صاحب "محمد والذين معه" و"الحفيد".. الناشر والروائي عبد الحميد جودة السحار

يرى الأديب الراحل عبد الحميد جودة السحار أن القصة التاريخية تستخدم لثلاثة أغراض، أولها: تقديم صورة تاريخية لفترة ما نابضة بالحياة، قد توافق الحقائق التاريخية أو لا تلتفت إليها، وثانيها: تفسير الحوادث المهمة في التاريخ تفسيرا لا يبعد عن الحقيقة، وثالثها: استغلال التاريخ والحضارات لإبراز أزمة الحضارة الإنسانية، ومشكلة الفرد وعلاقته بالمجتمع.

الأديب عبد الحميد جودة السحار
الروائي والأديب المصري الراحل عبد الحميد جودة السحار (مواقع التواصل)

القاهرة- "عزمت أن أستمد قصصي كلها من واقع الحياة، أن أبحث عن أناس أعيش بينهم واستقرئ حياتهم، ثم أنسق المجرى الذي ستندفع فيه الشخصيات والأحداث حتى تبلغ القصة نهايتها الطبيعية".

في كتابه "القصة من خلال تجاربي الذاتية"، يحكي الأديب عبد الحميد جودة السحار عن عشقه للقراءة والكتابة، وعن الأساليب التي يتبعها في استلهام قصصه، مؤكدا أن أول ما يخطر في باله الاستعانة بتجاربه وما سمعه وما حفظه على مر السنين.

وكما يقول السحار -الذي رحل في مثل هذا اليوم 22 يناير/كانون الثاني من عام 1975- إن الكتابة أرهقته، لأنه أعطى لنفسه شخصيتين في قصصه، شخصية إسلامية وشخصية اجتماعية، ولا علاقة بين جمهورهما. تصفه جريدة الأهرام بأنه "حيّر جمهوره من القراء، فيتخيله جمهوره من محبي القصص الديني شيخا بعمامة، وجمهور القصص والروايات يرونه كاتبا عصريا، ولا يخطر ببال أيهما ذلك المزج المدهش بين نوعي الأدب".

النشأة

ولد السحار في حي الضاهر بقلب القاهرة في 25 أبريل/نيسان 1913، في عائلة من التجار، وكان أول الموظفين في عائلته على حد وصفه.

أحب القراءة منذ نعومة أظفاره، فكان يشتري القصص من مصروفه مع أشقائه، وأصدروا مجلة أدبية في صغرهم، كما تنافسوا في كتابة القصص والمقالات، وكانوا يوزعون المجلة مجانا على المارة.

يحكي السحار: "أخذ أخواي يقرآن المجلة لكل وافد، وأنا أصغي منتشيا، حتى حفظت مواد العدد الأول عن ظهر قلب، وكان هذا أول عهدي بتذوق الأدب".

تعلم السحار من شقيقيه حبّ القراءة، فكان يذهب معهما للمكتبة، ويستعير الكتب طوال الإجازة الصيفية ويقرأها، كما تعلم منهما حبّ السينما والذهاب إليها.

تزوج من بنت عمه قبل الانتهاء من دراسته، ثم حصل على البكالوريوس في التجارة من جامعة الملك فؤاد الأول (القاهرة)، وتم تعيينه مترجما في السلاح الجوي الملكي.

محاولاته الأولى

كتب مقالا مستعينا بكتاب ألفه أستاذه في الجامعة في الاقتصاد السياسي، وأرسله لجريدة الأهرام، ففوجئ بنشره، فشجعه ذلك على ترجمة مقالات لكتاب إنجليز، وبعث بها من جديد للأهرام، فتم نشرها جميعا.

يحكي في لقاء تلفزيوني أنه شهد مشاجرة في منزل للجار، وكانت الزوجة مسيطرة، فاستلهم منهما أولى قصصه بعنوان "رجل البيت"، وأرسلها لمجلة الرسالة.

التقى بالأديب نجيب محفوظ، وعرف أنه يواجه مشاكل في النشر، واقترح عليه أن ينشرا لنفسيهما، فاقترض مصوغات زوجته، ليمول مشروعه للنشر، وقام بطبع رواية "رادوبيس" لمحفوظ، مؤكدا أنهما لم يكن باستطاعتهما طبع أكثر من 500 أو 1000 نسخة، وأسس مع شقيقه مكتبة "مصر" لتصبح من أهم دور النشر المصرية.

أحمس بطل الاستقلال

في سنواته الأولى بالجامعة، قرأ السحار رواية فرنسية قال كاتبها إنه يكتب وصورة ابنته تتخايل أمامه، فيسطر ما يعتقد أنه يدخل السرور على قلبها. احتلت الفكرة رأس السحار، وخاطب نفسه: "لماذا لا أكتب قصة تاريخية تعتمد على ضخامة الحوادث، تغتبط بها ابنتي إذا ما قرأتها يوما؟".

بعد 3 سنوات من تخرجه في الجامعة، قرر السحار أن يحقق حلمه ويعكف على الكتابة. قضى 20 يوما متواصلة لا يقابل فيها أحدا، جاعلا بطل قصته قادرا على كل شيء، حتى انتهى من كتابة آخر كلمة من قصته "أحمس بطل الاستقلال" في 1940.

