قراءة يسارية للتغير المناخي: الرأسمالية لا البشرية هي التي تحرق الكوكب

يرى الكاتب أن النظام الرأسمالي الذي يضع الربح فوق كل شيء هو الذي يمنع تخفيف انبعاثات الكربون بينما يحترق العالم (ماكس بيكسل)

ليس كل البشر مذنبين بنفس القدر في فوضى المناخ المعاصر، وإن تحديد الأغنياء والأقوياء باعتبارهم المذنبين الرئيسيين هو المفتاح لوقف المزيد من الدمار، بحسب مجلة جاكوبين (Jacobin mag) الأميركية.

وفي مقاله بالمجلة اليسارية، يقول كريس سالتمارش، أحد مؤسسي منظمة العمل من أجل صفقة خضراء جديدة، إن اللوم في أزمة التغير المناخي ينبغي أن يقع على الرأسمالية وليس "الإنسانية" بشكل عام.

ويشير مفهوم "الصفقة الخضراء الجديدة" إلى برنامج من مجموعة أفكار إصلاحية وتشريعات أميركية تهدف إلى معالجة التغير المناخي وعدم التكافؤ الاقتصادي، وازداد الحديث عنها مؤخرا مع تفاقم أزمة التغير المناخي وآثارها الكارثية في شتى أنحاء العالم.

​​وتقترب هذه الفكرة من طرح المفكر الأميركي ناعوم تشومسكي الذي أصدر حديثا كتاب "أزمة المناخ والصفقة الخضراء العالمية الجديدة" وناقش فيه السياسات الاقتصادية النيوليبرالية منذ الرئيس الأميركي الأسبق رونالد ريغان التي اعتبر أنها أوصلت العالم إلى مصير الفوضى الحالية.

ويرى تشومسكي أن تأثير التلوث موجّه بشكل أساسي نحو إيذاء الفقراء والمحرومين، ويقول إنه "عندما تزيل إدارة ترامب ضوابط التلوث من المصانع، من يؤذى بسبب ذلك؟ إنهم أناس يعيشون بالقرب من المصانع الملوثة لأنهم لا يستطيعون العيش في أي مكان آخر. إذا أنهينا الأزمة فنحن نساعدهم؛ لذلك هناك الكثير من الأشياء (الداعمة للمساواة) التي تحدث تلقائيا تقريبا نتيجة لسياسة الصفقة الخضراء الجديدة، ويمكن تعديلها لجعلها أكثر".

وإحدى القضايا الرئيسية للعدالة المناخية هي التعامل مع الجنوب العالمي؛ أي الأشخاص الذين لم يسهموا حقًا في المشكلة، ولكنهم يعانون منها الآن أكثر من أي شخص آخر ولمدة 75 عامًا، يقول تشومسكي "كنا نعيش في وضع فريد في تاريخ البشرية؛ لدينا الوسائل لتدمير الحياة البشرية المنظمة على الأرض، لم يكن هذا متاحا من قبل".

نقد تقرير حالة المناخ

وينتقد الكاتب اللغة التي كتب بها تقرير "حالة المناخ العالمي" الأخير الذي صدر عن اللجنة الحكومية الدولية المعنية بتغير المناخ في التاسع من أغسطس/آب الماضي، وأفاد أن "نطاق التغيرات الأخيرة في جوانب النظام المناخي ككل غير مسبوقة منذ قرون أو عدة آلاف من السنين".

ويعتبر الكاتب أن اللغة التي كتب بها التقرير تدعم هيمنة الطبقة الحاكمة، وتحمل المسؤولية للإنسانية كافة بشكل عام، مؤكدا أنها لغة أيديولوجية تحاول عدم توجيه اللوم للطبقة الحاكمة بطريقة غير علمية.

ويضيف سالتمارش أن إنكار أزمة المناخ لم يعد العائق الرئيسي حاليا وإنما تأخر وتقاعس الطبقة الرأسمالية، ويضيف "الرأسماليون هم من يستفيدون من أزمة المناخ بينما يعاني الأكثر فقرا. إن النظام الرأسمالي الذي يضع الربح فوق كل شيء هو الذي يمنع تخفيف انبعاثات الكربون بينما يحترق العالم".

الرأسمالية الأحفورية

ويتفق الكاتب مع القول إن بعضنا يستفيد ماديًا من ثمار "الرأسمالية الأحفورية"، فلا مفر من أن يكون استخراج الوقود الأحفوري أساس الحضارة الحديثة وأنه قدم تحسينات للعديد من البشر، لكن معظم الناس يتم استغلالهم وعزلهم وتهميشهم داخل هذا النظام، ويردف "نحن نستهلك منتجات الرأسمالية كثيفة الكربون، لكن ليس لدينا رأي في الظروف الأساسية للإنتاج التي تدفع مناخنا إلى الانهيار".

