تسييس الاضطهاد.. كتاب للقس والأكاديمي متري الراهب يقرأ أحوال مسيحيي الشرق في قرنين

د. متري الراهب يحمل كتابه، وصورة لغلاف الكتاب الذي ألفه باللغة الانجليزية
متري الراهب يحمل كتابه الذي ألفه باللغة الإنجليزية (الجزيرة)

بيت لحم- "المسيحيون مضطهدون في الشرق الأوسط من المسلمين"، هذه الجملة التي كانت تتردد من رأس السلطة الأميركية في عهد الرئيس السابق دونالد ترامب، دفعت مؤسس ورئيس جامعة دار الكلمة للفنون والثقافة في بيت لحم (جنوب الضفة الغربية المحتلة) الدكتور متري الراهب للبحث فعليا عن مدى دقتها.

وألّف الراهب كتابا باللغة الإنجليزية أسماه "سياسات الاضطهاد.. مسيحيو الشرق الأوسط في عهد الاستعمار"، وبحث الكتاب حياة المسيحيين في كل من مصر وفلسطين والأردن ولبنان وسوريا، خلال القرنين 19 و20؛ أي في زمن الدولة العثمانية والانتداب البريطاني وحتى الاحتلال الإسرائيلي.

تسييس "الاضطهاد"

أراد مؤلف الكتاب معرفة حقائق الأمور -كما يقول للجزيرة نت- بعيدا عن المشاعر، وتعزز ذلك بعد الادعاءات من قبل اليمين الصهيوني المتطرف الأميركي من أنه يحب مسيحيي الشرق الأوسط، ويريد مساعدتهم، ورأى الكاتب أن الهدف من إظهار الاضطهاد كان الأغراض السياسية وليس لأنه حقيقة واقعة.

وجعل الراهب كتابه باللغة الإنجليزية لأنها الأكثر قراءة على مستوى العالم، وخاطب فيه المواطن البسيط، ويحتوي الكتاب على 12 فصلا في 200 صفحة، أنجزه بعد 5 سنوات من البحث العلمي المتواصل.

وكان لا بد بعد ترويج ادعاء فكرة الاضطهاد المسيحي من المسلمين من معرفة من مع المسيحيين ومن ضدهم، ويجب أن يجاب عن ذلك من خلال أبحاث علمية وليس وفق تقديرات أو ترويج إعلامي، وكان السؤال الأهم -وفق الراهب- هل كان هناك اضطهاد حقا؟ ومتى كان ذلك؟

the politics of persecution cover book
غلاف كتاب "سياسات الاضطهاد.. مسيحيو الشرق الأوسط في عهد الاستعمار" (مواقع التواصل)

أرقام وحقائق

بحثت فصول الكتاب مواضيع عدة؛ أبرزها دعم بريطانيا وأميركا للصهيونية ضد الوجود المسيحي في فلسطين، وفي فصل آخر بحث موضوع الأقليات؛ وهي فكرة أدخلها الغرب بعد الحرب العالمية الأولى لتفتيت الشعوب والسيطرة عليها، ووجد الكاتب أنه في الدولة العثمانية لم يكن المسيحيون أقلية، بل كانوا ربع عدد السكان، وكانت الإمبراطورية العثمانية تحوي أشكالا وأجناسا مختلفين، وأراد الغرب بعد الحرب العالمية الثانية واستقلال الدول التي نراها اليوم إبراز قضية الأقليات للتدخل في الدول الصغيرة.

وأما بالنسبة للتعداد، فإن الإحصاءات تظهر أن نمو الأسرة المسيحية هي 1.9، لكنه عند المسلمة 4.6، وهي ليست بسبب الدين، بل بسبب أن أغلب المسيحيين يعيشون في المدن، في حين يعرف عن القرى والريف أن تكاثرهم كان مضاعفا.

وقال الدكتور الراهب للجزيرة نت إن الغرب لم يحرك ساكنا عندما هُجِّر الشعب الفلسطيني عام 1948، وكان للمسيحيين دور في النضال والدفاع عن أرضهم، ودفعوا ثمنا في انحياز الغرب لإسرائيل. وهناك فصل في الكتاب تحدث عن النهضة العربية والدور المسيحي في إحياء اللغة العربية وتأليف كتب النحو من مسيحيين عرب.

