو أقدم من ذلك.

رواد مجددون في المدرسة المصرية للخط العربي من كتاب امشاق من المدرسة المصرية للخط العربي وزارة الثقافة المصرية
رواد مجددون في المدرسة المصرية للخط العربي من كتاب "أمشاق من المدرسة المصرية في الخط العربي" (وزارة الثقافة المصرية)

بخطوط بارعة الجمال والتنسيق، يحيي أبناء المدرسة المصرية في الخط العربي -بأعمال تنافسية على مدار مارس/آذار الجاري- مسيرة الآباء والرواد، التي انطلقت بأمر ملكي قبل 100 عام في 1922.

تقدم تلك الأعمال في إطار الاحتفال بالذكرى المئوية لأبناء المدرسة، ضمن مسابقة ملتقى القاهرة الدولي لفنون الخط العربي، في دورته السابعة، قبل أن تنطلق رسميا تحت شعار "رواد مجددون في 100 عام (1922 ـ 2022)"، في الفترة من 5 إلى 20 يونيو/حزيران المقبل.

ويعد الملتقى الذي يبرز جهود المدرسة المصرية في مئويتها -وفق بيان هيئة صندوق التنمية الثقافية- "واحدا من الفعاليات الفنية الهامة لإحياء المئوية وفنون الخط العربي المختلفة، خاصة بعد إدراج الخط العربي على قائمة اليونسكو ضمن التراث غير المادي" في 14 ديسمبر/كانون الأول 2021.

ويأتي الاحتفاء بمئوية المدرسة المصرية في الخط العربي، استنادا إلى "إنشاء مدرسة تحسين الخطوط العربية بالقاهرة، التي أنشئت بأمر ملكي للملك فؤاد عام 1922″، وأفرزت العديد من الرواد، أبرزهم حاليا نقيب الخطاطين المصريين خضير البورسعيدي؛ غير أن بصمات تلك المدرسة الخطية تعود لما هو أقدم من ذلك.

وللمدرسة المصرية أناملها التي نسقت الخط العربي وابتكرت، حتى خُصص لها اتجاها خاصا بها، وكان من نتاجه تاريخيا، الخط "الكوفي" الفاطمي، والأيوبي، والمملوكي، وهي فترات زمنية تمتد ما بين أعوام 909 و1517 من الميلاد.

كنز ثمين

قال مصطفى الفقي -مدير مكتبة الإسكندرية شمالي مصر التي تحتفي بمئوية المدرسة المصرية للخط العربي هذه الأيام- "كل يوم نكتشف أن لدينا رصيدا لا نشعر به"، حسب بيان المكتبة يوم 27 فبراير/شباط الماضي.

وأضاف " كنا نعلم بوجود مدرسة عن الخطوط العربية، ولكن لم ندرك أنها بهذا الرقي".

ولفت إلى أن "الخطوط تجمع بين نواح كثيرة، تتضمن جمال الخط وسلامة الخط وروحانية الخط، وعندما تراه يشعرك بحالة روحانية، ولذلك سعت المحطات التلفزيونية إلى أن يقترن صوت قارئ القرآن بالخط العربي، مما يضيف إليه لمسات روحانية ومواطن جمال".

وشدد الفقي على ضرورة أن تدرك الأجيال الجديدة ألا تفلت من بين أيديها الاهتمام بالخط العربي.

رحلة المدرسة المصرية

ما يثير إعجاب الفقي، خطته بالتفاصيل أنامل الفنان والخطاط المصري، يسري حسن، في كتاب أشبه بدراسة، نشره صندوق التنمية الثقافية (حكومي) عام 2016، تحت عنوان "أمشاق من المدرسة المصرية في الخط العربي".

في مقدمة الكتاب، يقول مدير ملتقى القاهرة الدولي للخط العربي، محمد بغدادي، "لم تبدأ رحلة الخط العربي الحقيقة في مصر إلا بعد سقوط الخلافة العباسية في بغداد واجتياح جحافل التتار لمراكز الإبداع في المشرق العربي، وبعدها انتقلت الخلافة ومعها الريادة في معظم الفنون للقاهرة، وقبل ذلك كانت هناك اجتهادات مصرية متعددة".

اعمال فنية مشاركة في ملتقي القاهرة الدولي للخط العربي - مواقع تواصل
أعمال فنية مشاركة في ملتقى القاهرة الدولي للخط العربي (مواقع التواصل)

ويرصد بغدادي خصائص المدرسة قائلا إنها عبر تاريخها "أدخلت إضافات وابتكارات واستخدامات، وظلت متربعة على قمة الإبداع فجودت القديم الوافد إليها من المشرق العربي وابتكرت الجديد، وأضافت لفنون الخط العربي الخط الكوفي بالعصور الفاطمية والأيوبية، قبل أن يدخل العثمانيون مصر وتنتقل الخلافة لإسطنبول وتستقدم كل أرباب الخط المبدعين".

قبل أن ينطلق الخط العربي في مصر من جديد -في عهد الملك فؤاد الأول- نحو التأليف والتجديد، "أضفت المدرسة المصرية من سماحتها وعراقتها سمات جديدة ومتفردة، فعلى سبيل المثال، سنجد العربي في الخط الديواني والديواني الجلي قد لانت حروفه، وتوافقت حركاته مع صعوده ونزوله، ورقّت انحناءاته، وتحررت ثناياه من الحدة والجفاف، وغيره من التجديدات"، وفق البغدادي.