التاريخ الإسلامي

ولأنه تربى منذ صغره على القصص الديني، وتمنى أن يكتب السيرة النبوية بأسلوبه، وأراد أن يقدم "التفسير الروحي للتاريخ" على حد تعبيره، قدم للمكتبة العربية العديد من القصص عن الشخصيات الإسلامية، مثل قصصه: "بلال مؤذن الرسول"، و"سعد بن أبي وقاص"، و"أبناء أبي بكر"، و"هاجر المصرية أم العرب"، و"بنو إسماعيل"، و"العدنانيون"، و"قريش"، و"خديجة بنت خويلد"، و"دعوة إبراهيم"، وأهم كتبه "محمد رسول الله والذين معه"، الذي تم تقديمه في مسلسل تلفزيوني في ثمانينيات القرن الماضي. يكتب في مقطع من الكتاب:

"عرف محمد صلى الله عليه وسلم ربه قبل أن يبعث، وأشرق قلبه بأنوار يسرت له مشاهدة ما وراء حواسه، فاستوى بصره وبصيرته وأرشد إلى طريق الحق، حتى إذا ما أتم الله تدريبه وإعداده لتحمل نزول الوحي عليه كلف بالرسالة، فكان عليه وحده بتأييد من ربه أن يخلع الشرك وعبادة الأوثان من رقاب الناس".

عن تخصصه في أدب الرواية الإسلامية، يقول السحار "أحسست أن التراث الإسلامي والثقافة العربية والإسلامية تمثلان شيئا مهما وجوهريا داخل حلقات التطور الفكري لمصر عبر العصور، وأنه لا يمكن تطوير الأدب وتطور الثقافة المصرية دون العودة إلى استلهام هذا التراث وتحقيقه على المستويين الفكري والفني".

إيقاظ مشاعر الأمة

في كتابه "الشخصية الإسلامية في الرواية المصرية الحديثة"، يرى الدكتور كمال سعد خليفة أن السحار كان مدفوعا نحو التاريخ الإسلامي لما يتميز به من ثراء وجلال، ووعيه بأهمية إيقاظ مشاعر الأمة وإثارة ذاكرتها التي تكاثرت عليها مقومات التخلف، فاتجه لسيرة النبي والصحابة، ليعرضها عرضا أمينا معملا خياله المبدع، وكانت الحقيقة التاريخية هي الركيزة الأساسية التي ينطلق منها بناؤه القصصي.

القصة التاريخية

ويرى السحار أن القصة التاريخية تستخدم لثلاثة أغراض، أولها: تقديم صورة تاريخية لفترة ما نابضة بالحياة، قد توافق الحقائق التاريخية أو لا تلتفت إليها، وثانيها: تفسير الحوادث المهمة في التاريخ تفسيرا لا يبعد عن الحقيقة، وآخرها: استغلال التاريخ والحضارات لإبراز أزمة الحضارة الإنسانية، ومشكلة الفرد وعلاقته بالمجتمع.

وقدم سيرته الذاتية في إطار قصصي ممتع في كتابه "قصة حياتي" متناولا طفولته حتى شبابه، وعلاقات أسرته مع الجيران والأقارب، وعلاقاته مع أشقائه.

وعن عاداته في الكتابة، يؤكد السحار -في حوار تلفزيوني- أنه ينام مبكرا ليستيقظ مبكرا، ويكتب من الخامسة إلى الثامنة والنصف صباحا، كما أنه يكتب كل يوم بانتظام.

وكتب السحار القصص الدينية للأطفال، مثل قصص الأنبياء، والخلفاء الراشدين، والسيرة النبوية في 24 جزءا للأطفال، وتعرف على تاريخ العرب في أوروبا وهو يكتب "العرب في أوروبا" للأطفال.

السينما

اتجه للسينما فكتب فيلمه الأول "درب المهابيل" (1955) بمشاركة نجيب محفوظ وتوفيق صالح، ولعب بطولته الفنان شكري سرحان، كما كتب القصة والحوار لفيلم "أم العروسة" (1963) بمشاركة عبد الحي الأديب، ليقدم حياة أسرة مصرية بسيطة تسعى لتدبير تكاليف زواج ابنتها.

كما كتب قصة الفيلم الشهير "مراتي مدير عام" (1966)، متناولا قضية عمل المرأة في مجتمع الستينيات، ليقدمه كبار الفنانين مثل شادية وصلاح ذو الفقار ويخرجه فطين عبد الوهاب. وعن روايته "الحفيد" تم تقديم الفيلم السينمائي الاجتماعي الشهير، وتعاون مع نخبة من الأدباء مثل توفيق الحكيم وعبد الرحمن الشرقاوي في كتابة سيناريو فيلم "الرسالة" (1976) للمخرج مصطفى العقاد.

تولى رئاسة تحرير مجلة السينما عام 1973، لينقذها من أزمتها المالية، وبعد وفاته بسنة -في عام 1975- أهدته جمعية نقاد وكتاب السينما جائزتها التقديرية عن مجمل أعماله السينمائية.

المصدر : الجزيرة