وفي حرب عام 1967 رأى الراهب أنها غيرت معالم الشرق الأوسط، وقويت بعدها حركة الاستيطان اليهودي، كما قويت المسيحية الصهيونية التي دعمت إسرائيل، وظهرت الأصولية الإسلامية بعد تفكك فكرة القومية العربية، وهنا سأل مسيحيو الشرق: أين نحن؟ خاصة مع ظهور الإسلام المحافظ، إذ بدأ المجتمع يأخذ طابعا محافظا، وازدادت فيه النزعة الدينية الأصولية والمحافظة.

مواسم العنف

وجد الكاتب الراهب أن المسيحيين جزء أصيل ولا يتجزأ من شعوب المنطقة، ولهم ما للآخرين وعليهم ما على الآخرين، ووجد أنه خلال القرنين 19 و20 كان أبرز فصول الاضطهاد ما وقع في زمن أحداث العنف تجاه الأرمن وهجمات تنظيم الدولة الإسلامية.

وحدثت أعمال عنف واسعة زمن الإمبراطورية العثمانية قضى فيها كثير من الأرمن والسريان 1880-1917، إضافة إلى سكان شرق الأناضول من المسلمين، ورغم أن ألمانيا كانت على علم بتفاصيل الوقائع فإن تحالفها مع الدولة العثمانية ومصالحها منعها من التحرك لنصرة الأرمن، في سياق أحداث الحرب العالمية الأولى.

ويقدر الراهب في كتابه أن الاضطهاد الآخر كان فترة حكم تنظيم الدولة لأجزاء من العراق وسوريا، ولكن لم يكن يستهدف المسيحيين بل تعرض المسلمون بالدرجة نفسها لهدم مساجدهم واضطهادهم فقط لأنهم يمكن أن يحملوا فكرا مغايرا.

أما المجازر والمذابح التي حصلت في لبنان عام 1860 فلم تكن مذابح دينية، بل كانت سياسية بحتة بعد دعم البريطانيين للدروز والفرنسيين للموارنة، وكان هدف الغرب ليس الدفاع عن المسيحيين بل استغلال الخلافات الطائفية في المنطقة لتقوية النفوذ الأجنبي.

تحديات واحدة

يرى الراهب في حديثه للجزيرة نت أن خلاصة كتابه هي أن المسلمين والمسيحيين لا يقبلون القسمة على اثنين، لأنه عندما سُئل المسيحيون عن الهجرة وجدت دراسات أن 28% منهم أرادوها، وكانت نسبة المسلمين المستعدين للهجرة 24%، بمعنى أن النسبة متقاربة، وهذا ليس بسبب الاضطهاد بل لأن التحديات التي يعيشونها واحدة.

لذلك كان لزاما على المسيحيين والمسلمين في الشرق العمل معا ضد البطالة ومكافحة الفساد وإنشاء دولة القانون، لأن ماضيهم واحد وحاضرهم ومستقبلهم واحد أيضا، وخلال 200 سنة لم يهتم الغرب بالمسيحيين، بل تباكى عليهم لتحقيق مصالحه وسياساته فقط، لذلك وجب العمل على تعزيز التعددية وإدارة الموارد البشرية والطبيعية بطريقة فعالة، ويجب أن يعلموا تماما أن دول المنطقة تسعى فيها السلطة لاستخدام الدين للبقاء، وتستخدم المعارضة الدين للحصول على السلطة، وفي النهاية من يدفع الثمن هو المجتمع العربي بأكمله بمسيحييه ومسلميه على حد سواء.

وسبق أن كتب المؤلف مقالا قصيرا باللغة الإنجليزية تعليقا على قرار الرئيس الأميركي السابق ترامب نقل سفارة بلاده للقدس، واعتبر الراهب أن "المسيح عيسى عليه السلام الذي ولد في مدينة بيت لحم في زمن الطاغية هيرودوس في عهد الإمبراطورية الرومانية يقف الآن مع الشعب الذي يعاني من الاحتلال ضد الإمبراطورية الظالمة".

المصدر : الجزيرة