تاريخ ورواد

وخط الفنان يسري حسن في متن كتابه، بجانب كتاب الباحثين خالد عزب ومحمد حسن "روائع المدرسة المصرية في الخط العربي" الصادر حديثا عن مكتبة الإسكندرية، سردا لتاريخ تلك المدرسة وروادها المشاهير.

فالمدرسة المصرية في الخط العربي "كانت لها خصوصيتها"، وكان من أشهر مدرسيها محمد مؤنس زاده صاحب النهضة الخطية، وتخرجت على يديه أجيال عديدة تولت تأسيس تحسين الخطوط بالقاهرة ثم التدريس، ومنهم "خليل أغا، ومحمد رضوان، والشيخ علي بدوي، ومصطفى بك غزلان"، وهؤلاء من أهم المؤسسين لمدرسة تحسين الخطوط الملكية مع الشيخ عبد العزيز الرفاعي.

ونادت هذه المدرسة بمصر فأجاب نداءها أبناء العرب والمسلمين من هواة الخط العربي، وكانت المدرسة منذ إنشائها وحتى سبتمبر/أيلول 1935 تابعة للخاصة الملكية، ثم تحولت مدرسة تحسين الخطوط الملكية -إبان ثورة يوليو/تموز 1952- إلى مدرسة فنية رسمية تتبع وزارة التربية والتعليم بمصر، تهدف للنهوض بالخط العربي وإحياء ما اندثر من فنون جميلة كالرسوم والزخرفة.

ووفق المصدرين، من أبرز مشاهير رواد المدرسة المصرية في الخط العربي الفنانون سيد إبراهيم ومصطفي غزلان ومحمد إبراهيم ومسعد خضير البورسعيدي.

ويعد الفنان سيد إبراهيم عميد الخط العربي في المدرسة المصرية.

ولد إبراهيم في العاصمة القاهرة (1897 – 1994)، ودرس في كلية دار العلوم بجامعة القاهرة، وفي معهد المخطوطات التابع للجامعة الأميركية وفي معهد المخطوطات التابع لجامعة الدول العربية، ولا يزال كتابه "فن الخط العربي" وثيقة مهمة للخطاطين.

ووصف خالد عزب -في كتابه- الفنان الراحل سيد إبراهيم بأنه أحد أهم خطاطي الجيل الثاني في المدرسة المصرية، بعد جيل محمد مؤنس زاده وتلاميذه، وتخطى دوره وظيفة الفنان ثم المعلم الذي علم مئات الخطاطين من كافة أرجاء العالمين العربي والإسلامي، إلى طور المجدد والمطور، كما في تشكيلاته الخطية في لوحاته.

ويعتبر مصطفى بك غزلان (1890- 1938) من أبرز الرواد، وبعد التدرج في التعليم، عُين رئيسا لقلم التوقيع بالديوان الملكي وأصبح خطاطا لملك مصر فؤاد الأول.

وتميز غزلان في الخط الديواني وأدخل عليه بعد التعديلات والتحسينات، حتى سمي باسمه وأصبح يعرف باسم "الديواني الغزلاني".

ويرتبط اسم الفنان الراحل محمد إبراهيم (1909- 1970) بإنشاء مدرسة تحسين الخطوط العربية بالإسكندرية شمالي العاصمة في نوفمبر/تشرين الثاني 1936 لتكون ثاني مدرسة بالبلاد بعد الملكية.

وأقام إبراهيم أول معرض للخط العربي بمصر، وتخرجت من مدرسته بالإسكندرية أول فتاة تحصل على دبلوم الخط العربي بالبلاد، وكتب جدران مبنى الجامعة العربية وأقام فيها متحفا للخط.

ويعد الفنان مسعد خضير البورسعيدي (ولد 1942) أبرز الرواد المخضرمين، ويشهد له المراقبون بالتميز والتفرد في لوحاته.

فقد الاحبة غربة بخطوط الفنان خضير البورسعيدي - مواقع التواصلفقد الاحبة غربة بخطوط الفنان خضير البورسعيدي - مواقع التواصل
"فقد الأحبة غربة" بخطوط الفنان خضير البور سعيدي  (مواقع التواصل)

وكتب البورسعيدي المصحف الشريف 6 مرات وأسهم في كتابة العديد من مقدمات البرامج والمسلسلات والأفلام وأغلفة الكتب وأسماء كبار الشخصيات بمصر والدول العربي.

لوحة فنية مبدعة من أعمال الفنان خضير البورسعيدي - مواقع التواصل
لوحة فنية بديعة من أعمال الفنان خضير البور سعيدي (مواقع التواصل)

وشهدت مكتبة الإسكندرية الأحد 27 فبراير/شباط الماضي -في إطار احتفالها بمئوية المدرسة المصرية للخط العربي- حفل توقيع كتاب يحتفي بخضير البورسعيدي.

وأصدرت المكتبة الكتاب من خلال مركز دراسات الخطوط تحت عنوان "خضير البورسعيدي.. مدرسة مصرية في الخط العربي".

وقال الفنان خضير البورسعيدي -في بيان رسمي- "إن العمل على الكتاب استمر 4 سنوات، وكان يعتقد أنه سوف يصدر عقب وفاته".

وحظي الكتاب بعدد كبير من لوحاته في التلفزيون والأفلام القديمة وصل عددها إلى ما يقرب من 20 ألف لوحة.

المصدر : الجزيرة