ويتابع "لا يتشارك العامل بمصفاة النفط في اللوم مع الرأسمالي الذي يستغلهم للربح من إنتاج النفط.. مجتمعات السكان الأصليين التي نزحت بعنف من أراضيها لإفساح المجال لمنجم فحم لا تتشارك اللوم مع الحكومات التي أجبرت هذه المشاريع على العمل".

سيكون صحيحًا بالطبع أن نقول إن تغير المناخ ليس بالضرورة فريدًا من نوعه بالنسبة لنمط الإنتاج الرأسمالي، ومن المؤكد أن أي حضارة بشرية اكتشفت الوقود الأحفوري كانت ستسخره وتسبب تغير المناخ، ولكن على الرغم من ذلك -يتابع الكاتب- فإن أولوية الرأسمالية في تعظيم الأرباح قصيرة الأجل قد ألغت الحاجة إلى تحويل نظام الطاقة لدينا.

ويكمل "نحن لسنا جميعًا مسؤولين بالتساوي عن انهيار المناخ. لا يمكن لسلوكياتنا الفردية -حتى لو تم أخذها بشكل جمعي- أن تدفع إلى تقليل الكربون بشكل سريع وعادل، بدون التحول المخطط للاقتصاد. يمكننا إما أن نختار الانغماس في سياسات مناخية معادية للبشر تضع البشرية بشكل عام في مأزق مع التعتيم على السبب الحقيقي للأزمة، أو يمكننا تبني رؤية إنسانية واشتراكية للعدالة المناخية تحكي قصة الإمكانات البشرية والإمكانية من عالم أفضل، والاستفادة من أفضل المناخ الذي نمتلكه" بحسب تعبيره.

ويعتبر الكاتب أن المهمة الأساسية هي الحد من الاحترار عن طريق إزالة الكربون بأسرع ما يمكن ويجب أن نفكر أيضًا في كيفية التكيف مع هذا المناخ الجديد.

ويتابع "يجب أن يطالب اليسار وحركة المناخ ببرنامج للتكيف العادل مع تغير المناخ، وأن يندمج ذلك في برنامجنا السياسي. نحتاج إلى رؤية المباني والبنية التحتية المرنة، والدفاعات ضد الفيضانات، وخطط الإخلاء، وخدمات الطوارئ الممولة تمويلًا جيدًا، والتأمين الذي تضمنه الدولة لتغطية الخسائر والأضرار، وسياسات قبول اللاجئين ودعمهم".

ويختم "يمكننا تشكيل حركة جماهيرية متشددة وجذرية مستعدة لبناء اقتصاد جديد قائم على الإنصاف والعدالة والازدهار المشترك. نحن نعلم أنه سيتعين علينا أن نتعايش مع إرث الرأسمالية الأحفورية على كل حال، ولكن يمكننا أن نتأكد من نقله إلى التاريخ".

التغير المناخي والعنصرية

وفي كتاب "تغير المناخ عنصرِي.. العرق والامتياز والنضال من أجل العدالة المناخية" الصادر في يونيو/حزيران 2021، يأخذنا الكاتب والناشط البيئي جيريمي وليامز في رحلة قصيرة وسريعة عبر العالم، من كينيا إلى الهند، ومن الولايات المتحدة إلى أستراليا لفهم كيفية تداخل امتيازات البيض مع تغير المناخ.

climate change cover book
كتاب "تغير المناخ عنصرِي.. العرق والامتياز والنضال من أجل العدالة المناخية" للكاتب والناشط جيريمي وليامز (مواقع التواصل)

ويقول المؤلف إننا عندما نتحدث عن العنصرية، فغالبًا نعني تحيز الأشخاص والمؤسسات إلى عرق معين على حساب عرق آخر، لكن الكتاب يتجنب تلك المفاهيم السطحية للعنصرية ليكرس صفحاته لمناقشة العنصرية البنيوية المتأصلة في المجتمعات؛ إذ يتسبب أغلب الأشخاص البيض في الدول ذات الأغلبية البيضاء في تغير المناخ، في حين يكون الضرر من نصيب أغلبية ساحقة من الأشخاص الملونين والسود، وذلك يعكس أزمة المناخ ويعزز الظلم العنصري، حسب الكتاب.

ويرى الكتاب أن انعدام المساواة البيئية مثال على العنف الهيكلي، إذ ينبع من أفكار ثقافية عميقة عمن يحق له الهواء النظيف والماء، ومن هو أقل "استحقاقًا"، ومن الذي يجب أن يظل آمنًا ومن لا.

المصدر : الجزيرة + الصحافة الأميركية + مواقع إلكترونية